الربانية.. حياة الروح (5/6)
اللهمَّ إنَّك أنتَ الله، الملجم المختار، ألجمتَ البحر بقُدرتِك، وأحاط عِلمُك بما في بَرِّكَ وبحْرك، أسرِعْ لنا بسريانٍ مِن لطفك، مع الحلم يعمُّنا ويعمُّ المسلمين، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير، يا كافي يا رؤوف، يا حنَّان يا سلاَم، يا مؤمِن يا مُهيمن، يا مَن ليس كمِثْله شيءٌ وهو السميع البصير، يا مَن وجِلَتِ القلوب مِن خشيته، وأذعنتِ الخلائقُ لأحَدِيَّته، يا أللهُ، أعِنَّا على إصلاحِ أنفسنا، وتحقيقِ ربانيتها، يا مَن إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين.
احرص على عبادة الدعاء:
احرِصْ على عبادةِ الدُّعاء، فهي من صِفات العابدين؛ يقول النبيُّ الحبيب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدعاءُ هو العبادة))؛ أخرجه الترمذي، وقال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وهذا فيه دَلالةٌ واضحة على أهميَّةِ الدعاء ومكانتِه.
أهمية ومكانة الدعاء، وعظمته وجماله:
1- يُمثِّل علاقةً وطيدة بيْن العبد وربه، وهو طاعةٌ لأمر الله القائل: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].
2- سببٌ لدفْع غضبِ الله وسخطِه.
3- مِفتاحٌ لخزائن رحماتِ الإله العظيم، بما فيها مِن الخير الوفير، والعطاءِ الجزيل.
4- فيه إشعارٌ للمسلِم بحاجته الدائِمة إلى مولاه.
5- تحقيقُ الشفافية والرُّوحانيَّة وحب الناس.
6- سببٌ لانشراحِ الصدر، وجامعٌ لكلِّ خير، ودافعٌ لكلِّ شر.
أحْي السُّنن:
أحْي السُّننَ المهجورة، وانشرْ سُنَّة نبيك، وبَلِّغْها للناس كافة، واحفظ سُنته مِن الزيادة والنقصان، وتَخلَّق بأخلاقِ النبيِّ، وتأدَّبْ بآدابه، وحقِّق دائمًا منهجَك الذي تجعل فيه نبيَّك القُدوة.
لتكنْ قدوةً صالحة في ميدان عملِك، لتكن أولَ السبَّاقين إلى حضور الصلوات، وأولَ الداعين فيه إلى الخيراتِ، وأولَ المهتمِّين بالباقيات الصالحات، وكُنْ كالنَّحْلة التي فيها الشفاءُ والدواء لمَن يتعاطَى عسَلَها.
إياك والعين:
ازهدْ دائمًا فيما في أيدي الناس، يحبَّك الله ويحبَّك الناس، وادعُ بالبركةِ لكلِّ ما تراه بعينك ويُعجبك، أو يدخُل قلبَك، واحذرْ أن تُصيب شيئًا بعَينك، فالعينُ حق.
ولا تتهاونْ في ذلك الأمر؛ فإنَّ أكثر مَن يموتون بعدَ قضاء الله وقدَره الميِّتون بسببِ العين؛ ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54].
ليكن لك زاد:
ليكن لك زادٌ مِن العبادات القلبيَّة مِن توكُّلٍ على الله، ويقينٍ به، وقناعة وتفكُّر، وورع وتجرُّد، فهي تُمثِّل صفاءً للرُّوح، وعلوًّا للهِمَّة، وقُربًا ووُدًّا من ربِّ السموات والأرض.
رسالتك:
إيَّاك والتقصيرَ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي رسالتُك في الحياة الدنيا، التي يجب ألاَّ تغيبَ عن ذِهنك وفِكرك واهتمامك أبدًا، إنَّها رسالةُ الأنبياء؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
رَكْب الإيمان:
احرصْ على سفينةِ الإيمان، وضرورة الركوبِ فيها، فإذا لم تَلْحَق بها، فاندمْ ندمًا شديدًا، واعلمْ أنَّها بك أو بغيرك ستَنطلِق في الإبحارِ، غيرَ عابئةٍ بوجودك على ظهرِها أو غِيابك عن رُكَّابها؛ ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 92].
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]
﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 47].
كن قدوة:
كن خيرَ قدوةٍ لغيرك، ممَّن هم حولَك من المسلمين، فلا تأتِ ما حرَّم الله، ولا تبتعدْ عمَّا أمر الله، جميلة أخلاقك، تُسارِع في الخيرات.
يفتح بذلك الفتَّاحُ العليم على يديك قلوبَ العباد والبلاد، ويُعبِّدهم له بفضل حُسْن قدوتِك وإخلاصك، واعلم أنَّ المسلمَ المؤمن المتميِّز كالنحْلَة أينما حلَّ وضَع شَهْدًا وعسلاً.
كنْ كالشجر:
كُن دائمًا مع الناس كالشجْر يَقذِفه الناسُ بالحجر ويُهْديهم بأحْلَى الثمر، وقدوتك في ذلك الحبيبُ المصطفى محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما لاقَى ما لاقَى من إيذاء أهلِ الطائف في الواقعة المشهورة التي عرَض فيها مَلَكُ الجِبال أن يُطبِق عليهم الأخشبَيْن، فيطيح بهم ويسوِّي بهم الأرْضَ، فكان المصطفى الحبيبُ الحنون على خَلْق الله، الراغب في هدايةِ الناس، حتى لو كانوا أعداءَه، قال قولةً مشهورة لملَكِ الجبال رافضًا ذلك، وموضِّحًا سبب الرفض، بأنَّه ((عسى أن يخرُج مِن بين أصلابهم مَن يقول لا إله إلا الله)).
إنَّه الجمالُ الأخلاقي الرائِع، لرجلٍ صاحب همَّة، يُريد أن يصلَ بالأمَّة جمعاء إلى القِمَّة، بمعرفتها الإسلامَ والدخول فيه، صلَّى عليك اللهُ يا عَلَمَ الهُدى، ما هبَّتِ النسائم، وما ناحتْ على الأَيْكِ الحمائم، يا مَن أثْنَى عليك ربُّك بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن