الخطوة الأولى نحو المجد و العلا...
الحمد لله ناصر المؤمنين ومعزّ هذا الدين وموهِن كيد الكافرين، والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...
فمع بداية العام الهجري يحتفل العالم ويبتهج الناس ولكل منهم فرحته، وتبقى حادثة الهجرة المثال الساطع على أنّ الله لن يخذل هذا الدين وأهله ولن يترك القلّة المؤمنة وإن تكالبت عليها الأمم من كل حدب وصوب.
إننا اليوم إذ نقف لحظات في بداية هذا العام لنرجع إلى نهاية مرحلة وبداية مرحلة في تاريخ هذا الدين، دين الله الذي جعله خاتمًا للرسالات ومهيمنًا عليها، فلنتوقف مع معاني الهجرة التي حولت وجهة الزمن وبدلت ألوانه.
إن المتأمل في تاريخ الأمم السابقة ليشهد فيها هجرات مختلفة -سواء منها الفردية أو الجماعية- ولكن ما هو الدافع الذي حملهم على هذا الفعل؟
إن الأسباب متعددة وكلها تحت مسمى الهجرة، غير أن هجرة المصطفى تختلف من حيث مبدئها، فما حمل أولئك السادة على الهجرة جماعات إلا عقيدة اختلجت في عقولهم وإيمانًا راسخًا في نفوسهم فخرجوا انتصارًا للعقيدة وإقامة لدينهم واستجابة لقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة للكيان الذي يستقلّون به في إدارة شؤون حياتهم وفق أحكام الشريعة التي آمنوا بها...
فهي هجرة عقائدية تتعمق جذورها في الإيمان: الولاء فيه لله والخضوع فيه لشرعه والبراء من الشرك وأهله.
فكانت النتيجة أن خلّد الله ذكرهم في القرآن الكريم: "الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله وأولئك هم الصادقون"
إنّنا في هذه الأيام التي تتعالى فيه أصوات الحناجر الصارخة وضجيج المتبارين في الخطابات المنمقة التي لا تثير فكرًا ولا تنتج ثمرًا، نتوقف وقفة طويلة مع الصمت الذي لفّ الهجرة وكانت تباشير ولادة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في الأرض.
الدولة التي قامت على العمل والسعي وفق برنامج تربوي ساد لقرون متتابعة، إلى أن ضعفت العزائم وخارت القوى، فمن واجبنا اليوم بذل الجهود واستثمار الطاقات حتى يأذن الله بظهور وعده: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم"، ليعمروا الأرض وفق شريعة الله.
ففي هذه المناسبة التي غيرت وجه التاريخ قف أمام نفسك وقل لها:
يا نفس قد نقص منك عام فماذا صنعت في أيامك؟
ما هي أهم انجازاتك التي حققتها في سبيلك إلى الله؟
يا نفس هل تفرحين لنقص الدقائق والساعات وتهنئين لمضي الزمن وفوات السنوات؟
يا نفس أين أنت اليوم؟ وإلى أين تمضي بك هذه الحياة؟
ايه يا نفس كم أنت صغيرة أمام هؤلاء العظماء الذين ما لانوا وما انحازوا وما تملقوا، بل كان سعيهم في الدنيا لبلوغ الآخرة، فانصاعت الدنيا لهم وما انصاعوا لها.
إننا اليوم نحتاج إلى التغييرالذي يقربنا من الأوّلين علّنا نكون من السابقين، فخذ خطوة إلى الأمام، متمسكًا بمبادئك ومصادر معرفتك وأتبعها بخطوات التغيير والثورة على الكساد والركون.
ونخص بالذكر في هذه السطور القليلة إضاءة لمن أراد أن يسلك طريق الهجرة ليبدأ بنفسه أولاً:
لتطور إمكاناتك ومهاراتك النفسية فتحيا بروح إيمانية:
أولاً: تعرف إلى نفسك، تعرف إلى القلب الذي يحويه صدرك، ففي الحديث "مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح"(رواه أحمد وابن ماجه)، وانظر أي قلب هو لك من هذه القلوب:
1- قلب عمر بالتقوى
2- قلب مخذول مشحون بالهوى
3- أم قلب يتردد بين خاطر الهوى وخاطر الإيمان؟
ثانياً: رياضة النفس وتهذيب الخلق:
اعرف العلل وداوها، ولا تقل صغيرة فإن الجبال من الحصى. وتكتسب الأخلاق الحسنة بمصاحبة أهل الخير "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
ثالثاً: اسلك الطريق الموصل إلى تهذيب الخلق، وذلك يحتاج منك إلى قوة عزم وصبر وثبات، فإن النفس ميالة بطبعها إلى الراحة فعودها المخالفة في ما تهوى واجعل هواها في ما يحب الله ويرضى. قال تعالى: “يا يحيى خذ الكتاب بقوة"
رابعاً: صفِّ قلبك لله:
علامة صفاء القلب معرفة الله سبحانه، وعلامة معرفته: الحب، فمن عرف الله أحبه، وعلامة المحبة ألا يؤثر عليه شيئا من المحبوبات. فمن أحب أطاع وسار لا يتلكأ في الاستجابة لمحبوبه، ومن صفات المؤمنين أنهم خاضعون بقلوبهم وجوارحهم لله تعالى، لا يقدمون على أمره طاعة ويخبتون له وحده. فكان لهم في ذلك كل الخير وظهر نتيجة ذلك شعور ينطلق بالطاعة لله...
قال تعالى: “إنّما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم"، "رضي الله عنهم ورضوا عنه"
كيف تتعرف إلى عيوب نفسك؟
كي تجتنب الشر ووتتقيه تعرّف إليه، فإن لم تعرفه فابحث عمّن يعرفه ويصف لك الدواء ثم تجتنبه، أو تداوي نفسك إن أصابك شيء منه، لذا:
1- ابحث عن شيخ جليل عالم بأحوال القلوب، فإن وجدته فقد غنمت فالزمه ما استطعت واحرص على أن تأخذ من الدواء لما ألمّ قلبك.
2- اسأل صديقًا صدوقًا، لا يواري عنك خطأك، ولا يداري لك زيفك، ولا يرائي لك فعلك، ولا يزين لك قولك، ورحم الله عمر رضي الله عنه حين قال: “رحم الله امرئ أهدى إلي عيوبي".
3- معرفة عيوب النفس من ألسنة الأعداء، فبضدّها تعرف الأشياء، فلا تستهن بنقد الآخرين وخذ منها ما يعينك على معرفة عيوبك.
4- أن تخالط الناس فتعرف المنكر فتتجنبه، وتقيس عملك على المعروف لديهم فتزيده حسنًا.
5- تعرّف على نفسك من خلال مقاييس العلم الحديث الذي يعطيك صفاتك العامة وأطر شخصيتك.
فإن خطوت خطوتك الأولى فتابع المسير وواجه نفسك بالإجابة عن الأسئلة التالية بكل صدق وأمانة:
- إذا كان من معاني الهجرة التضحية فماذا قدمت من التضحيات؟
- وإن كان لها معنى المشاركة، فأين أنت من الإخلاص في الدعوات؟
- وإن كان من مهماتها تجنيد الطاقات فأين أنت من الهمة والخلوات؟
- وإن كانت وعيًا سياسيًا فما هو موقفك من المتخاصمين والمتملقين وزيف الخطابات؟
- وللانضباط تميز في الهجرة فأين أنت من التميز في الدأب لنصرة الدين وحضور المجالس والندوات؟
هكذا ستعرف أين أنت اليوم!... فابدأ بالتخطيط والإعداد لتنفيذ رحلة الهجرة لتغير مجرى حياتك... لنلتقي هناك في القمة... فإنما هي الخطوة الأولى فابدأ بها...
هكذا كانوا وبهذا الدين سادوا.... فإن أردنا أن نكون... فباتباع نهج خير المرسلين... بالعلم والمعرفة، فهما خير دليل.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا في أعمارنا وأن يرزقنا الصبر والثبات والإخلاص في دعوتنا وأن يكرمنا بحسن الخاتمة. وصلى الله وسلم وبارك على خير الأنام محمد.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن