سحر المداد.. حوار مع الشاعرة أحلام الحنفي
"سحر المداد" ديوان يجمع بين دفتيه مجموعة من القصائد والخواطر.. رسمت فيه الشاعرة بكلماتها لوحات مفعمة بالأشواق النبيلة والمبادىء الراقية...
وحول مضمون الديوان والمراحل التي مر بها حتى أبصر النور، وعن الفرق بين شعراء الأمس واليوم، وأسباب ضَعُف حضور الشعر العربي في واقعنا، ورأيها في القصيدة الحديثة، وعن أبرز العناصر التي يجب أن تتوفر في الشاعر ليسمى شاعراً وغيرها من الأسئلة..
كان لنا لقاء مع الشاعرة أحلام الحنفي:
- إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة بيروت العربية.
- دراسات إسلامية في كلية الإمام الأوزاعي.
- محررة في مجلة غدي الشبابية.
1- (سحر المداد) هو باكورة نتاجك الشعري؛ حدّثينا عن المراحل التي مر بها الديوان، حتى أبصر النور؟
- أولاً لله الفضل والمنة أن يسر إصدار هذا الديوان، بالنسبة لسحر المداد فهو حصيلة حوالي 9 أعوام من النظم، إلا أنه لم يتضمن كل ما نظمته خلال هذه الأعوام التسع، فمنها ما أقصيته ليتوافق مع حجم الديوان، ومنها ما أقصيته باعتباره من أوائل تجاربي الشعرية، والبعض كان ضحية الحرب في تموز عام 2006م حيث هلك كل ما نظمته قبل عام 2001م مع ما هلك من بيتنا، وقدَّر الله أن أودع إحدى الأخوات مجموعة من أشعاري قبيل الحرب للاطلاع عليها وقراءتها، فكانت البداية التي انطلقت منها في جمع القصائد.بدأت نظم الشعر بخجل في أواخر المرحلة المتوسطة ثم حاولت تطبيق بعض دروس العروض التي تعلمناها، وكانت أبيات في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أوائل المرحلة الثانوية حيث النضوج الفكري يكون أكبر، تفجرت مشاعري الوطنية، ورأيتني أنظم خاطرة من 4 صفحات حول فلسطين بمشاعر مفعمة، تابعت بعدها محاولاتي الشعرية وأنا أعرض بعضها على أساتذتي، ثم مع انطلاقة الانتفاضة عام 2000م زاد رصيدي الشعري ولم أكن أنظم إلا قصائد وطنية حيث أصبحت قضيتي، في منتصف المرحلة الجامعية أي بعد احتلال العراق اتخذَت أشعار منحى ً أكثر تنوعاً، وكنت أنظم الشعر أنا وزميل لي في الفصل، فاقترح علينا أستاذنا نشر الأشعار في افتتاحية في الجامعية، لكني لم أكن مقتنعة بأني قدمت الكم الذي يستحق ذلك، فضلاً عن قناعتي بأن الأيام كفيلة بتطوير أي نتاج، ونحن لا نزال في طور التلمذة..بدأت منذ أواخر عام 2008م بالتفكير بجدية بجمع الأشعار في ديوان، خاصة مع إلحاح بعض الصديقات بأن ما كتب يجب أن يُقرأ، وزاد من قناعتي بذلك إضافة لون جديد لم أكن أنظمه من قبل وهو قصائد الحب في الله التي أَثرتْ أشعاري كماً ونوعاً.. ربما تأخرت هذه الخطوة قليلاً حيث تعرض المضمون للتعديل مرات عديدة بين إضافة وحذف، مع عرضه على المتخصصين لمراجعته بصياغة نهائية، حتى يسر الله طباعته في دار لبنان للطباعة والنشر، وأبصر النور في مطلع عام 2011م. وهو يتضمن حوالي 44 قصيدة في 130 صفحة من القطع الكبير.
2- كيف تقيِّم أحلام ديوانها سحر المداد، وهل من إصدارات قادمة؟
- من يكتب أو ينظم ينتظر في الغالب تقييم الآخرين لكتاباته، وباعتبار أن أي إصدار أول ربما يوجس في نفس الكاتب خيفة من مستوى تقبله لدى الناس، لكني كنت مقتنعة أن هناك معنى أريد إيصاله للقراء، وأن الهدف الأول هو رضوان الله تعالى ورجاء تقبُّل هذا العمل عسى أن يُنتفع، به لا سيما أن موهبة ربانية قبل كل شيء، أما عن الردود فقد حرصت على إطلاع عدد من الشعراء وذواقة الشعر والأدب، كونهم أقدر على التقييم والنقد الشعري من القارئ العادي، وقوبلت بفضل الله بردود طيبة جداً لا سيما تجاه النفس التربوي الإسلامي الذي تضمَّنه الديوان، ما أثار في نفسي الحماسة للاستمرار في الخطوة التالية التي ستكون بإذن الله ديواناً وجدانياً أخوياً أعمل حالياً على مراجعته، وربما يكون جاهزاً للنشر في نهاية العام بإذن الله. ومع ذلك لا زلت بانتظار أي قراءات أخرى، وأن ملحوظة ستكون محل اهتمام. وإذا أردت تقييم سحر المداد أقول: تجربة شبابية متواضعة بنَفَس إسلامي، شاء الله أن تبصر النور عسى أن تكون كلماته رسالة توجه لقلوب القراء وعقولهم وأرواحهم، تذكرهم بالله وبحبيبه رسول الله، تنقش فلسطين والقدس في الذاكرة والوجدان، تذكر بقضايا الأمة، تنشد للفضيلة، وترسم البسمة على وجوهٍ حبيبة في شعر أخوي وجداني، ينطلق سحر المداد من ذرات تراب فلسطين ويرجو الله أن ينتهي بنا في جنات رب العالمين مطمعنا بعد رضوان الله تعالى. نسأل الله القبول.
3- ما أبرز العناصر التي يجب أن تتوفر في الشاعر ليسمى شاعراً، وما هي أشكال القصائد الشعرية؟
- باعتقادي هناك 6 عناصر ينبغي أن يتحلى بها الشعراء، وإذا لم تتوفر فذلك يعني خروجاً بالقصيدة عن شكلها الأصيل:
• الأذن الموسيقية التي يتحلّى بها الشاعر، والتي يستطيع من خلالها أن يضبط الوزن فيأتي انسيابياً على إيقاع بحر واحد، والتي تمكِّنه من اكتشاف أي خلل في الإيقاع أو الجرْس الموسيقي للبيت، يستطيع بعد ذلك أن يتبينه من خلال الكتابة العروضية، وتلك هبة من الله.
• الاطلاع على بحور الشعر -الأكثر استخداماً على الأقل- ومعرفة تفعيلاتها وجوازاتها.
• وجود مستوى لغوي مقبول، بحيث يتوفر في ذهن الشاعر قاموس من الألفاظ التي يصيغ منها أشعاره.
• إحساس عالٍ ومرهف، فالشعر هو في الدرجة الأولى تعبير عن المشاعر.
• خيال واسع، قادر على الاتيان بصور بلاغية وبديعية.
• قدرة على السبك، تربط الصورة والمعنى باللفظ في سياق موسيقي واحد، وتسكب المشاع في قالبه. وهذه التوليفة هي عطاء رباني، وهذه النقطة والنقطة الأولى هي ما يميز الشعراء عن غيرهم، لذلك ذكرتُ سابقاً أن الشاعر يولد شاعراً.
أما عن شكل القصيدة فهي على 4 أشكال:
• القصيدة العمودية أو ما يسمى بالشعر التقليدي، وهي القصيدة ذات الشطرين الموزونين على بحر واحد من أول أبيات القصيدة إلى آخرها.
• قصيدة التفعيلة، بحيث لا يكون البيت الشعري من شطرين، ولكن تكون سطور القصيدة منظومة على تفعيلة أحد البحور، بحيث تتضمن موسيقى داخلية تظهر جلياً.
• الخاطرة، بحيث لا تكون سطور القصيدة موزنة في الأصل، وقد تعتمد على السَّجع أو تكون حرة. وتتعدد فيها الإيقاعات الموسيقية أحياناً.
• القصيدة النثرية، وهي التي تكون إلى النثر أقرب منها للشعر وكأنها جمل نثرية مقطعة، وبرأيي إن هذا النمط يخرج عن الإطار الشعري لخلوه من موسيقى الشعر. وممكن أن نكتفي بتسميته نظماً.
4- بماذا يختلف شعراء اليوم عن الأمس؟
- الحقّ أن لكل زمان رجاله واهتماماته، ويختلف توجه الشعراء بحسب العصور التي يعيشون فيها، وإذا أردنا أن نأخذ مثالاً على ذلك في العصور الإسلامية، نرى أن الشاعر كان له حضور بارز، ففي عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان الشعراء ينافحون عن النبي ويردُّون على بذاءة المشركين، وفي العصور التالية برز الشعراء في بلاطات الحكم، وكانوا بمثابة إعلاميين يسطرون بشعرهم أحداث زمانهم، تماماً كالأدباء في مراحل سابقة، فالأديب ينقل بأدبه صورة مجتمعه، فضلاً عن تعبيره عن مشاعره التي تمثل بدورها صورة من صور المجتمع السائد. لقد درسنا في الجامعة كتباً أدبية ضخمة لم تفارق كتب التاريخ قيد أنملة، ولا يمكن أن نقرأ عن سيرة شاعر أو كاتب من غير أن نقرأ مجتمعه. ونظراً للحظوة الكبرى التي نالها الشعراء قديماً، فقد كانوا حريصين على تجويد شعرهم بأبهى حلة وأجمل لحن، حتى قبل أن يهتدي الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى وضع علم العروض وبحور الشعر العمودي. بالطبع لم يكن كل الشعراء في بلاط الحكم، ولكن الشعر كان أحد رموز المباهاة بينهم، ولعب دورا بارزا في المعارك والحث على الجهاد، كما كان مصدر فتن في أحيان أخرى. وكذلك الأمر في العصر الحديث، فقد ذخر بعشرات الشعراء الذين حملوا قضاياهم وقضايا بلادهم ومجتمعاتهم وعبروا عنها. أما بالنسبة لشعراء اليوم، فلا يمكننا أن نتغافل عن وجود عدد كبير من الشعراء في عالمنا العربي، لكن لنعترف أن المستوى البلاغي قد انخفض، متأثراً بجو العصر الذي بدا متغيباً عن اللغة العربية، التي كانت حتى عصور قريبة ذات قوة ومنعة، وخاصة هنا في لبنان، حيث لم تكن مَلَكة الأدباء من المسلمين فقط، بل لقد ذخرت المكتبات العربية بمؤلفات الأدباء النصارى الذي خدموا اللغة العربية، لكنها -وللأسف الشديد- باتت تتفلت من أيدي أبنائها لطغيان عوامل أخرى. حضور الشعراء كذلك ضئيل ولا يكاد يتعدى المناسبات العلمية والمواقع الأدبية، والإصدارات الخاصة، ثم في بعض البرامج التفاعلية التي انطلقت منذ سنوات، فقلة من الناس من يتذوقون الشعر ويجِدُّون في قراءته وتتبع الشعراء. ليس المهم أن يكون شعراً على أية حال، إنما أن يكون راقياً مفيداً.
5- المرأة أين هي من نظم الشعر.. وكيف تقومين تناول الشعراء لها في قصائدهم؟
- من حيث إن المرأة هي مضمون المادة الشعرية؛ فذلك يشكل نسبة كبيرة مما ينظمه الشعراء شباباً وكباراً، ولا سيما الشباب الذين تميل تجربتهم الشعرية إلى ما يسمى بالقصيدة النثرية، وهو نتاج مليئ بالغث من التعابير التي لا طائل وراءها سوى تشويش الفكر وإثارة الغرائز، وكأن قضية من القضايا بات لا يعبر عنها إلا بالغزل الإباحي! من جهة ثانية برزت المرأة لدى شعراء آخرين في الغزل العذري، وبرزت بأبهى صورها كأم تهافتت لمدحها قلوب الشعراء قبل أقلامهم، ولا ننسى النماذج الإسلامية النسائية الفذة التي حظيت باهتمام الناظمين رجالاً ونساءً، وفنظموا في أمهات المؤمنين وآل البيت الأطهار والصحابيات الكريمات. أما عن عدد الشواعر فلا يزال بنظري قليل جدًّا مقارنة بالشعراء الرجال، ولا أستطيع أن أقدر حجم ذلك، لأن الكثير من التجارب الشعرية النسائية ربما هي طي الكتمان ولم تخرج للعلن.
6- ما أسباب عزوف بعض الشعراء عن نظم الشعر العمودي؟
-أقول بصراحة، ليس شاعراً من لا يستطيع أن ينظم بيتاً واحد من الشعر العمودي، لكن ذلك لا يعني أن يُمنع الناس من الكتابة، يمكن أن أسمي ذلك ناظماً من دون أن أقلل من قيمة ما يُكتب، لكن فن الشعر وجمالياته يكمن في الجرْس الموسيقى الذي تستطيع أذن الشاعر أن تتذوقه وتعزفه على أوتار بحور الشعر العربي الأصيل بقصيدة متماسكة الوزن من أول القصيدة إلى منتهاها، تلك هي الروعة في الإبداع الشعري. هناك نماذج رائعة من القصيدة الحديثة تخطَّت بروعة معانيها الكثير من الشعر العمودي، ولكن في المقابل أنتج هذا النمط أشخاصاً عالة على الشعر، يرصُّون كلاماً مبهماً لا لحن فيه ولا معنى له. أما سبب تفلُّت الشعراء من الشعر العمودي فيعود في الغالب لعدم مطالعتهم للغة العربية وقراءتهم للشعر الأصيل، لأن الشعر مع كونه موهبة وسليقة لكنّ بحور الشعر تضبطه والقراءة تدعمه، وهذا ما لا يميل الكثير إلى تعلُّمه في عصر السرعة لأنهم غير مطلعين على بحور الشعر أو حتى إنهم لم يتابعوا دراستها عندما كانوا طلاباً.
7- ما رأيك بالقصيدة الحديثة؟
- كما ذكرت سابقاً القصيدة الحديثة تضمن الغث والسمين، أنتجت شعراً جميلاً ذواقاً ذا موسيقى داخلية وإيقاع متوازن، ومعانٍ راقية، وأنتجت غثاءً لا طعم له ولا لحن ولا لون، وهذا يبدو كثيراً في كتابات الشباب الناشئين في هذا المجال. أعتقد أنها أعطت فرصة لبعض الموهوبين ليأخذوا دورهم في إيصال الكلمة، لكنها في المقابل كانت وازعاً لتفلتهم من ضوابط القصيدة العمودية، وقد قابلت شخصياً نموذجاً لناظم لم يورد في ديوانه ولا بيت موزون واعترف أنه لا يستطيع فعل ذلك. 8- كيف تقوِّمين اهتمام الشباب بالشعر؟ -الشاعر يولد بجينات شاعرية، حتى يقدِّر الله أن تظهر هذه الموهبة في سنٍّ معينة، ومعظم الشعراء يميلون منذ صغرهم إلى حب اللغة العربية أو يبرعون فيها -حتى لو اختاروا في ما بعد اختصاصات أخرى ولو كانت علمية- ثم لا تلبث مواهبهم أن تتفجر في عمر الشباب المبكر، ولئن كانت الكتابة صَنْعَة يمكن اكتسابها؛ فإن الشعر سليقة تنشأ مع صاحبها، وبما أن معظم شبابنا وللأسف الشديد باتوا بعدين أو مبعدين عن اللغة العربية، فقد فاتهم الكثير من جمالياتها الرائعة، وهذا من شأنه أن يزيد من بُعد الهوة بينهم وبينها باعتبارها أداة النظم، خاصة أن معظم الاختصاصات الجامعية باتت تميل نحو المجالات العلمية، ولذلك أرى أن الاهتمام قليل جدًّا لدى الشباب من حيث نظم الشعر، وقد يكون أحسن حالاً من ناحية القراءة لمن لا تزال لغته العربية سليمة، وقادر على فهم المعاني وتذوق الألفاظ!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن