لهذا أحببتُ الشيخ!
كنَّا في كلِّ جمعة من كلِّ أسبوع نصلِّي في مسجد الواحة قربَ منزل الشيخ عبدالرحمن الباني - رحمه الله - في حيِّ الواحة، وعندما ننتهي من الصَّلاة يصلِّي الشيخ السُّنَّة، وعندما يفرُغ يقوم فنسلِّم عليه، وهو كعادته يستقبلنا بابتسامته الجميلة ولطفه المعتاد، وما قبَّلتُ يدَ الشَّيخ مرَّة إلا قبَّل رأسي.
أخلاقه:
وكان عندما يُدخلنا إلى غرفة الضُّيوف يغيبُ من عشر دقائقَ إلى ربع ساعة، ثم يقرعُ البابَ ويدخل وهو محمَّلٌ بالكتب، وبعد أن يسلِّمَ يجلس ويسمِّي الله ويصلِّي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويبدأ أحاديثَهُ التي لا تُمَل، وكان دائماً يذكرُ أنه قليلُ العلم وأنَّ في المجلس من هو أعلمُ منه، وكان دائمًا يتخلَّقُ بأخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تعامُله مع الجميع، وإذا أراد أن يوجِّهَ أحدًا وجَّهَهُ برفق شديد.
اهتمامه بالأولاد:
وكان كي يُشعِرَ الأولادَ بوجودهم ولا يَشرُدوا بعيدًا يكلِّمُهم أو يسألهم بعضَ الأسئلة، ويوجِّهُهم توجيهات، وينصحُهم بعضَ النصائح الطيِّبة، ويشجِّعُهم بكلمات رقيقة، وكان كثيرًا ما يقول لي: «ستكون يا أحمدُ إن شاء الله من عظماء الإسلام، وما ذلك على الله بعزيز». وكثيرًا ما كان يقول لأبي: «أوصيكَ بأحمدَ خيراً».
وأذكرُ عندما كنت في الصفِّ الأول الابتدائيِّ كُسرَت يدي فزارني الشيخُ - رحمه الله - زيارةً خاصَّة ليطمئنَّ عليَّ، وأحضر لي صُندوقًا كبيرًا من الحلوى.
ولم يكتفِ بأن يهديَني الحلوى فقط، بل أهدى لي الكتبَ أيضًا؛ ففي مرَّة من المرَّات قرأتُ القرآن فأُعجِبَ الشيخُ بقراءتي فأهدى لي كُتيِّبًا في علم التجويد، وأهداني قصَّة سيِّدنا عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - للشيخ عليٍّ الطنطاوي رحمه الله، وطلب منِّي قبل سنتين أن أقرأَ مقالةً للطنطاوي بعنوان: (عام جديد) على الحاضرين في المجلس.
وعندما جاء الشيخ محمَّد عوض - رحمه الله - إلى الرِّياض للعلاج ذهبتُ مع أبي والشيخ الباني لزيارته، فجاء من يُضيِّفُنا الشايَ فضيَّفَ الشيخَ وأبي والذي بعدي وتركني، فقام الشيخُ الباني فورًا وأعطاني كوبَهُ كي لا أحزن، فقام ابنُ الشيخ محمَّد عوض كي يحضرَ لي شايًا، ولكنَّ الشيخ الباني أبى إلا أن آخذَ كوبَهُ.
اهتمامه بالحيوان:
وكنَّا عندما ندخلُ بيته أو نخرج منه نجدُ أحياناً هُرَيرات جميلةً في حديقة داره، يعتني الشيخُ بها ويقدِّم لها الطعامَ والشَّراب.
إعطاؤه الوُرود والحلوى:
وكان لا بدَّ عند انتهاء الجلسة أن يطلبَ منَّا الانتظار، فيذهب ويعود بزهور من الفُلِّ يوزِّعُها علينا. وكان في بعض المرَّات يطلب منَّا - نحن الأولادَ - الانتظارَ؛ ليعودَ ومعه بعضُ الحلوى يُعطينا إياها، ولم يكن يقدِّم لنا قطعةً واحدة وإنما الكثيرَ من القطع.
لهذه الأسباب كلِّها أحببتُ الشيخَ عبدالرحمن الباني؛ فأنا لم أرَ في حياتي رجلاً بهذه الأخلاق وهذا اللُّطف، وأظنُّ أنني لن أرى مثلَهُ قطُّ، رحمه الله تعالى.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن