مآثر باهرة في مكة والمدينة
حفظ سجل التاريخ بين دفتيه أسماء نساء ورجال كانت زيارتهم لبيت الله في موسم الحج مصدر خير ويمن وعطاء، وفي هذا التقرير نعرض بعض الإنجازات التي قاموا بها لتكون نبراساً لنا في هذه الأيام المباركة.
الخيزران زوجة أمير المؤمنين
• الخيزران زوجة أمير المؤمنين المهدي الخليفة العباسي، كانت سيدة جليلة القدر في قصر الخلافة أيام المهدي، رأت أن تحج إلى بيت الله الحرام، وقد حملت من بغداد من طرائف الغذاء والكساء وبدرات المال، ما كان حديث الرائح والغادي في الموسم المشهود. ثم بدا لها أن تقوم بعمل تاريخي؛ إذ سألت عن دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وهي أول دار اجتمع فيها المسلمون لأداء الصلاة بعيداً عن أنظار المتربصين، وكانت تعلم أن أبا جعفر المنصور اشتراها من حفدة الأرقم بمال كثير بذله في إرضائهم كي يتنازلوا عنها، ولكنها بقيت على حالها دون عمارة، فاشترت ما حولها من الدور، وأحاطتها بسور متين، وقد كُتب اسمها في لوحة تسجل مأثرتها، فكان الناس فيما بعد يسمونها دار الخيزران، ثم توالى تجديدها من بعد ذلك. وحين تركت الخيزران مكة قاصدة المدينة المنورة لزيارة صاحب الروضة الشريفة [ رأت أن تكسو الحجرة الطاهرة بستائر حريرية مرصَّعة بالألوان الزاهية، وهي أول من كسا الحجرة الشريفة، وفرّقت كثيراً من الصدقات بهذه المناسبة.
بئر زبيدة
زوجة الخليفة هارون الرشيد
• قال الأستاذ عبد الله عفيفي مؤلف كتاب "المرأة العربية": "لم يكن لأهل مكة من المناهل إلا المسايل يجود بها المطر أحياناً، وبعض الآبار التي تفيض آناً وتجف آناً، فإن جفاهم الغيث عاماً اشتدَّ البلاء، أما الحُجاج فكانوا يحتملون من قُرَب الماء ما يؤودهم ويوقر صدورهم، وقد أخذ بقلب السيدة زبيدة ما علمت في حجها من أن راوية الماء تباع بدينار، وأن الفقير إنما يتبلّغ بما يتساقط من قطرات الغني، فاعتزمت أن تحفر لأهل مكة ولقُصَّاد البيت الحرام نهراً جارياً، دعت خازن أموالها وأمرته أن يدعو العرفاء والمهندسين والعمال من أطراف الأرض، ليُحفر النهر، فاستعظم خازنها الأمر وما سيستنفد من المال فيه، فقالت له تلك الكلمة الخالدة: اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس ديناراً، فأذعن وساق إلى مكة أهل الكفاية من كل مهندس وعامل، وسمَّوه "بئر زبيدة".
كريمات من البيت السلجوقي
• تحدثت رحلة ابن جبير الأندلسي عن ثلاث سيدات كريمات من البيت السلجوقي الشهير قُمن بالحج، فكشف عن مآثر فاضلة قمن بها، هن الملكة خاتون بنت الأمير مسعود السلجوقي، والأميرة "أم عز الدين" صاحب الموصل، والأميرة ابنة الدقوس صاحب أصبهان، ويقول صاحب الرحلة: "أما الملكة خاتون فقد كانت في مفتتح شبابها، ولكنها ذات صلاح وإيمان، فقد حرصت على أن تصلي بين القبر والمنبر، ثم مشت إلى الجهة الغربية من الروضة المكرمة فقعدت في مكان - قيل عنه: إنه كان مهبط جبريل عليه السلام -، وأُرخي الستر عليها، وقد علمت أن صدر الدين الأصبهاني رئيس الشافعية سيلقي درساً دينياً وعِظَة خُلقية، فانتظرت حتى سمعت الدرس، ثم التقت بصاحبتيها وهما تكبرانها سناً
ولهما جلالة وهيبة، فتنافسن كلهن في إسداء ما بأيديهن من المال على كثرته، وفرح بهن ذوو الحاجات فرحاً لا يحد. ولم تقتصر سعادة الحجاج بهن على مكان الحرم الشريف؛ بل تعدى ذلك إلى طريق الرحلة الممتدة من الحجاز إلى الموصل فأصبهان، حيث لاذ بهن الحجاج خائفين من هجوم قطّاع الطريق، فكان موكب الأميرات بكثرة جنوده، وهيبة حراسه، ويقظة أُمنائه ستاراً واقياً، وحِمىً آمناً، وكان ابن جُبير بين مَن ساروا في ركب الأميرات.
الأميرة الماجدة "خناسة
• الأميرة الماجدة "خناسة بنت الشيخ بكار المعفري"، زوجة سلطان عصره بالمغرب "إسماعيل بن محمد العلوي" المتوفَّى سنة 1139، ولقد تحدث مخطوط الإسحاقي الموجود في خزانة القرويين عن أمجادها الكثيرة، ومما قاله عن رحلتها إلى الحج: "إنها آثرت أشراف ينبع بعطاياها الفاخرة، وهدايا سنية لم يعرفوها من ذي قبل، وكستهم أنواع الثياب الرفيعة، علاوة على المبالغ النقدية الذهبية الباهظة. كما روي عنها أنها أغدقت خيراتها على سائر رجال العلم والفضل بمكة المكرمة ليلة فتح البيت المبارك خصيصاً لها من لدن شريف مكة، الأمر الذي ظَلّ أحدوثة يُنْعَتُ بها المغرب على الدوام، وقد دفعها حب الخير إلى اقتناء عقار بمكة يقع في أشرف بقعة بما يناهز الألف مثقال من الذهب، حبستها على جماعة من المقربين والطلبة، وكُتب بذلك حجةٌ للمعنيين بالأمر، وعينت ناظراً يسهر على ريع الوقف وتوزيعه، وقد أنشد شعراء مكة قصائد كثيرة بهذه المناسبة". قد قال الزركلي في الأعلام: "إنها حجت عام 1142 هـ فعمت الناس بعطاياها؛ حتى بلغ ما أنفقته في حجتها مئة ألف دينار".
مستفاد من مقال الكاتب محمد رجب البيومي
الأغنى في تاريخ البشرية
• حسب القائمة التي أعدّها ونشرها موقع "CelebrityNetWorthwebsite" يعتبر الملك المسلم (مانسا موسى الأول)، المولود عام 1280م، وملك امبراطورية مالي التي كانت تشمل حينها غانا، أغنى أغنياء البشرية على مر العصور، والكثير من المؤرخين والرحالة العرب ذكروه في كتبهم، ومن بينهم ابن خلدون، وابن بطوطة، والعمري.
وتنقل المراجع التاريخية أنه كان عالماً ورعـاً؛ إلى جانب حنكته السياسية، ومن أشهر ما يُروى عنه أنه سافر وزوجته إلى مكة لقضاء فريضة الحج في بعثة تضم 60 ألفاً، ومئات الجمال المحملة بالذهب والهدايا، وكان كل جمل محملاً بـ 160 كيلو من الذهب، وكل خادم حمل صندوقاً من الذهب، إذ كانت مالي منجم ذهب ضخم.
ووزّع في طريقه إلى مكة آلافـاً مؤلفة من سبائك الذهب، خاصة في القاهرة والمدينة المنورة، ما تسبب في هبوط أسعار الذهب لزمن طويل، وعند عودته أحضر معه عدداً من العلماء، من بينهم مهندسٌ معماريٌّ أسهم في بناء مسجدي "جاو" و"تمبكتو" القائمَين إلى يومنا هذا، وبعد وفاته تولى ابنه مانسا ماجان حكم الإمبراطورية.
وعندما فرغ من رحلة حجه رجع بالجمال إلى مالي، لكنها لم تكن فارغة بل محملة بالكتب، فقالوا عنه: "رحل بالذهب وجاء بكنوز الكتب".
وجاء معه أيضاً بعض الطلبة والمهندسين المعماريين ليحولوا بلده إلى مساجد ومدارس ومكتبات. بعد وفاة مانسا موسى عام 1331، لم يحسن ورثته إدارة ثروته، وأنفقوا جزءاً كبيراً منها في الحروب الأهلية والجيوش الغازية، وفقاً لما ذكره موقع "الإندبندنت" البريطاني.
المجاهد البطل أحمد بن عرفان الشهيد
• شخصية جليلة، كان لها الأثر العظيم في الجهاد في الهند، وإعزاز المسلمين هنالك، ولد في بلدة "راي بريلي" بالقرب من "لكنؤ" في الهند سنة 1201هـ، وتوفي في وادي "بالا كوت" سنة 1246هـ /1831م، ورغم أن عمره قصير؛ لكنه كان حافلاً بجلائل الأعمال.
سنة 1236هـ أعلن في كل أنحاء الهند أنه يريد الحج إلى بيت الله الحرام، وأنّ من لا زاد له فزاده عليه، فاجتمع عنده عدد متوسط يقدر بأربع مئة حاج، وانطلق السيد أحمد بن عرفان الشهيد من بلدته "راي بريلي" بمن اجتمع معه، ومرُّوا في طريقهم بعدد من المدن أقاموا في كل واحدة منها مدة يدعون إلى الله تعالى، حتى تاب آلاف مؤلفة، وقد حدثت له طرائف في "مرزا بور" فمن ذلك أنهم أرادوا إفراغ حمولة الباخرة فتأخر الحمّالون، وكان من العيب أن يباشر الأشراف والوجهاء والأغنياء الذين رافقوه في الحملة العمل بأنفسهم؛ فشجعهم وابتدأ العمل بنفسه، ولما رأى الحمّارون أي سائقو الحمير ذلك التواضع دعوا السيد أحمد إلى بلدتهم فأجابهم، وكان ذلك صدمة للأغنياء والوجهاء والأشراف الذين رجوه ألا يصنع، وأن مؤاكلة الحمّارين عيب كبير؛ لكنه حضر وليمتهم، فأثابوه بعدها بأموال وهدايا، فرفض أن يأخذ منها شيئاً؛ حتى لا يظن أنه إنما صنع ذلك للدنيا.
وفي "كُلْكُتّا" تأخَّر ركب الحج قليلاً لإنجاز إجراءات السفر، فاستغل السيد ذلك ودعا إلى الله هو ومشايخ معه حتى تاب على أيديهم ألوف، وتركوا معاقرة الخمر التي كانت شائعة، حتى أغلقت كثير من الحانات، وكسد سوق الخمر فجاء تجارها إلى الحاكم الإنجليزي يطلبون منه إسقاط الضرائب عن الخمور لكساد سوقها فوافقهم لكن إلى حين خروج أحمد بن عرفان من كلكتا.
وفي أثناء تنقله من مدينة إلى مدينة جاءه وفد من مسلمي "التبت" فقراء يريدون الحج معه، فدلهم على خير من ذلك ألا وهو الرجوع إلى التبت للدعوة، فأخبروه أنهم جُهّال، فعقد لهم دورة شرعية وإيمانية عادوا على إثرها دعاة، وجوبهوا في التبت بمحن وشدائد؛ لكن في النهاية انساق كثير من الناس لدعوتهم، وصَلُحَ حالهم، وأسلم من أسلم، وانتقلت الدعوة من "التبت" إلى "الصين".
ثم لما عاد من رحلة الحج سنة 1239هـ تاقت نفسُه للجهاد؛ خاصة أنه وصلت إلى مسامعه أنباء المجازر التي يقيمها السيخ للمسلمين في "البنجاب"، فأعدَّ العُدّة ونادى في ربوع الهند بالجهاد في سبيل الله، واصطدم مع السيخ في معارك انتهت بانتصاره وتأسيس إمارة إسلامية في بيشاور، وأقام الإسلام حتى تذكّر الناس دولة الإسلام الأولى. وأقام على ذلك أربع سنين تقريباً، لكن خيانة بعض أمراء الأفغان ضيقت عليه، والمؤامرات ضده كانت مستمرة، فعقد العزم على التوجه إلى كشمير حيث دعاه أمراؤها ووعدوه النصرة، فخرج من البنجاب في طريق محفوفة بالأخطار؛ لكن خانه بعض جنده المسلمين، ودلوا السيخ على قافلته فهاجموها في وادي "بالاكوت" في ذي القعدة من سنة 1246هـ/1831م، وقاتل هو ومن معه قتال الأبطال حتى استشهد وهو لابس كفنه، مقبل على ربه؛ هو ورفيق دربه "الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن شاه ولي الله الدهلوي"، وعدد من أمرائه وجنده، بعد أن هجم عليهم السيخ بجنود كثيرين.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن