مفهوم الترفيه ومقاصده
مفهوم الترفيه ومقاصده
حول مفهوم الترفيه وأهميته في حياة الأسرة المسلمة بشكل عام يجيب الأستاذ أحمد العساف (باحث في شؤون الأسرة ( قائلاً: إنَّ خلاصةَ معنى الترفيه هي إدخالُ السرورِ على النفس والترويحُ عنها وتجديدُ نشاطِها وبعثُ حيويتها.
وللترفيه أهمية في حياة الأسرة لكسر وتيرة الحياة وجمود النظام البيتيّ، وفيه فرصة للتعارف والتقارب؛ فساعة لعب تجعلك تعرف الشخص أكثر من سنة محادثة، كما قال أحد علماء التربية. والترفيه مهم للكبار، والأمر أَوْلى للأطفال والشباب لأن مساحة الجِدِّ في حياتهم أقل منها لدى الكبار، ولتهيئتهم لاستقبال الحياة بتحدياتها ولجعل نفوسهم أكثر إيجابية ونظرتهم للحياة أكثر تفاؤلاً.
وذكر الأستاذ أحمد العساف مقاصد عدة للترفيه فقال: أهمها الراحة والاستجمام من عناء الحياة ومطالب العيش، الاستعداد للحياة لدى الأطفال والشباب الصغار، استثمار الطاقة الزائدة لدى الإنسان وخاصة طاقة الأطفال المتدفقة، التوازن وإشباع حاجات الكبار في خِضَمّ الحياة الجادة، التنفيس وتهدئة المشاعر لدى المراهقين، التخلصُ من بعضِ الصفات السلبية - خاصة مع الصغار والشباب، التعبير عن المواهب والقدرات الشخصية، تقارب أفراد الأسرة الواحدة واكتشاف شخصياتهم ودوافعها.
الترفيه والترويح للناشئة
وحول ما إن كان ما هو متوفر يُرضي آمال العاملات في مجال قسم الناشئات في جمعية الاتحاد الإسلامي ويحقق الأهداف التي يتطلعون إليها، تحدثنا مع الأخت نسرين آغا (مسؤولة قسم الناشئات في جمعية الاتحاد الإسلامي) وتوقفنا معها عند نظرتها لأماكن الترفيه في لبنان؛ حيث قالت: لبنان بلد سياحي، وتكثر فيه المنتجعات السياحية، ولكن أغلبها لا تتوفر فيه أقلّ المعايير الإسلامية؛ حتى أن بعض أهالي الناشئات يتواصلون مع الإدارة لإرشادهم إلى أماكن صالحة لكي يذهبوا مع عائلاتهم وأولادهم إليها. وحول المعايير التي يعتمدها قسم الناشئات أثناء اختياره لأماكن النزهات والرحلات تضيف الأخت نسرين آغا: نحرص على أن لا يكون المكان فيه خمور أو يُجاهَر فيه بالمعاصي، ونختار أياماً تختلف عن أيام نزهات عامة الناس لكي نتجنب الاختلاط قدر الإمكان، ونشترط على صاحب المنتزه عدم إذاعة الأغاني وأن يستبدل بها الأناشيد الإسلامية، وكذلك يتم في بعض الأحيان حجز كل المنتزه لصالح الرحلة. أما عن البدائل الإسلامية المعتمدة حالياً للترفيه عن الناشئة فيقول الأستاذ محمد حبيب عضو إدارة قسم الناشئة: على سبيل المثال لا الحصر: الرحلات البحرية إلى الجزر وأنشطة الصيد - مخيمات مميزة للناشئة تتخللها سباحة، مسير في الجبل، أعمال كشفية - رحلات سباحة شتوية وصيفية في أماكن مريحة للنظر وتراعي الجو الإسلامي - أنشطة في الهواء الطَّلْق - تنظيم أنشطة داخلية (إفطارات، مسابقات، حضور أفلام هادفة(.. حضور مسرحيات إسلامية هادفة - خدمة عامة ضمن أعمال تطوعية (مشاركة في مشروع الأضاحي الذي تنفذه جمعية الاتحاد الإسلامي سنوياً، وحملات النُّصرة...) - اختيار أوقات مناسبة لا تتوافق مع أعياد أو مناسبات غير إسلامية.
الشباب والترفيه
ولأن الإسلام دين التوازن، فإنه لم يُلغِ هذه الحاجة الإنسانية في أن يعطي الشابّ من وقته للترويح والترفيه، كان سؤالنا الذي توجهنا به إلى ثلة من الشبان والشابات: هل المال عائق أمام تمتعك بالنزهات؟
يقول الطالب نزار مظلوم (تخصص تاريخ :(إلى حدّ ما يعتبر المال أحد العوائق التي تقف حاجزاً بيني وبين التمتع بالنزهات، وتوافقه زكية الحصري (تخصص إحصاء) الرأي: هناك عدة أماكن رائعة الجمال تحتاج إلى المال الكثير للدخول إليها، ولكن هناك أيضاً عوائق أخرى غير المال مثل عدم مناسبة بعض الأماكن لِقِيَمي وذلك بسبب الاختلاط والموسيقى الصاخبة والكثير من المناظر المُخِلّة بالآداب العامة. أما علي ابراهيم (اختصاص تاريخ) فيقول: المال لا يشكل عقبة أساسية كون الرحلات الجماعية تأخذ طابعاً تكافلياً، فيتحمّل الجميع كلفة الرحلة ممّا يخفّف من أعبائها المالية، وربما هناك عوائق أخرى كالوقت والالتزامات اليومية والدراسة، وكذلك الأجواء غير المنضبطة التي تشوب بعض أماكن النُّزُهات مما يَحرمنا من التنزّه فيها. وتروي رانيا الترك )طالبة شريعة( تجربتها - كونها منقبة - أثناء الفُسَح والنُّزهات فتقول: وضعي باعتباري منقبة يفرض عليَّ اختيار الأماكن المناسِبة للترفيه، وبشكل عام تعاني الفتاة الملتزمة كثيراً أثناء اختيار المنتزهات.
وحول رأيهم بالنزهات والرحلات الإسلامية ومنها تلك التي ينظمها المنتدى الطلابي يقول نزار مظلوم: من أجمل وأمتع الرحلات التي شاركت فيها طيلة حياتي الرحلات التي ينظمها المنتدى الطلابي، وما يميّزها وجود البرنامج الممتع والمسلّي والمشوّق... وهي أفضل بكثير من الرحلات اللاأخلاقية التي تنظِّمها الجامعات. وتُبدي نسرين )أدب فرنسي) رأيها في الرحلات التي تنظمها الجامعة فتقول: هي رحلات مختلطة، تشوبها المخالفات الشرعية الكثيرة المزاح بين الجنسين، الأغاني، وأحياناً الرقص، النرجيلة.. وغيرها من المخالفات. وتروي زكية الحصري عِدّة مواقف حصلت معها أثناء التنزّه مع صديقاتها، تقول: هناك مواقف إيجابية تصادفني؛ فمثلاً كنا مرّة على شاطئ الرملة البيضاء وصادف وجود حملة تنظيف للشواطىء فكان هناك تعاون كبير بين الناس. ومن المواقف السلبية: عندما كنا على شاطئ المنارة رأيت أفراداً أجانب يضعون على سيارتهم أناجيل وأشرطة يوزعونها مجاناً على الناس ويعزفون على الآلات الموسيقية ليجذبوهم.
وعن تجربة المنتدى الطلابي في تنظيم الرحلات الشبابية يعلّق الأستاذ عبد الباسط عوض (مدير المنتدى الطلابي) على الموضوع قائلاً: نحن نعاني من قلّة المنتزهات التي تُرضي طموح الشباب وتجذبهم وتُراعي في الوقت نفسه الضوابط الشرعية؛ فعلى سبيل المثال: نحن نعاني في فصل الشتاء من عدم وجود أماكن مناسبة للرحلات الثلجية بسبب ما ينتشر من فساد ومجون وشرب للخمور في المناطق التي تتوفر فيها خدمات جذابة مثل فاريا والأَرْز، ممّا يضطرنا للتوجه إلى أماكن أخرى مثل اللقلوق والقموعة في عكار، أما في فصل الصيف فالخيارات أفضل خاصةً بعد إنشاء منتجعات سياحية ترفيهية حديثة تُراعي الضوابط الشرعية. كما لا يخفى حجم الاحتقان السياسي والتعبئة المذهبية والطائفية الحادّة في لبنان. وبصراحة فإن ذلك يُعتبر من أهم الهواجس لدينا في المنتدى الطلابي عند اختيار أماكن الرحلات، حيث نراعي موقع المكان جغرافياً واللون السياسي والطائفي المسيطر عليه تفادياً لأية إشكالات وتطبيقاً لقاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج.
وتحدثت أحلام الحنفي (مسؤولة وحدة الأنشطة في المنتدى الطلابي) عن معاناة الطالبات في تحديد مكان مناسب فقالت: في الحقيقة إن النساء الملتزمات محرومات بشكل كبير من الاستمتاع بالمنتجعات السياحية والأماكن الترفيهية التي يتميز بها لبنان، نظراً لما يُشاع فيها من أجواء الاختلاط الفاسد وما يتخللها من وجود منكرات؛ ولا نستطيع أن نقول إنه لا يوجد أماكن في لبنان تناسب الملتزمات بتاتاً، ولكن ذلك يتطلب - كما ذكرنا - جهداً كبيراً، ودراسة للأماكن، والاطلاع المسبَق عليها، وهي محصورة بالأماكن الطبيعية العامة البعيدة عن الازدحام، أو قد نضطر إلى حجز المنتزَه لحسابنا الخاص بحيث لا يشاركنا فيه أحد.
مكانة الترفيه في حياة الأسرة
للأسرة دورٌ هامٌ في التربية الترويحية؛ ففيها يصرف كل أفراد العائلة طاقاتهم وتظهر هواياتهم وتتفجر إبداعاتهم وتتوثق رابطتهم من خلال جَوّ ملائم يقضون فيه فضول أوقاتهم، ونظراً لهذا الدور الذي تلعبه الأسرة في هذا المجال توقفنا عند آراء بعض الأهل:
أبو عبد الله (رب أسرة – أب لطفلة) تحدث عن المعايير التي يعتمدها أثناء اختياره لأماكن النزهات فقال: أحرص على أنْ تتوفر فيها المواصفات الشرعية من: عدم اختلاط الجنسين - عدم وجود الموسيقى والأغاني والأجواء الصاخبة - أن لا تُباع فيها المشروبات المحرمة، كما أحرص أن يكون فيها أمور نافعة أستطيع استغلالها في توصيل ما أحمل من فكر إلى أفراد عائلتي.
أما أميرة (ربة منزل – منقبة( فتصف معاناتها قائلة: كوننا عائلة ملتزمة لا نجد أماكن الترفيه التي ترضينا؛ فإذا أردنا أن نتنزّه يوم الأحد - على سبيل المثال - لا نستطيع لأن المكان مزدحم، وفي الصيف لا يمكننا الذهاب للبحر لكثرة كشف العورات، أما الأماكن التي قد تكون مناسبة لنا فأسعارها غالية، حتى المنتزهات والحدائق البسيطة نجد فيها العجوز الذي يلعب النرد وأوراق الشدّة، أو بعض الشباب من الجنسين الذين يختلون ببعضهم البعض. وتضيف أم أسامة( موظفة وأم لأربعة أولاد) :علينا أن نفرض أنفسنا باختيار المكان الأقل ضرراً لأن الأولاد يحتاجون للترفيه لا سيما في ظل مشاغل الأهل. ومن الأماكن التي كنت أرتادها: المنارة والرملة البيضاء، ومعروف عنا (أنا وزوجي) أننا عندما نرى أي شيء يخالف الشرع نبادر بالنصح، حتى أطفالي اكتسبوا الجرأة وأصبحوا ينتقدون ما يرَوْنه، ولكنني حالياً أصبحت أخفِّف الذهاب إلى هناك لأن المناظر أصبحت غير مقبولة وتخطّت الحدود ونفضّل عليها الأماكن الطبيعية). وعن البدائل الشرعية تقول الأخت الداعية إلفانا بشير (أم لأربعة أولاد): توجيه النصح لبعض أصحاب المطاعم والمنتزهات بمراعاة بعض الضوابط الشرعية حتى يصبح ارتياد المحجبة أو المنتقبة من الأمور المألوفة التي يراعيها الجميع. ويجب ألا ننسى الأماكن المفتوحة التي توفر لنا الهواء النقي والمنظر الجميل، وختمت كلامها بتقديم بعض النصائح للنساء: على النساء والفتيات مراعاة عِدّة أمور أثناء النزهات كالالتزام بالحجاب الشرعي والابتعاد عن الخروج بكامل زينتهن، ألاّ تكون الأخت بمفردها بل برفقة أهلها أو بعض الصديقات الثقة في أخلاقهن، ارتياد الأماكن؛ الخاصة بالعائلات، ومحاولة تجنّب الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط لأني أرى أن الإخلال بمثل هذه الأمور يؤدي إلى تشويه صورة المرأة المحجبة.
تجربة المنتزهات الإسلامية في لبنان
إزاء هذه الأمواج المتلاطمة من الفساد الذي يُحيط بنا بادر بعض رجال الأعمال - جزاهم الله خيراً- بتأسيس أندية ومسابح ومنتزهات منضبطة بضوابط الشرع وتُلبي حاجة المسلمين من الترفيه والترويح عن النفس؛ فكان لنا لقاء مع مدير مجموعة مسابح الوسام في البقاع (الذي تأسس عام 2003م الشيخ حسين أحمد، ومدير نادي ومسبح الـB4 - تم افتتاحه 2007م في صيدا - الأخ أحمد الجردلي.
وكان سؤالنا الأول عن أبرز الأهداف التي يبغيان من وراء مشروع كهذا؛ فأجاب أحمد جردلي بأنها: السعي لإيجاد بديل للعائلات ضمن معايير شرعية رياضية دولية، رفع المستوى الرياضي لروّاد النادي، إيجاد متنفس لأهالي المدينة وزائريها، إدخال صيدا على قائمة المناطق السياحية والرياضية في لبنان والعالم، إيجاد فرص عمل لعدد لا بأس به من الموظفين والمدرِّبين والعمّال، بالإضافة لتحقيق أرباح مالية للمستثمرين.
أما الشيخ حسين أحمد فيصرّح قائلاً: كانت أهدافنا مزدوجة من جهة شرعية ومن جهة مادية على أساس أنّه لا مانع شرعاً من إيجاد مشروع سياحي إسلامي مع تحقيق ربح مادي، وبحمـد الله تعالى فإننا تمكَّنا من تحقيق جملة من الأهداف منها: استقطاب الأعداد الكبيرة من الشبان والفتيات إلى السياحة النظيفة بعيداً عن السياحة الإباحية، توجه أعداد لا بأس بها من الوافدين لطريق العودة إلى الله تعالى، إيجاد البديل السياحي المتميّز حضارياً والملتزم إسلامياً للعائلات المتدينة والمحافِظة. تشجيع العرس الإسلامي ومن أجل ذلك لا يتكلف العريس عندنا سوى مبلغٍ زهيد. أما الهدف الذي لم يتحقّق بتاتاً فهو عائد الأرباح المالية لهذه المُنشأة، وهذا له أسبابه نوجزها بما يلي: إنّ رسم الاشتراك يُعتبر أقل من المتوسط، في الوقت الذي تجمع فيه المؤسسات السياحية الإباحية الأخرى عوائد عالية جداً من الأرباح المادية.
وعن أبرز الضوابط الشرعية التي يراعونها يقول أحمد جردلي: تحرص إدارة النادي على المحافظة على الضوابط الشرعية من دون تنفير الناس؛ خاصة أن النادي يستقطب شرائح مختلفة الميول والأديان والمذاهب من المجتمع المحيط؛ فقامت بتوزيع مواقيت استخدام المسابح على أوقات بين النساء والرجال، وأنشأت ناديَيْن أحدهما للذكور والآخر للإناث. كذلك تحثّ على مراعاة الأحكام في سَتر العورة والحدّ من الاختلاط بين الجنسين ما أمكن في الملاعب وغيرها. ويضيف الشيخ حسين أحمد: رفع الأذان وأداء الصلوات في أوقاتها - الالتزام باللباس الشرعي أثناء السباحة للذكور والإناث - الفصل التام بين البنين والبنات - عدم السماح بسماع الموسيقى أو تعاطي النرجيلة - عدم كشف العورات والنظر إليها.
وعن تفسيرهما لضَعف اهتمام وإقبال المستثمرين أفراداً أو جماعات على إنشاء منتجعات ومنتزهات ذات المواصفات الشرعية يقول أحمد جردلي: إنَّ أي مستثمر يضع نصب عينيه من خلال إنشاء أي مشروع حجم المردود المادي الذي يمكن أن يؤمِّنه له هذا الاستثمار، لذلك يَخشى الكثير من المستثمرين من ضَعف أو انعدام المردود المأمول من مشاريع كهذه لغياب الروّاد المتوَقَّعين وارتفاع كلفة التشغيل. ووجّه الشيخ حسين أحمد نداء إلى الجماعات الإسلامية قائلاً: شباب الأمة وبناتها بحاجة إلى بدائل سياحية شرعية تحتضنهم، خاصة في هذا العصر الذي هاجمنا فيه الفجور من البَرّ والبحر والجو بأساليب شيطانية؛ لذا ينبغي أن لا نقلِّل من أهمية هذا الموضوع حتى لا تضيع جهودنا مع الأجيال بسويعات يقضونها في المنتجعات السياحية الإباحية، ونحن من جهتنا بحمد الله تعالى نحتسب عملنا عند الله ونسأله القبول، وأن يجعله ذخراً لنا عنده يوم القيامة لما نلمسه من آثار إيجابية عظيمة تنعكس على الأجيال الوافدة إلينا.
توجيهات شرعية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة