من روائع الفقه الحضاري للصحابة
كتب بواسطة بقلم: الشيخ حسن قاطرجي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
545 مشاهدة
استشهدتُ بالحديث التالي في إحدى محاضراتي فتأثر بخَبَره كثيرون وأُعجبوا بفقه الصحابي عمرو بن العاص الحضاري وسرُعة بديهته في التفسير والتعليل لنهوض الشعوب، وهو حديث:
((تقوم الساعة والروم أكثر الناس))
وهو حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الفتن وأشراط الساعة (ح 2898)، والإمام أحمد في المسند (ح 18051)، والطبراني في مُعجمَيْه: الأوسط (ح 8668)، والكبير (736).
والصحابي الذي سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم هو المستورِد بن شداد رضي الله عنهما - الذي شهد فتح مصر وتوفي بالإسكندرية عام 45هـ - أخبر في مجلسٍ كان فيه الصحابي الداهية الفقيه عمرو بن العاص أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمرو: أبصر ما تقول - أي هل أنت متأكد منه؟ -، فقال رضي الله عنه: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرو رضي الله عنه: أمَا لئن قلتَ ذلك فإن فيهم خصالاً أربعاً: إنهم لأحلمُ الناس عند فتنة، وأسرعُهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكُهُم كَرّ ة بعد فََرّة، وخيرهم (وفي لفظ: أرحمهم) لمسكين ويتيم وضعيف، ثم قال: وخامسةٌ حسنة جميلة: وأمنعُهُم من ظلم الملوك.
فوائد جليلة
الأولى: هذا الحديث يعبِّر عن نبوءة نبوية صادقة تلقاها صلى الله عليه وسلم وحياً من الله عز وجل في كثرة الروم (أي النصارى) في آخر الزمان. وبالطبع يكون هذا إثر سنوات الرَّغَد والأمان بعد نزول عيسى عليه السلام ودعوته إلى شريعة الإسلام وحركة الإحياء الإسلامي والتجديد التي تسبق نزوله على يد المجدِّد القائد - المهدي المنتظر - في آخر الزمان. ويُستشف من الحديث أنها كثرة عددية كما أنها كثرة تدلّ على الغَلَبَة والنفوذ.
الثانية: عبقرية الصحابي عمرو بن العاص فيما استوحاه ببديهته الواعية لسُنن الغَلَبة والنفوذ... مما يوجب على المسلمين أن يتعمّقوا في هذا العلم (علم السنن الحضارية والاجتماعية) الذي مصدره الأساس القرآن العظيم أولاً والتاريخ ثانياً.
الثالثة: الخصال التي ذكرها سيدنا عمرو رضي الله عنه والتي تدل على أهمية أخلاق التضامن الاجتماعي وأخذ الأمور بأناة والتماسك عند نزول المحن ووضع خطط مواجهة الأزمات وتوفر مؤسسات الرحمة بالضعفاء: هي استنبطات ذكية واعية حضارية غاية في الأهمية. وما أروع كلمتَه رضي الله عنه: وأمنَعُهُم من ظُلم الملوك، مما يدل على منظومة مؤسسات سياسية تحاسب على ظلمهم وتشرف على تحقيق العدل في الحكم.
وهنا يأتي السؤال الكبير بالنسبة لنا نحن المسلمين: هل نستفيد من هذه الاستنتاجات الرائعة ونحن في معمعة الورشة الحضارية الضخمة منذ سقوط الخلافة لتكثيف الجهود وحشدِها لتحقيق انبعاث جديد للأمة ينقلها من (الغثائية العددية) إلى (الفاعلية الحضارية)؟
هذا ما نرجوه ونستعين بالله عز وجل على تحقيقه فإنه نعم المولى ونعم النصير.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة