يا صاحب القضية... يا أمَّ الولد!
كتب بواسطة بقلم: محمد عادل فارس
التاريخ:
فى : المقالات العامة
650 مشاهدة
ما أبأس أن يكون المؤمن صاحب قضية عظيمة فينساها، وينشغل عنها بسفاسف الأمور؟وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع".
وهل تخلو الأمة المسلمة، أو أي شعب من شعوبها، بل أي فرد من أفرادها، من قضية عظيمة يجب أن تَشْغَل البال، وتستحوذ على الهمّ، منذ فقد المسلمون الكيان الذي ينافح عن الدين، ويحمي البيضة، ويذود عن الديار والحرمات؟!
وحين تستمع إلى نشرات الأخبار، من أي مصدر شئت، في صباح أو مساء، في صيف أو شتاء، ستلاحظ أن القاسم المشترك الذي لا يكاد يغيب، هو الحديث عن مطاردة الدعاة، واتهام المجاهدين، والتطاول على المقدسات، وإقصاء الشريعة عن ميادين الحياة، وقتل الشباب والشيوخ أو اعتقالهم أو مداهمة بيوتهم... أو إبراز دعاة جهنم، من أبناء جلدتنا، وإغراؤهم باضطهاد المؤمنين والتضييق عليهم، وجعل هذا "الواجب" ثمناً لدعم هؤلاء الأعداء وتمكينهم...
ويترافق هذا كله بتشويه سمعة أصحاب الدين المستقيم، ووصفهم بالرجعية تارة، والإرهاب والتشدد تارة، والعمالة حيناً، وتجفيف المنابع التي يمكن أن تمدّهم بأي نوع من أنواع المدد، بمقابل إضفاء صفات التنوُّر والتقدمية والاعتدال، على الذين ينسلخون من الدين، ويرضون أن يكونوا سياطاً بأيدي الطغاة البغاة، ويبقون محسوبين على الدين الحنيف!.
أمام هذا كله تغدو بعض المواقف والتصرفات، من مسلمين غيورين على إسلامهم، غريبة كل الغرابة.
فالمسلم الذي يشتدّ على أخيه المسلم، لرأي فقهيّ رآه أو تَبِعَ فيه عالماً من العلماء، بحجة أن هذا الرأي مرجوح، وأن دليله ضعيف!.. ينسى أن سَعَة الاجتهادات تستوعب هذا الرأي وغيره، وأن الترجيح بين قول وآخر لا يقتضي خصومة وشدة وحدّة، وأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيّة، وأن القضايا الكبرى للمسلمين لا تُخدَم بهذه الخصومات بل تزداد تعقيداً، وأن حل الإشكالات الفقهية، وترجيح الاجتهادات ميدانُه حلقات العلم، وفرسانُه العلماء المحققون.
والمسلم الذي يبحث عن نقاط الخلاف بينه وبين المسلمين الآخرين، الذين يعملون مثله على نصرة دين الله، ويضخّم هذه النقاط، بحجة أن طريقهم خاطئة، ويتخذ منهم أعداءً، تستهلك عداوته لهم جُلّ اهتمامه، وتَشْغَلُه عن عدوه الحقيقي، بل قد يتحالف مع عدوّه عليهم، يغفُل عن أن ميادين العمل والجهاد ليست حكراً على الطريق الذي ارتآه هو، وأن حماسته لرأيه لا تسوّغ له أن يخاصم إخوانه في العقيدة، فضلاً عن محاربتهم والاستعانة عليهم بالعدوّ!.
والمسلم الذي يرى الكبائر والصغائر من المعاصي تملأ عليه الأفق، وتزكم منه الأنف، فيألف ذلك، أو يسكت عليه، ثم يقيم الدنيا على ترك مندوب، أو فعل مكروه، وقد يكون هذا وذاك مما تختلف فيه الاجتهادات، لهو إنسان اضطربت في نفسه الموازين.
وتندرج صور كثيرة من أمثال ما ذُكر، من مواقف شاذّة أو خاطئة تدل على فراغ في الذهن، أو اختلال في الموازين، أو نضوب في مشاعر الحب في الله.
فقد جمعت بعض ظروف العمل الإسلامي بين شابّين، كانا ينتميان إلى توجّهين إسلاميين من شأنهما التناحر والتباغض، وانهمك هذان الشابان في العمل الدؤوب الجادّ الذي لا مكان فيه للتفكير في جزئيات ثانوية، واهتمامات صغيرة. وبعد حين قال أحدهما لصاحبه: أليس من المعيب أننا كنا متباعدَين متنافرَين، لا يكاد أحدنا يتصور اللقاء بالآخر؟! قال له صاحبه: بلى! وإن السبب في ذلك التباعدِ، فراغُ قلوبنا من الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى، حتى كنا نحسبُ أن ما نختلف عليه كان "شيئاً"!.
وعلى مستوى آخر نتذكر قضية المرأتين اللتين اختصمتا إلى سيدنا سليمان عليه السلام، في طفل، كل منهما تدّعي أنه ولدها. فلما قال لهما سليمان: لابد أن أشقّه بينكما – يريد بذلك أن يختبر شعور كل منهما تُجاه الولد – قالت إحداهما: بل هو ابنُها يا نبي الله!. فعرف أن القائلة هي أمّ الولد الحقيقية، فهي تشفق على الولد أن يقتل، وترى أن حيازة ضرّتها له، أهون من قتله.
فهلا شعر المؤمن الذي يخاصم إخوانه أنه أم الولد؟!
وما أحسن أثر العلماء في توجيه العامة وإفادتهم، وحمايتهم من ضلال الأهواء وفتنة الشهوات، وما أجمل جلوسهم إلى الناس وحديثهم معهم.
لكن هنالك أموراً تنغص على مهمة العلماء هذه، وهي كثيرة في هذا الزمان وإنا لله وإنا إليه راجعون، وليس من غرض مقالتي هذه الإتيان على هذه المنغصات وتبيينها لكنْ إنما أُعَرّج على أمر يسوؤني ويكدر عليّ ألا وهو ما صار إليه كثير من العلماء والمشايخ وطلبة العلم من مخالفة السمت الذين ينبغي أن يكونوا عليه، والزي الذي يحسن بهم أن يتزيوا به، وهناك جملة من هذه الأمور منها:
1. السمت المخالف لما عليه أهل العلم :
والسمت : هيئة أهل الخير، ويقال : ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزي بزي الصالحين، وهو – أيضاً - الزي الحسن والهيئة المثلى في اللبس وغيره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السمت الحسن والتُؤَدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة".
والتقصير في الالتـزام بسمت العلماء صرنا نراه في كثير من طلبة العلم والمشايخ والعلماء، فتجده قد حلق لحيته أو أنهكها إنهاكاً يشبه الحلق، ولا يجد في هذا غضاضة ولا نقصاً، وأنا لا أريد هاهنا أن آتي على الحكم الشرعي في هذا الأمر فلهذا مكان آخر، لكن إذا صنع العالم هذا فمن هو سلفه في صنيعه هذا؟ هل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ هل هم علماء السلف والخلف؟ هل هم نجوم الأمة وعلماء المسلمين على مدار التاريخ؟ اللهم لا، إنما دخل علينا هذا البلاء لما نـزل الاستخراب العالمي بلادنا واحتل أرضنا وغيروا مفاهيم كثير منا، وإلا فمن مِن العلماء مَن حلق لحيته من قبل تلويث الغربيين لفكرنا وثقافتنا؟ وهذه صور العلماء الذين كانوا في أواخر القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين تظهر بوضوح ما أريد، ولم يجترئ بعض العلماء وطلبة العلم على هذا الصنيع إلا في زمن متأخر من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبهذا الصنيع تضعف هيبة العالم، ويقل تأثيره في العامة، ولو تنـزلنا جدلاً بأن إطلاق اللحية سنة ولا حرج على من حلقها أفلا يكون العلماء والمشايخ وطلبة العلم هم أولى الناس بمراعاة هذه السُنة والاهتمام بها، فإن حلقها هؤلاء فمن ذا الذي سيرعى هذه السُنة ويهتم بها؟!
ولا يقولن أحد إن هؤلاء الذين يصنعون هذا إنما هم عدد قليل بل هم عدد كثير رأيتهم من المحيط إلى الخليج، وفي تركيا -وإن كان أولئك مقهورين مكرهين في أكثرهم- وفي أماكن كثيرة في العالم الإسلامي وإنا لله وإنا إليه راجعون.
2. لبس اللباس الإفرنجي :
فترى المشايخ المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن والعقيدة والحديث والفقه وأصوله وغير ذلك من العلوم يحبون اللباس الإفرنجي ويؤثرونه على لباس بلادهم وآبائهم وأجدادهم، وتجده يربط ربطة العنق ويُحْكِم البِذْلة فرحاً جذلان، فما هذا اللباس؟ ومن هو سلفه فيه؟ أنا لا أتحدث عن هذا اللباس من باب حكمه الشرعي فأنا أذهب إلى جوازه إن ضُبط بضوابط الشريعة، لكني أتحدث عن أمر آخر ألا وهو أن المشايخ لا ينبغي لهم، ولا يحسن بهم أن يلبسوا مثل هذا اللباس لأن هذا مضعف لهيبتهم بين الناس، ومقلل من أثرهم، خاصة أن كثيراً من الناس ينظر إلى هذا اللباس على أنه لباس مرجوح مكروه، فهؤلاء يقوم بينهم وبين من يلبس مثل ذلك اللباس حاجز متين لا يعودون معه يتأثرون بأولئك المشايخ.
وما الضير في اللباس الأزهري الجميل؟ وما البأس في لباس الجبة الشامية الجليلة؟ وما أحسن لباس السودانيين، وما أفضل لباس المغاربة من البرانس والقُمُص، وكذلك لباس الجزائريين والتونسيين والليبيين، وأَجْمِل بلباس اليمنيين وسائر أهل الجزيرة فلماذا يا عباد الله يلبس العلماء اللباس الإفرنجي "البِذلة"؟ ولماذا يربطون ربطات العنق؟ فما هذا اللباس المذكر لنا بلباس الاستخرابيين المحتلين الصليبيين؟ وما هذا السَمْت الذي يتساوى به المسلمون بغيرهم؟ فانظروا إلى الفارق الكبير في التأثير بين من يلبس ذلك اللباس العربي الإسلامي الأصيل وبين من يلبس ذلك اللباس الإفرنجي البغيض؟!
نعم إن هناك بعض من يلبس اللباس الإفرنجي ويكون لحديثه أثر ولكلامه وقع لكن كيف يكون حاله إذا أضاف إلى حلاوة كلامه جمال لباسه وحسن سمته وزيه؟!
3. فإذا انضم إلى لباس العالم لبستَ الإفرنج حلق اللحية والشارب فماذا بقي للعالم بالله بعد ذلك من أثر وتأثير؟ ولقد رأينا في الفضائيات وفي المحافل والمجامع والمؤتمرات والندوات أشخاصاً مثل هؤلاء لا تكاد تفرق بينهم وبين الفِرَنجة في شيء بل لا تدري ولا تستطيع أن تدري أن هذا من أهل العلم.
ـ ولم يكن أحد من العامة يجرؤ على لبس هذا اللباس قبل حلول الاستخراب ببلادنا ويعاقب على ذلك إن صنعه بأشد العقوبات، فكيف اجترأ العلماء على هذا اللباس واستسهلوه بعد ذلك؟ إن السبب في هذا هو نشأتهم تحت حراب الاستخراب العالمي، فلما انقلع الاستخراب إلى الأبد إن شاء الله، وانزاح ظله الثقيل من بلادنا استمرأ كثير من طلبة العلم والعلماء هذا اللباس البغيض وأحبوه وتعلقوا به؟ وكان من المظنون بالعلماء والمشايخ أن يكونوا أسرع الناس إلى التخلص من كل آثار الاحتلال البغيضة، ولا والله ما رأينا أحداً من علماء الغرب والشرق يلبس لباسنا ولا يتزيا بزيّنا لاعتزازهم بلباسهم فلماذا لا نعتـز بلباسنا يا عباد الله، خاصة أن فيه موافقة للباس أهل العلم قديماً وحديثاً؟ وأن فيه إحياء للباس التقليدي التراثي الموجود في كل بلاد العرب والإسلام؟ وأن فيه الاعتزاز بذلك كله.
وقد كان السلف على خلاف هذا؛ فقد كان الإمام أحمد يجتمع له في مجلسه زهاء خمسة آلاف، وكان منهم حوالي خمسمائة يكتبون والباقي يتعلمون منه حُسن الأدب وحُسن السمت.
وكان إبراهيم النخعي يقول: كانوا - أي الصحابة- إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله ثم يأخذون عنه.
وقال سُحنون، كنا نختلف عند البهلول نتعلم منه السمت.
ـ هذا وإن في اللباس الغربي تشجيعاً لطلبة العلم والمشايخ على التفريط في سائر جوانب السمت والهدي الذي ينبغي أن يكون عليه المشايخ وطلبة العلم، مِن حلق للحى والشوارب -كما مَرّ- ومن التدخين!! ومن التهاون في الوقار والهيبة، ومن الاختلاط المُخل بين الرجال والنساء وغير ذلك، بينما أهل العلم الملتزمون باللباس الإسلامي والوطني يكون على ظاهرهم هيبة وفي دواخلهم حاجز نفسي يمنعهم من تلك الأمور السابقة الذكر، ويترددون في إظهارها لو ضلوا أو زلّوا وهذا هو الأمر الغالب، ولا يمنع هذا التقرير أن يكون من الفريق الأول من هو أتقى وأحسن وأقوم من الفريق الآخر لكن إنما أبني كلامي على الأكثر الذي رأيت والشائع الذي علمت، والله أعلم.
فلذلك كله أدعو طلبة العلم والمشايخ والعلماء إلى نبذ اللباس الغربي إلى غير رجعة وإلى أن يعتزوا بلباسهم الإسلامي الوطني الذي به يعظم تأثيرهم وتُحفظ شخصياتهم، وأن يستمسكوا بسَمْت أسلافهم وهديهم والله الموفق.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة