متلازمة الانبطاحيـَّة !.. مقارنة مع متلازمة (أسبرْجر)!
كنت أقول لكثير ممن يفتح موضوع (الفرقة الانبطاحية)،التي برزت مع الربيع العربي _ مفتي القذافي مثـلا _ إنها حالـة مرضيّة نفسيّة وعقليـّة، وأنها ليست مذهبـاً،ولا فكـراً، وأنه يمكن أن تُصنـف كـ(متلازمة)، فالأعراض المتشابهة للمصابين بهذه الحالة على نطاق واسع، لاتسمح إلاَّ بهذه التصنيـف .
ولم أكن أقصد السخرية _ مع أنها حالة مليئة بمستحثاتهـا _ بل ذكرُ حقيقة علمية،جديرة بالدراسة الطبيـَّة .
ثم مع تكرار التأمـُّل في هذه الحالة، وبتطبيق المعايير العلميـَّة على عدة حالات،تأكـَّد لدي أنها (متلازمة) مرضيَّة .
وفي هذا المقال _ إن شاء الله _ سوف أفتح الباب لمزيد من الدراسة العلمية لهذه المتلازمة الجديدة على عالم الطب النفسي .
وقبل أن نبدأ بتفاصيل هذا العنوان المثير،فلنعـرِّف أولا (المتلازمة )، فهي مجموعة من الأعراض المرضيَّة تظهر متلازمة بمعنى مترافقة مع بعضها في بعض المرضى، رغم أنهّـا قد تبدو غير ذات صلة ببعضها !
وفي عالم الأمراض ثمة عشرات الأنواع منها، ومن أشهرها متلازمة داون، ومتلازمة كلاينفلتر،ومتلازمة راي ..إلخ
وبعض المتلازمات هي من قبيل الأمراض النفسية، مثل متلازمة مانشاوزن، ومتلازمة رتَّ، ومتلازمة أسبيرجر .
هذا.. ويمكن أن تضاف هذه المتلازمة الجديدة ذات العلاقة الواضحة بالأمراض النفسية، أعني متلازمة ( الإنبطاحية ) _ وأحتفظ هنا ببراءة الإكتشاف _ وقد وجدتها وثيقة الصلة، قريبة الأعراض، بمتلازمة (أسبيرجر)، كما سيأتي بيانه .
ومن أعراضها الجسديـّة الظاهرية _ وللدقـَّة لم تظهر في جميع الحالات _ بروز في مؤخرة الرأس، مع نوبات (حمُـق) تتفاوت نسبتها بين الحالات، صغر فتحة العينيْن،انخفاض مستوى الأذنين عن مستوى العينين مع صغـر في طوية الأذن الخارجية، ضخامة اللحية جداً، قصر عظم القص _ العظم الذي يربط بين ضلوع الصدر _، ضعف السمع أحيانا، وهي في ذلك تشبه بعض أعراض متلازمة إدوارد!
وهذه المتلازمة،أعني متلازمة ( الانبطاحية )، يمكن إكتشافها بسهولة بوجـود الأعراض السبعة التالية لدى المصـاب:
تنبيه: سنعقد مقارنة بين هذه المتلازمة،وبين متلازمة (اسبيرجر) بنقل حرفي للتوصيف الطبي من الموسوعة الطبيَّة، إذا توافق مع عرض من أعراض هذه المتلازمة:
1ـ التلذُّذ المثير للدهشة بالغـرق في حالة الرقِّ، والإستعباد، والشعور براحة غير قابلة للتفسير ببقاء الشخص جزء من قطيع يُقـاد، وهذا يفسِّر ولع المصابين بهذه المتلازمة بالاستحمار لمن يسمُّونه (وليِّ الأمر)،حتى لو كان أفجر الخلق،وأعظمهم إجراما، مثل شين الفاجرين، والقذافي، وفرعون مصر، وبشَّار الأسـد.. إلخ !!
وتظهر الدراسة _ الملاحظة _ التي أجريتُـها علـى عدة الحالات، أنَّ لديهم مظاهر مرض (الماسوشية)، أي التلذُّذ بتعذيب النفس وإخضاعـها، ولهـذا يلهجـون كثيراً بـ (وإنْ ضرب ظهرك )، ويعجبهم جداً هذا اللفظ!! وهذا هو سبب _ أعني مرض الماسوشية _ تلذُّذِهم بالرقّ، والاستعباد، والخضـوع !
2ـ يبدي المصابون بهذه المتلازمة، استعداداً قياسيًا للعمل في الاستخبارات، حتى لو وظِّفـوا مخبرين!! _ الأمر الذي ينزِّه عامة الناس أنفسهم منه، ويترفّعون عنه!!_ بل ويعدُّون ذلك من أفضـل القُرَب الدينية، والعبادات الإسلامية، وقد أظهرت أفلام منشورة باليوتيوب، بعد سقوط طاغية مصر، فضائح عجيبة أصابت كثيراً من المتابعين بالذهـول، عن شيوخ دين بلحى طويـلة، يعملون مخبرين في (البوليس السري)!.
وبهذا يكون لديهم أيضا أعراضٌ من مرض (السادية) أي التلذُّذ بتعذيب الآخرين، فهم يتلذّذون بإلحاق الأذى بغيرهـم عن طريق العمل بالإستخبارات، وكم وشوْا بأهل الجهاد، والدعوة، والمصلحين، لما يجدونه من راحة متوهّمة في نوبات التلذِّذ بإلحاق الأذى بالغيـر !
2ـ فقدان الشعور بمعاناة الآخـرين، مثـل الشعوب المظلومة، والجماهير المسحوقة، تحت الطغـاة، مع انتشار الظلم، واتساع المظالم الإجتماعية، ولهذا تجد المصابين بهذه المتلازمـة، دائما في حالـة لامبالاة مثيرة للإشمئزاز، بينما دماء المسلمين تُسفك، وبلادهم تُحتـلّّ، وأعراضهم تُنتهك، سواء من الطغاة المتسلِّطين على العباد، أو المحتلين للبـلاد، وإن نطق أحدهـم بشيء التفت قليلاً فألقى باللائمة على الشعوب، ورد ما أصابهم إلى الذنـوب، ثـم عاد إلى التسبيح (لولي أمره)!
من أعراض متلازمة أسبرجر: (عادة ما يكون الفرد المصاب غير مدرك، أو متفهم لمشاعر الآخرين)!
3 ـ الإشتغال الدائم بتتبع إنجازات الآخرين لتخريبهـا، والبحث عن زلاّتهم، والتفتيش عن الأخطاء، مع غلظة في الطباع، وفجاجة، وسماجة، وحمُـق .
من أعراض متلازمة أسبرجر (غرابة أو شذوذ في العلاقات الإجتماعية، التي غالباً ما تكون فجّة، غليظة،سمجة، خرقاء، إذا ما قورنت بعلاقات الأشخاص العاديين).
4ـ التكـرار الممـلّ لقضايا محـدَّدة، مثـل (طاعة ولي الأمر)، (السمع والطاعة)، (الخوارج)، (المبتدعة)، (الفئة الضالة)،(سيد قطب) _ ولديهم حساسية غريبة تصل للهستيريا لهذا الاسم تحديداً!! ـ واستعمال ألفاظ عنيفـة مثل (خبثاء)، (خبيث مخبث).. إلـخ.. ثم تكرار هذه القضايا، والألفاظ وكأنَّه ليس لديهـم غيرها !!
من أعراض متلازمة أسبرجر: (غالباً ما تدور الأحاديث، والاهتمامات حول موضوعات محددة)، (استخدام أنماط لفظية غير عادية تتميز بالتكرار الممل، أو تعليقات عنيفة، أو غير مناسبة للموقع)!
5ـ صعوبة في فهم دقائـق الأمـور، ودرجات التفاوت ومستوياتها في أيِّ مشهد من المشاهد،
ولدى المصابين بهذه المتلازمـة قصور عقلي شديد في وعي التفاصيل، ولهذا عجزوا عن فهم التطور البشري في أنظمة الحكم، لأنَّ فيه تفاصيلَ كثيرة، تجعل الأنظمة معادلات سياسية، تفرّق بين الدولة، والنظام، والوطن، والحكومة،وتحقق التوازن بين السلطة، والشعب، وبين آلـة الدولة، وقوّة وحقوق الأمّة، وبين الحكومة، والمعارضة التي قد تشكل حكومة ظـلّ أيضاً.. إلـخ..
وهذا كلُّه يصيبهم بالدوار، فهم لايفهمون المشهد السياسي _ على سبيل المثال _ إلاَّ (ولي أمر) يحمل عصا، ويضرب ظهورهم، وهم يسيرون كالقطيـع، كلَّما جاعوا ألقى عليهم الشعير، ولايهمُّهم إلى أين يذهب بهم وليُّهـم، إذ لاهدف للقطيـع !
وأيضا _ مثال آخر _ في فهم جمع الشخص الواحـد، أو الجماعة، بين السنة والبدعة، والصواب والخطأ، والخير والشر، وأنَّ المشاريع الناجحة هي التي تشجـع وتتبَّنـى جوانب الخير الراجحة حتى لو قارنتها شرورٌ مرجوحة،وأنَّ الأمّة في زمن الشرور، وتكالب الأعداء، بحاجة إلى إعمال هذه القاعدة الجليلة المهمّة .
فعند هذه التفاصيـل تضيع عقولهم، وتتيهُ أفهامهم، لضيق مداركهم عن وعيها.
ومن أعراض متلازمة أسبرجر: (صعوبة في فهم ما يقرأ، أو يسمع ).
6ـ ومن أعراض هذه المتلازمة الغرور بالنفس،فيما يشبه مرض (الميغالومانيا)، وهو وسواس مرض نفسي، يجعل المصاب به، يتوهم أنهم وحده يملك مالايملكه الآخـرون، حتى لقـد ذكرت بعض كتب الطـبِّ النفسي أنَّ المصاب بهذه الداء، قـد (يرى نفسه أنـَّه رجل من رجال الدين المنزَّهين عن العيـوب، وقد يتعاظم هذا به حتى يدعي المهدية، أو النبوة )!
ولهذا تجدهم يسيطر عليهم أنهم (الفرقة الناجية) التي اصطفاها الله من بين الخلق أجمعين، فجعلها متميّزة بـ (النقاء التام)،فهم ينظرون إلى غيرهم بأنهم جميعا حملة شوائب، قد تطهـَّروُا هم منها!.
ولهذا يرى المصاب بهذه المتلازمة نفسه الامتداد الوحيد للأنقياء عبر التاريخ، وأنّ جميع الآخرين خارجين عن هذه الدائرة _ أهل البدع، والفئات الضالة !! _ فيشغل نفسه بنقدهم، وإظهار عيوبهم!
ولهذا ظهرت فيهم ظاهرة (هجر غير الأنقياء)!، فحاربوا بفظاظة، وغلظة، وعنـف لفظي شديد، كلَّ الجماعات الإسلامية، والدعاة المخلصيـن، والمصلحين السياسيين، والمجاهـدين ..إلخ
من أعراض متلازمة أسبرجر: (عدم وجدود تفاعل اجتماعي، وعدم الرغبة في تكوين صداقات)!
7ـ هذا.. ومن عجائب التوافق بين متلازمة أسبرجر أنَّ من أعراضها (المطّ، أو التطويل، في نطق الألفاظ مع لهجة متكلفة رسميّة )!.
وهي ظاهرة مدهشة في (متلازمة الانبطاحية)، فلدى المصاب بها ولعٌ في هذا المطّ، والتطويل في نطق الألفاظ، وتكلف مثير للقشعريرة خاصة إذا وقف على حرف (العين) من لفظة (أهل البدع)، فكاد يتقيـأ !!
هذه هي أهم أعراض متلازمة الانبطاحية، فإذا قدَّرَ الله، ومرَّت بك إحدى الحالات، فتأمّل أولاً في الأعراض الجسديـَّة، ثم انظر في هذه الأعراض النفسيّة السبعـة، فإن وجدتها، فاحمد الله أولاً على العافية، واتـلُ دعاءَ المبتلى، ثـمَّ حاول أن تدلّ المصاب على العلاج النفسي المناسب عند طبيب نفسي حاذق، ولا تتعب نفسك بالجدال معه، فإنها حالة مرضية بحاجة إلى علاج، لانقاش، وهذا يفسِّر عدم فائدة الجدال مع المصابين بهذه المتلازمة غالباً!.
كما أنَّ الرقية الشرعية نافعة بإذن الله أيضاً، فقد قال الحق سبحانه: (وننزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ، ورحمة للمؤمنين ).
ومنـَّا إلى الأطباء النفسييّن لمزيد الدراسة ،والله أعلم، وهو حسبنا، عليه توكلنا، ونعم الوكيـل، نعم المولى، ونعم النصيـر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة