هند أحماس .. مسلمة في مواجهة العنصرية الغربية
تداعيات القانون الفرنسي العنصري بمنع المسلمات من ارتداء النقاب تتوالى مع الأيام؛ لتكشف وجه الحضارة الغربية القبيح، فها هي أم مسلمة هند أحماس (32 عامًا) قد تواجه حُكْمًا بالسجن يصل إلى عامين؛ بسبب ارتداء النقاب في فرنسا، بعد رفضها حُكْمًا لقاضٍ في باريس، يقضي بخضوعها لـ"دورة مواطنة"، للتدريب على حقوقها وواجباتها المدنية بوصفها مواطنة فرنسية.
قصة هند أحماس:
أُلقي القبض على هند مرتدية النقاب خارج قصر الإليزيه يوم 11 إبريل الماضي، وحُكَم عليها بالخضوع لـ"دورة مواطنة"، مدة 15 يومًا، ولم يُسمح لهند بدخول محكمة (مي) الجنائية في إحدى ضواحي باريس، لسماع أقوالها؛ بسبب رفضها خلع النقاب عند دخول المحكمة.
القضاة أوضحوا لمحاميها جيل ديفيز أن "هند" تواجه عقوبة السجن لمدة عامين، وغرامة تصل إلى 27 ألف جنيه إسترليني. من جانبها قالت هند: "لا مكان للحديث عن خلع النقاب، أنا لن أخلعه، والقاضي هو من يحتاج إلى التدريب على المواطنة". وكانت هند قد رفضت في السابق دفع مائة جنيه إسترليني؛ بسبب ارتداء النقاب في مناسبة أخرى، وأعلنت أنها ستنقل قضيتها إلى محكمة حقوق الإنسان الأوربية. كما أطلقت هند أحماس مع سيدة فرنسية من أصل مغربي، هي كنزة دريدر، حملة "لا تمسوا دستوري"؛ للضغط باتجاه إلغاء حظر النقاب في فرنسا.
ويقضي القانون بحظر ارتداء النقاب أو البرقع الذي يغطي كامل الجسد، وأي امرأة ترتدي هذا الزي تقع تحت طائلة دفع غرامة بقيمة 150 يورو مع/أو الخضوع لدورة تدريب عن المواطنة. ويعاقب كل من يرغم امرأة على وضع نقاب بالسجن لسنة ودفع غرامة قيمتها 30 ألف يورو، وتتضاعف العقوبة إذا كانت المرأة قاصرًا.
لكن "أحماس" رفضت دفع الغرامة أو الخضوع لدورة المواطنة، وقالت: "حكم علينا استنادًا إلى قانون ينتهك القانون الأوربي. ولا تكمن المسألة برأينا في قيمة الغرامة بل في المبدأ. لا يمكن أن نقبل بالحكم على نساء؛ لأنهن يطبقن بحرية معتقداتهن الدينية". واعتبرت هذه المسلمة الفرنسية صاحبة الأصول المغربية، والتي تعيش في اولناي سو-بوا (في الضاحية الباريسية) موقفها الرافض لهذا القانون "هو انتصار جزئي"، وأضافت "يمكننا الحديث عن انتصار عندما يُلغى القانون نهائيًّا". وأوضحت أن "الحكم علينا هو نقطة الانطلاق للقيام بالإجراءات الضرورية لدى محكمة النقض، ولرفع المسألة إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان"، مشيرةً إلى أن هذه "الإدانة كانت هدفًا"، وأن "المعركة لم تنته".
عنصرية فرنسا:
القضية في فرنسا ليست قضية النقاب وحسب، بل هي قضية الإسلام ذاته، والخوف من التمدد الإسلامي القادم إليهم من الجنوب؛ لذلك فقد حظرت فرنسا إقامة المسلمين للصلاة في الشوارع، فقد كانت المساجد في فرنسا لا تتسع لأعداد المسلمين التي تبلغ 6 مليون مسلم؛ فيضطرون إلى الصلاة في الشوارع الجانبية للمساجد، لكن هذا السلوك أثار حفيظة المتطرفين الفرنسيين، حتى إن زعيمة اليمين المتطرف "مارين لو بن" شبهت "صلوات الشوارع" باحتلال الجيش الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، حتى صدر قرار بحظر الصلاة في الشوارع.
ويرى عدد من المحللين أن إصدار مثل هذا القانون وفرض مثل هذه العقوبات على المنتقبات من شأنه أن يضر بفرنسا، ويكشف الوجه الحقيقي للحضارة الغربية التي تزعم المحافظة على الحريات وتحقيق المساواة بين البشر دون اعتبار لجنس أو لون أو دين.
يقول الأستاذ "هاني صلاح الدين"، الصحفي والكاتب بجريدة اليوم السابع: "بين الحين والآخر يثبت لنا الغرب أن ما ينادي به من إطلاق الحريات، وتدعيم قيم الحريات الشخصية، ما هو إلا أقنعة يتباهى بها أمام المخدوعين بهم، في حين نجده يظهر بوجهه القبيح العنصري إذا ارتبط الأمر بالأقليات الإسلامية لديهم.
وخير دليل على ذلك تصميم بعض الدول الغربية على مصادرة حرية المنتقبات، وذلك من خلال تشريع قوانين عقابية على المنتقبات إذا تمسكن بارتداء النقاب، كما حدث في فرنسا، رغم تحفظات قانونيين وممثلي مسلمي فرنسا على هذا القانون".
وتقول الصحفية البريطانية "إيفون ريدلي": حشمة الزي واجب ديني على كل امرأة مسلمة، والحجاب بهذا المعنى يعبر عن الشخصية والهوية الدينية، فملبسي يخبرك أني مسلمة، وأني أتوقع التعامل باحترام، تمامًا مثلما يقول العاملون في البنوك في وول ستريت: إن الزي الرسمي يحدده كتنفيذي ينبغي أن يعامل بجدية. ويصبح الأمر أكثر حساسية مع النساء اللاتي يعتنقن الإسلام مثلي، فهن لا يتسامحن مطلقًا مع اهتمام الرجال الذين يتعاملون مع المرأة بسلوكيات غير لائقة.
وتتساءل: ما سر هوس الرجال الغربيين بزي النساء المسلمات، وما ينبغي أن يرتدينه؟ وكيف يحكم على شخصيتها وعقلها بقصر التنورة وحجم مفاتنها، بدلاً من ذكائها وأسلوب تفكيرها؟
وتؤكد أن: أغلب السياسيين والصحفيين من الذكور في الغرب الذين يبكون قهر النساء في العالم الإسلامي يجهلون تمامًا ما يتحدثون عنه.
يتكلمون بألسنتكم لكنهم ليسوا منكم:
في المقابل هناك -للأسف الشديد- ممن ينتسبون إلى أمتنا ويتكلمون بألسنتنا ويدافعون عن قانون حظر النقاب، معتبرين أنه لا يعارض حرية الاعتقاد أو الحرية الشخصية.
يقول "عبد الله محمد العلويط" في جريدة الوطن السعودية في مقال له بعنوان (منع النقاب في فرنسا لا يتصادم مع الإسلام والحرية): "القرار بحظر النقاب في حقيقته لا غبار عليه! فهو لا يتصادم مع الحرية ولا يتصادم أيضًا مع الإسلام، ولا يتصادم مع تمكين الأقليات الإسلامية من ممارسة شعائرها... بل حتى لو صح ما يقال: إن غرضه التضييق على المسلمين، فالتضييق نفسه مصلحي وليس ديني؛ لأن بعضًا من الجاليات الإسلامية يخالفون الأنظمة هناك، ويريدون التخلص منهم، وليس لأن الكنيسة تأمرهم بذلك...
وإذا كان المسلمون يمانعون ويتذمرون من تطبيق الأنظمة في الغرب على الجاليات الإسلامية، مع أنها للمصلحة؛ فعليهم في المقابل ألا يفرضوا أنظمة ضد الجاليات في بلدانهم لمجرد الخصوصية والشعارات؛ حتى لا يكيلوا بمكيالين. فإذا كان الغرب يمنع المرأة من لبس معين، فبعض الدول تجبرها هي أيضًا على لبس معين".
مسلمة منتقبة لرئاسة فرنسا:
مثل هذه الكلمات التي تعبر عن انهزامية ونفسيَّة قائلها لم توهن من عزم الناشطين وأبناء الأمة، فقد بدأ عدد من الأنشطة الاحتجاجية على قانون حظر النقاب وعلى إدانة "هند أحماس".
ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن "كينزا دريدر" البالغة من العمر 32 سنة التي ترتدي النقاب منذ 13 سنة، وتعتبر من المدافعات عنه في فرنسا، على الرغم من قرار حظره، أعلنت ترشحها لانتخابات الرئاسة الفرنسية لعام 2012م من مدينة مو، مقرّ أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه الذي شارك في إعداد قانون حظر النقاب.
وكينزا دريدر مسلمة عربية الأصل مولودة في فرنسا، قررت الترشح لرئاسة الجمهورية في هذا البلد كخطوة رمزية قالت: إنها تهدف إلى الدفاع عن حرية النساء في ارتداء اللباس الذي يرغبن فيه.
وتعرف "كينزا" أن الأكثرية الساحقة من مسلمي فرنسا لا تتعاطف مع المنتقبات، ولكنها أصرت على لفت النظر إلى ما تسميه قضيتها. وبدأت حملتها في شارع الشانزليزيه، حيث دخلت في نقاش مع المارة المنقسمين بين مستغرب وغير مبال.
وتقول: "هنا في فرنسا لا يحق للمرأة المنتقبة حاليًّا أن تقول كلمتها؛ لذلك أريد مِن ترشُّحي لفت نظر فرنسا والعالم إلى قانون حظر النقاب". والأهم في قصة كينزا أن الناطقة باسم حملتها الانتخابية هي "هند أحماس" التي أعلنت تحديها لفرنسا.
ناشطون يدعمون:
كما نظَّم ناشطون حملات على صفحات المواقع الاجتماعية نصرة لموقف أحماس. منها صفحة "كلنا هند أحماس, سحقًا لفرنسا عدوة الإسلام الأولى"، وصفحة "حملة مقاطعة البضائع الفرنسية نصرة لـ(هند أحماس)"، وصفحة "هند أحماس تتحدى فرنسا"، وصفحة "دافعوا عن هند أحماس (Defend Hind Ahmas )".
وقد وجدت هذه الصفحات تفاعلاً كبيرًا من متصفحي الشبكة العنكبوتية، إذ خلال ساعات قليلة بلغ المعجبون بهذه الصفحات الآلاف.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة