الربيع العربي.. ودور الإعلام
ضاقَتْ فلما استحكمَتْ حلقاتُها
فُرِجَتْ وكنتُ أظنّها لا تُفرَجُ
جاء عام 2011 ليخرق قاعدة السنين الأخيرة، وليتميز بفرادة لم نشهدها منذ عقود، وليستحق بحق وصف: 'عام الانفراج'...
فلقد استحكمت حلقات الظلم والقمع والاستبداد والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، وأطبقت على رقاب الشعوب التي أتقنت ثقافة الخوف، واعتادت قوانين الطوارئ وما فرضته من كل تلك المظاهر، واستكانت لواقعها عقوداً متلاحقة... فتحملت المهانة باستعباد أنظمتها لها، وباستِباحة الأجنبي لبلادها وخيراتها، وعانت من الفقر والبطالة وتقييد الحريات والسجون بكل عذاباتها... وعاشت الرعب بكل تفاصيله؛ حتى صارت الجدران الصمّاء عدوّها اللدود!!!
فجاء هذا العام ومعه الخير والخِصب والنماء... وحاز عن جدارة لقب الربيع العربي... لكأنما اخضرّت الدنيا بتلك الدماء التي انتفضت لكرامتها وثارت على حالة الاستعباد لغير الله... ثارت على من اعتبروا بلاد المسلمين مزارع آبائهم وأجدادهم، وظنوا أن الشعوب عبيد عندهم، مسخّرون لخدمتهم، موقوفون للتسبيح بحمدهم ليل نهار... ثم أزهرت بتهاوي رؤوسٍ حان قِطافها...
ونجحت الشعوب بربيع شبابها وشابّاتها في تجنيد مختلف مكوِّنات المجتمع للنهوض بتلك الثورات، ولاستكمال أهدافها... فتضافرت الجهود والطاقات مع الأموال والاختصاصات والخبرات والمهارات لترسم لوحة ربيعية أنبتت في تونس وتابعت نماءها في مصر وليبيا وستزهر سنابل ذهبية بإذن الله في سوريا واليمن وسائر بلاد المسلمين... لنستكمل المشهد... ونعاين سنن الله تعالى في خلقه، ولنأخذ الدروس والعبر من تداول الأيام وتوالي الأحداث، ولنشهد زمن التحولات العربية التي بدأت بخوف الشعوب وانتهت بخوف الحكام من شعوبهم: (ولله الحِكْمَةُ البالغة)..
...ولِنقفْ على الزمن الذي رأينا فيه الشعوب لأول مرة تنسجم مع فطرتها... تلك الفطرة التي ما اختارت يوماً - عندما يُخلَّى سبيلها - إلا أن يكونَ الإسلامُ دليلها وقائدها نحو حياة يظلِّلها العدل في الدنيا والنجاة في الآخرة. وشاهِدُ ذلك قائم في أيام الجُمَع بشعاراتها، وظاهر في اختيار المساجد منطلقاً للثورات، وجَليٌّ في تقدم الإسلاميين على غيرهم بفُروق شاسعة في أي انتخابات يخوضونها في البلاد المحررة (طالما أنهم يشاركون ليثبتوا الهوية الإسلامية وليؤكدوا مرجعية الشريعة فالمشاركة واجبة، وإلا فلا تجوز) رغم كل محاولات الإقصاء والتشويه والتخويف من «الفزاعة» الإسلامية...
الربيع العربي قائم رغم أنوف الذين يحاولون تشويه ثورات الشعوب وعرقلة مساراتها... وهو قائم رغم أنوف المشككين بجدواه... أولئك الذين لم يصدّقوا بعدُ أنّ الزمن تغير وأن الشعوب رفعت لواء التغيير، وأن جيلاً انتفض على واقع آبائه وأجداده... تلك النخب «المثقفة» المنتفعة من الأوضاع القائمة... التي تحاول مع بقايا الأنظمة المتهالكة استنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال رسائل إعلامية سمجة ممجوجة تستحق أن تكون مادة لكاريكاتيرات مضحكة... في الوقت الذي يعتبر فيه الإعلام أقوى شاهد على المجازر التي ترتكب بحق الشعوب، وغبيٌّ ذلك الذي يحاول تغطية الشمس بغرباله.
إن الإعلام يمثل نبض الشعوب؛ يعيش على قضاياها ويتحرك بحركتها... وبئس الإعلام الذي يشوّه الحقائق ويزيف الوعي ويراهن على بقايا الباطل ويلمِّع صورته... غير آبهٍ بمسؤوليته أمام الله، ثم بالتاريخ الذي يشهد، وبالشعوب التي ستحاكِم رموزه وستلقيها وراءها وتمضي... وما الإعلام الرسمي المصري عنا ببعيد.
ونحن في منبر الداعيات نشكل أحد مكونات الإعلام المعاصر... ولكن، ما نشكر الله سبحانه عليه أننا لسنا مرتهنين لأي سياسة جاهلية، ولا نعمل بضغط من الواقع، ولا نسير بحسب ما يهوى الجمهور... وإنما نمثل قضايا أمتنا وَفق رؤية إسلامية منطلقة من الكتاب والسُّنة.
ولقد عشنا تفاصيل الثورات العربية وواكبناها منذ انطلاقتها، وقدمنا خلالها رؤيتنا بشأن أحداثها ومستجداتها وما يكتنفها وما كشفت عنه من واقع أليم، كما عشنا معاناة الشعوب وما يرتبط بها من قضايا...
والمجلة إذ تفتتح عامها الـ 20 تؤكد على أنها ملتزمة بخطها الفكري وبسياستها التحريرية وبرسالتها الدعوية... مع مواكبة حثيثة - ضمن الإمكانات المتواضعة المتوفرة - لكل جديد من ناحية أساليب العرض، والحرص على تقديم المعلومة بقوالب تناسب مختلف الأذواق والشرائح، وتخاطب الصغير كما الكبير، المرأة كما الرجل، الشاب كما الشابة...
أردناها منذ تأسيسها مجلة تخاطب الإنسان بأبعاده كافة: تغذي قلبه، وتضيء فكره، لتشرق روحه.
أردناها مشروعاً متفرداً بثباته على مواقفه رغم كثرة التحولات، بحرصه على مواكبة وسائل وأساليب عصرنا، بتنوّع مضامينه لتشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية: فكراً وأدباً... فناً وذوقاً... علماً وفقهاً... سياسة وتربية... صحة وترفيهاً...
ننسج حروفنا كلمة إثر كلمة... نخطّها مِداداً من نبض قلوبنا... نسكبها عطراً في قوالب الحب والعطاء... نرسمها... نلوِّنها... نجمِّلها... ثم نقدِّمها: رؤية إسلامية المنهج... صافية المنبع... أصيلة الفكرة... واضحة المعالم... عالمية الاهتمام... عصرية الخطاب...
وفي هذا العام تأتيكم منبر الداعيات في ثوبها دائم التجدد لتقدّم لكم المزيد من الصفحات والملفات التي ترسم لكم معالم الطريق...
وعُقبى المئاتِ من السنين بإذن الله تعالى: شموعاً تحترق لتضيء دروب السالكين... ومنارات شامخة تتلألأ ضياءً... لتُنير حُلكة الميادين... لتبقى منبر الداعيات: رفيقة اهتماماتكم... نصيرة قضاياكم... سفيرة رسالتكم الدعوية.
وكما في كل عام، لا يفوتني إسداء الشكر لأهله، أولاً: لله تبارك وتعالى الذي أيدنا بمددٍ من عنده لنتابع المسيرة، ثم للكُتَّاب والكاتبات الذين يحرصون على المجلة بشكل يثير الإعجاب والتقدير، العاملين الذين يسخِّرون الأوقات والجهود لكي تظهر المجلة في حُلّتها مطلع كل شهر، المصححين، المشرفين، المراقبين، الفنيين كما القراء والقارئات... وكل صاحب فضل بعد الله تعالى. سائلينه عز وجل أن يُتم على أمتنا الإسلامية أفراح الربيع العربي، وأن يمكِّنها من قطف ثمار ثوراتها، تمهيداً للإطاحة بالكيان الغاصب المحتل للأرض والمقدسات.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة