بين الشباب والشيوخ
الصراع بين الأجيال.. بين الآباء والأبناء.. بين الشباب والشيوخ.. أهو حقيقة أم مصطنع؟
وهل بين الآباء والأبناء حاجز حقيقيّ أم وهميّ.؟ ولماذا كثير من الأبناء يتوارون عن مجالسة آبائهم ومحادثتهم وحوارهم، إلاّ بقدر الضرورة.؟ كما يزهدون بلقاء الشيوخ والسعي إليهم؟!
ما أكثر الرجال الذين قيل فيهم: إنّهم جمعوا بين همّة الشباب وحكمة الشيوخ!! وما أقلّ الشباب الذين ملكوا حكمة الشيوخ وعزم الشباب! ثمّ يظهرون التمرّد، ويطيلون ألسنتهم بالنقد!
وهذه بعض الأفكار والرؤى، التي تحاول المقاربة بين هذه الإشكالات ومعالجتها:
* بين عجز الشباب وهمّة الشيوخ:
من سنن الله تعالى في الخلق أنّ الإنسان كلّما كبرت سنّه ضعفت عزيمته، ووهت إرادته، وازداد تعلّقه بالدنيا وحرصه عليها، وبردت حماسته لكثير من الأمور التي كان في شبابه يهتمّ بها، ويسارع إليها..
وعلى العكس من ذلك الشابّ، فهو قويّ الشكيمة، ماضي العزيمة، عالي الهمّة متوقّد الطموح لما يؤمن به أو يرغبه، ولا يتعلّق كثيراً بالدنيا وأسبابها..
والعجب كلّ العجب أن ترى شيوخاً بهمّة الشباب، وشباباً بعجز الشيوخ! فما السرّ في ذلك يا ترى؟! يعود ذلك في نظري إلى عدّة أسباب، أهمّها:
1 ـ ضعف التربية على تحمّل المسئوليّة عند كثير من الشباب.
2 ـ وضوح الرسالة والهدف عند الشيوخ، الذين يتمتّعون بمستوى عالٍ من الهمّة والفاعليّة، وقد علّمتهم تجارب الحياة الإصرار على الأهداف مهما اعترضت العقبات..
3 ـ الحاجز النفسيّ والفكريّ والواقعيّ بين الشباب والشيوخ، ومن أهمّ أسبابه:
أنّ حديث أكثر الشيوخ ماضويّ، مبتوت عن الواقع، يمجّد الماضي، ويلقي باللائمات على الواقع، ولا يحسن تحليل الأحداث وتفسيرها، ويزيد من النفرة منه كثرة تكراره في المناسبات والمجالس..
* آفة الشباب وآفة الشيوخ:
آفة الشباب في ثلاث: التسرّع بلا رويّة.. والإصرار على الرأي مع الانغلاق عن تجارب الكبار.. وضياع الجهد في تجارِبَ مكرورة، وما لا طائل فيه.
وآفة الشيوخ في ثلاث: الوقوف مع الماضي وتقديسه، وبخاصّة مع تجاربهم الخاصّة.. والاستهانة بالمستجدّات والمتغيّرات الماديّة والمعنويّة، والتقليل من شأنها.. واستصغار الشباب، وضعف التواصل معهم، وعدم الاستقبال منهم لحداثة سنّهم، وإنّما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
وربّما كان علاج آفات الشباب أيسر وأسرع، لأنّهم ألين عريكة، وأكثر مرونة، على أن يتحلّى المعالج بالحكمة وحسن التعامل..
* صراع الأجيال أم التواصل والتكامل؟
يتّهم الشيوخ الشباب بالغرور بالنفس، وعدم الخبرة بالحياة.. ويتّهم الشباب الشيوخ بالعجب بالنفس، وصلابة الرأي والمواقف، والعيش في الماضي..
ويقول الشباب: الشيوخ يقفون في طريقنا.. يقتلون طموحنا.. لا يتزحزحون عن مواقعهم إلاّ بالموت..
ويقول الشيوخ: الشباب يريدون أن يعودوا بنا إلى أخطاء الماضي وعثراته.. فإذا كانوا على قدر المسئوليّة لم يقف أحد في طريق صدارتهم..
ويقول الشباب: الشيوخ يحكموننا بمنطق العادات والتقاليد، ويضعون في وجهنا حاجز الأدب والتقدير، ويقيمون للسنّ وزناً أكبر من العقل والعلم، ونتيجة ذلك نمط من الحياة لا إصلاح فيه ولا تغيير..
والحقّ أنّ الأدب مع الشيوخ ينبغي أن لا يلغي الحوار ولا يعطّله..
وأنّ كثيراً من الشيوخ يحتاجون إلى خفض الجناح للشباب، والتقرّب إليهم، كما يحتاج التاجر إلى ترويج بضاعته وتسويقها، والتفنّن في الدعايه لها..
والحقّ أنّ الشيوخ يتحمّلون المسئوليّة الأكبر عن هذه الإشكاليّة بينهم وبين الشباب، لأنّهم أكبر وأعقل وأحكم.. وهم أقدر على حلّ المشكلات، ومعالجة الإشكالات..
ويقول الشباب: أيّها الشيوخ! ما تقولونه اليومَ لنا قد قيل لكم مثله من قبل، فهل قبلتم ما قيل عنكم بالأمس، لنقبل ما تقولونه عنّا اليومَ؟
أيّها الشيوخ والآباء! في الشباب همم وعزائم تتطلع للمجد، وتأبى الذلّ والهوان، وفيهم قوى وطاقات هي نواة للإبداع والاختراع، وفيهم قوّة على العمل، وجلد على المثابرة، ومن المهمّ أن يقوم الآباء والمربون بتشجيعهم، وحفز هممهم وتوجيهها، ولا يستهينوا بآرائهم وأفكارهم، وإنّما يشجّعونهم على طرحها، ويحاورونهم فيها.
* علّمتني الحياة:
أنّ الشيوخ الذين ينقطعون عن الشباب يقطعون أنفسهم عن الحياة..
وأنّ الشباب الذين يزهدون بالتعلّم من الشيوخ، والاستفادة من خبراتهم يدخلون الحياة ببدائيّة مفرطة في السذاجة..
وأنّ ردم الهوّة بين الشباب والشيوخ ليس عسيراً ولا مستحيلاً.. إنّما يحتاج إلى إرادة الطرفين، وشعورهما بالحاجة إلى ذلك، وربّما كانت المسافة الزمنيّة بين الشباب والشيوخ لا تتجاوز عشر سنوات، ولكنّ البعد النفسيّ والفكريّ، ونمط معالجة الأمور وتفسيرها يتجاوز الخمسين والستّين.. وبخاصّة إذا علمنا أنّ بعض الشيوخ يستحضرون ليس الماضي القريب من حياتهم فحسب، وإنّما الماضي الأبعد من البعيد، من مواقف بشريّة، واجتهادات لها ملابساتها، وظروفها الخاصّة، ويسدلون عليها هالة من التقديس، لا تقبل أيّ نقد أو مراجعة.. ولا يزالون يُبدئون ويعيدون فيها، وكأنّها نصوص مقدّسة منزّلة..
* لماذا يبتعد الشباب عن الشيوخ؟
لأنّ كثيراً من الشباب لم يتربّوا على احترام الكبير وتوقيره، ومعرفة قدره ومنزلته، وأنّ على الصغير أن يستشيره، ويستنير برأيه، ويستفيد من خبرته في الحياة وتجاربه..
ولأنّ كثيراً من الشيوخ يفتقدون لغة الحوار من حديثهم، ولا يحبّون السماع للشباب، ولا يقتربون منهم، ولا يتركون لهم فرصة الحديث والتعبير عن أفكارهم وآرائهم..
فكيف للشباب أن يتقبّلوا دور التلميذ الصغير مدى الحياة.؟! بل إنّ التلميذ الصغير، والطفل بين والديه ومربيه أحوج ما يكون إلى أن يتربّى على لغة الحوار وفنّه، فإذا افتقد ذلك في تربيته، فأخوف ما يخاف عليه أن نراه « دكتاتوراً » مستبدّاً في كِبَره..
وأخيراً: على الشيوخ أن يأخذوا بأيدي الشباب برفق، ويحسنوا جذبهم إليهم، وعلى الشباب أن يمدّوا أيديهم للشيوخ، ويحسنوا الاتّصال بهم، فإن أبوا ذلك فعلى الشيوخ أن يمدّوا أيديهم، ولا يستيئسوا.. فالإناء الكبير يتّسع لما هو أصغر منه..
المصدر: موقع المسلم
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة