جبهة النصرة: الثور الأبيض
1- بما أنني أختلف مع جماعة القاعدة في أمور كثيرة فلا بد أن أختلف في أمور كثيرة مع جبهة النصرة، لأن هذه من تلك. ولكني أختلف مع إخواني المسلمين اختلافَ الأخ مع أخيه والمرء مع أهله وذويه، والاختلافُ بهذا المعنى مشروع ما لم يُبنَ على هوى أو يتسبب في فرقة وبغضاء، ومنه ما اشتهر عند المتقدمين والمتأخرين من علماء هذه الأمة: “إن الاختلاف توسعة ورحمة”، وهو معنى صحيح مقبول ولو لم يصحّ فيه الحديثُ الذي يدور على ألسنة العامة، وقد روى ابن وهب عن القاسم: يعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أنّ أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون.
نعم، نختلف ونحن متحابّون ونختلف ونحن نبحث عن الحق، فإذا افترقنا دعا بعضنا لبعض بالهدى والتوفيق، يجمعنا الشعار العظيم الذي أطلقه الإمام المجدّد محمد رشيد رضا قبل قرن من الزمان: “نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.
2- ألا فأخبرونا يا أيها الأميركيون: أيّ جريمة ارتكبت جبهة النصرة فدفعتكم إلى إعلان الحرب عليها؟ أقتلَت منكم قتيلاً أم ضربت لكم سفارة؟ ما عرفناها إلا جماعة مجاهدة على أرض الشام، ليس لها عدو إلا نظام القمع والإجرام، نظام الاحتلال الأسدي الذي عجزتم أنتم سنتَين عن ردعه، فما زدتم على الردح والصياح يومَ انساح في الوهاد والبطاح رجالٌ يذودون عن المستضعفين بالسلاح ويقدّمون في سبيل نصرتهم الغالي النفيس من الأموال والأرواح، فهلاّ خليتم بينهم وبين عدوهم إذ عجزتم عن ردع العدو وردّه عن الحِمى المستباح؟
فأما “الجبهة” فقد قلّدتموها وساماً من أرفع الأوسمة، وأما الآخرون فقد نبهتموهم إلى ما ينتظرهم، فإنا علمنا أنكم لم تنقموا منها إلا أنها رفعت راية التوحيد وأنها أرادت الاحتكام للإسلام. أما علمتم أننا كلنا رفعنا راية التوحيد وأننا كلنا ارتضينا الإسلام حاكماً لنا وأردناه نوراً يشع على ديار الشام؟
إنْ تعادوا جبهة النصرة فكلنا اليومَ “نصرة”؛ لن نسمح لكم بأن تأكلوا ثور الثورة الأبيض ونحن غافلون.
3- ولكن ما لي وللأميركيين؟ ليسوا مني ولست منهم، إنما أريد أن أوجّه كلماتي إلى الذين أنا منهم وهم مني، بعضنا أولياء بعض، وهي ثلاث.
كلمتي الأولى للكتائب المقاتلة: لا تسمحوا لأي كيان، كائناً من كان، بأن يأكل أحداً منكم وأنتم تنظرون. إنما تهاوت الأمة وابتلعتها دول الاستعمار يوم نظر بعضها إلى بعض وقال: “ما دمت لست أنا المأكول فلا أبالي”، فلم يلبث أن كان هو الوجبةَ التالية. فاتعظوا يا أيها المسلمون، يا أيها المجاهدون على أرض الرباط: إن عدوكم يتربص بكم جميعاً، ولو أنه استطاع لفتك بكم فَتكةً واحدة، ولكنه أعجزُ من ذلك، فلما يئس منكم جميعاً قرر أن يأكلكم فُرادى: الثور الأبيض اليوم، وفي الغد الأحمر، وغداةَ الغد الأسود، ودواليك بقية الثيران ذات الألوان.
أكرر التحذير وأرجو أن يصل النذير إلى الكتائب جميعاً: إياكم أن يأكلوا بعضكم وأنتم تنظرون، إياكم أن يستعملوا بعضكم ضد بعض، لو فعلتم -لا قدّر الله- فإن الدائرة تدور على الجميع ولو بعد حين. لا تثقوا بمن لا عهد له ولا أمان. اجتمِعوا منذ اليوم وأعلنوا الإعلان، خاطبوا أميركا بأوضح بيان: كلنا مجاهدون في جبهة واحدة ونسعى إلى هدف واحد، لا فرق بين النصرة وغيرها من الألوية والكتائب في طول سوريا وعرضها، فإما أن تعادونا معاً أو تسالمونا أجمعين.
4- كلمتي الثانية لجبهة النصرة: اكشفوا عن أنفسكم وأعلنوا برامجكم للناس. مَن هذا الفاتح الجولاني؟ أتخافون من إعلان الاسم وقد عُرفتم بالشجاعة والإقدام؟ أم تحسبون حسابات الأيام وكل إخوانكم في الكتائب والجبهات قد أعلنوا الاسم وكشفوا اللثام؟ إن المعركة لا تحتمل التورية والاستتار وراء الأسماء المبهمة، والأمة لا تحب التعامل مع أشباح، ولا سيما في هذا المقام.
وأهم من الأسماء معرفة البرامج. الاتفاق مع الآخرين على هدم النظام وتحرير سوريا لا يكفي؛ نريد أن نعرف: هل تقتصر خطتكم على التحرير أم أنها تمتد إلى ما بعده؟ وإذا كانت كذلك فأي شيء أعددتموه لما بعد التحرير؟ هل تعتزمون دعوة الناس إلى ما ترونه حقاً أم حملهم عليه بالإكراه؟ كيف تحلون خلافاتكم مع الآخرين، بالقوة أم بالحوار؟ هل عندكم برامج مستترة وأهداف آجلة؟ لقد سمعت وسمع الناس ذلك الرجل يهتف في بِنّش المحررة فيقول: “أميرُنا المُلاّ”، فهل هذا أمر اتفقتم عليه أم أنها زلة زلّها مجاهد يجاهد تحت رايتكم على غير اتفاق؟ وإن كانت الثانيةَ فلماذا لا توضحون ولماذا لا تقطعون الشك باليقين؟
أكرر الرجاء: لا تتركونا للظنون، أعلنوا برامجكم للناس.
5- كلمتي الثالثة أوجهها إلى الائتلاف الوطني: إنْ شقّ عليكم الرد على أميركا ووزيرة خارجيتها وآثرتم الصمت (والصمت موقف لا يُحمَد في هذا المقام) فلا تسمحوا لهم بأن يستعملوكم في العمل الشرير. لا تقبلوا أن تكونوا جسراً يصلون عبره إلى المجاهدين في سوريا، ولو كان الثمن حلّ الائتلاف.
لقد ناشدتكم يوم إعلان الائتلاف فقلت: “إياكم ثم إياكم ثم إياكم، ولو استطعت لكررتها ألف مرة… إياكم أن تساعدوا القوى الدولية على إضعاف أهم مكونات الثورة السورية: الكيان الثوري الشعبي والكيان الجهادي العسكري. سوف تكتشفون بسرعة أن هذا هو الهدف الكبير الذي من أجله دعموا الائتلاف ومنحوه الشرعية، فإن قوة هذين الكيانين العظيمين هي العقبة الكبيرة التي حالت بينهم وبين القضاء على الثورة، وهما ما يزالان الشوكة الصلبة في حلوقهم إلى اليوم. ربما أقنعوكم بضرورة إضعاف بعض الكيانات الثورية والعسكرية بحجة توحيد المعارضة الثورية والعسكرية، أو بحجة القضاء على التطرف والإرهاب اللذين يعوقان العالَم -كما يزعمون- عن دعم الثورة. لا تنسوا أن لنا تعريفنا للتطرف والإرهاب ولهم تعريفهم، ولن يلتقي التعريفان أبداً في أي يوم من الأيام”.
ذلك ما خاطبتكم به قبل عشرين يوماً، واليوم أكرر الخطاب، وأضيف: الشعب السوري وثق بكم فلا تخذلوه، كونوا قوة له لا عليه، وادرؤوا عنه الأخطار والدسائس والمؤامرات.
6- وليعلم العالم أن السوريين لم يكونوا يوماً من أهل الغدر والجحود؛ لقد كانت عادتهم الوفاء على الدوام، فلن يبدلوا اليوم عادتهم ولن يقطعوا اليد التي امتدت إليهم لتنقذهم من الشر والطغيان، لا يد “النصرة” ولا غيرها من الأيادي البيضاء.
ولقد قلت وكررت مراراً: إن سوريا ليست بحاجة إلى رجال إنما هي بحاجة إلى المال. ولكني لا أقبل ولا يقبل أحد من السوريين الشرفاء أن نخون مَن جاءنا من إخواننا المسلمين ولا أن نجحد فضله وسابقته. كل مجاهد دخل سوريا فهو في ذمة أهلها وجوارهم، لا يصل إليه معتد بسوء ولا يَخْلُص إليه حتى يَخْلص إلى أنفسهم ووالديهم وأولادهم أجمعين. لقد نابذ أحدُ كرام العرب يوماً قوة من قُوى العالم العظمى قياماً بحق الذمة والجوار، ونحن أحفادُ ذلك الشيباني الذي هزم الفرس في ذي قار.
ألا ليسمع العالم بشرقه وغربه: بالأمس كان المجاهدون ردءاً لنا ونصيراً، واليومَ وغَداً سوريا كلها للمجاهدين هي الردء وهي النصير.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة