المجدَع في سبيل الله عبد الله بن جحش
والده هو جحش بن رئاب بن خزيمة الأسدي، وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، وأخته هي أم المؤمنين زينب بنت جحش زوج رسول الله ﷺ، وكانت ولادته في مكة قريباً من البيت الحرام.
كان عبد الله لا يزال نائماً في فراشه، فإذا به يسمع صوتاً ينادي قومه، فخرج مسرعاً يلبّي النداء، فإذا به صوت محمد ﷺ، فقال لهم: يا آل غالب، يا آل لؤيّ، يا آل مرّة، يا آل كلاب، يا آل قصيّ، يا آل عبد مناف.. إني رسول الله إليكم خاصّة، والناس عامة، وتلا قول الله تعالى:﴿فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذَبين* وأنذر عشيرتك الأقربين* واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين﴾[الشعراء: 212-215].
انفضّ الناس من حول رسول الله بين مصدِق ومكذِب، وعاد عبد الله بن جحش بتلك الكلمات التي سمعها، فأضاءت قلبه، وأثلجت صدره، فوجّهته إلى دار رسول الله محمد ليضع يده في يده، وينطق كلمة الشهادة.
أسلم عبد الله بن جحش، وحسن إسلامه، ودعا أخويه وأختيه إلى الإسلام، فاستجابوا له واتخذ من بيته مصلىً ومسجداً، وقد أصابه شرّ كبير من قريش، ولما اشتد العذاب والهول على المؤمنين من قبل قريش، اجتمعوا عند رسول الله ووضعوا بين يديه ما يراد بهم، وما ينتظرهم من بلاء على يد هؤلاء القساة، عندها قال لهم الرسول الكريم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدقﹴ، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه.
إنها الهجرة إذاً، والأمر من الرسول الكريم بذلك، وخرج عبد الله بأختيه وأخويه وأهل بيته جميعاً إلى تلك الأرض التي حدّدها لهم رسول الله ﷺ.
عاش عبد الله بن جحش وأسرته في الحبشة في جوار هذا الملك الكريم، حتى جاءتهم الأخبار أن قريشاً رجعت عن ضلالها، واتّبعت محمداً، فعاد إلى مكة، ولم يكن يدري أنها خدعة أشاعتها قريش، حتى يعود إليها الفارّون بدينهم، لتباشر معهم صنوف التعذيب والتنكيل. وأقام عبد الله وأسرته في مكة، حتى أذن الرسول بالهجرة إلى المدينة المنورة فهاجر وأسرته كلَها، وأصبحت ديارهم في مكة يباباً.
كان عبد الله بن جحش صاحي السَرية التي أرسلها الرسول الكريم إلى مكة، والتي قتل فيها عمرو الحضرمي، وأسر فيها عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان، وشهد مع الرسول الكريم غزوة بدر وكلَ المشاهد بعدها، حتى كانت غزوة أحد، وقد دعا ربه قبل المعركة قائلاً:( اللهم ارزقني رجلاً شديداً بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، فيقتلني، ثم يأخذني فيجدِع أنفي وأذني)!! وقد استجاب الله دعوته، وقد عرف رضي الله عنه (المجدّع) لأنه مثِل به وجدع أنفه وأذناه.
هو صاحب أول لواء عقده رسول الله، وأول من سنّ (الخمس) من الغنيمة لرسول الله قبل أن يفرض (الخمس)، وقد تشاور مع رفاقه لخوض المعركة في الشهر الحرام (رجب)، وقالت قريش: لقد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، ولما كثر حديث الناس في ذلك، أنزل الله تعالى على رسوله الكريم:﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتالﹴ فيه؟! قل: قتال فيه كبيرٌ وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله! والفتنة أكبر من القتل! ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا﴾[البقرة: 217].
وقد دفن رضي الله عنه في قبر واحد مع عم رسول الله حمزة رضي الله عنه، بناءً لرغبة الرسول الكريم بعد أن استشهد في معركة أحد. رضي الله عنه وعن سائر إخوانه من الصحابة الكرام وتقبَله مع الشهداء الأبرار والصالحين الأخيار.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن