حكم الرطوبة عند المرأة وأثرها على الوضوء
كثر السؤال من النساء دائماً عن حكم رطوبة الفرج، أهي طاهرة أم نجسة؟ وهل ينتقض بها وضوء المرأة؟ وذلك لأن الكثرة الكاثرة منهن يعانين من دوام نزول هذه الرطوبة في اليوم الواحد مرات متعددة، مما يصعب معه تبديل الملابس عليهن وإعادة الوضوء في اليوم مرات متعددة، ووقوع البعض منهن في الحرج من ذلك. وقد قرأت في العدد /30/ من مجلة منبر الداعيات اللبنانية، الصادر في جمادى الآخرة 1418هــ فتوى لأحد الفضلاء، عدّ فيها هذه الرطوبة نجسة وناقضة للوضوء في مذهب السادة الحنفية. وبالنظر لأهمية هذا الموضوع، وكثرة السؤال عنه من النساء عامة، رأيت من المناسب ذكر مذاهب الفقهاء المعتبرين المختلفة فيه، من حيث طهارتها أو نجاستها أوّلاً، ثم من حيث نقض الوضوء بها ثانياً، وذلك بعد تعريفها وبيان أوصافها، عسى أن يكون في بعض هذه المذاهب المعتبرة بعض التيسير على النساء. تعريفها رطوبة الفرج ماءٌ أبيض متردّد بين المذي والعرق، وهو المسمى (بالطُهر) عند النساء، وهو علامة على طهارة المرأة من الحيض والنفاس، وهو- بإجماع الفقهاء- غير المذي والودي والمنيّ، لاختلاف صفاته عنها. وللتفريق بين هذه المصطلحات المتقاربة سوف أورد تعريف كل منها كما يلي: • المذي: ماء رقيق أبيض يخرج عند الشهوة لا بها، وهو في النساء أغلب منه في الرجال. • والودي: ماء ثخين أبيض كدر، يخرج عقب البول. • أما المنيّ: فهو الماء الغليظ الدافق، الذي يخرج عند اشتداد الشهوة، وينكسر بعده الذَكر، وإن كان الدَفق ليس شرطاً فيه عند الكثيرين. حكمها من حيث الطهارة والنجاسة اتفق الفقهاء على أن رطوبة الفرج الخارجي الذي يجب غسله طاهرة، مثلها مثل عرق البدن. أما الرطوبة الخارجة مما وراء الفرج الداخلي، فنجسة باتفاق الفقهاء. وأما رطوبة الفرج الداخلي الذي لا يجب غسله، فقد اختلف الفقهاء فيها على مذاهب: فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل إلى أنها طاهرة، كرطوبة الفرج الخارجي. وذهب مالك وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنها نجسة، كالبول والدم (1). وهذه الرطوبة هي الأعم بين النساء، ولهذا فإنني سوف أقصر الكلام عليها دون الرطوبات الأخرى النادرة. هذا كله إذا كانت الرطوبة خالية من الدم والمذي والودي والبول، أما المخلوطة أو المشوبة بواحد أو أكثر مما تقدم، فإنها نجسة، النجاسة ما رافقها أو خالطها. وعليه، فإذا أصاب ثوب المرأة أو بدنها... شيءٌ من رطوبة فرجها، وكان صافياً غير مخلوط بدم أو بول أو مذي أو ودي أو غير ذلك من المواد النجسة الأخرى، ثم صلّت مع ذلك، فإن حكم صلاتها مرتبط بحكم ما أصابه من رطوبة الفرج نجاسةً وطهارةً، بحسب ما تقدم. فمن عدّها طاهرة صحح صلاتها، ومن حكم بنجاستها أبطل صلاتها، لأن الخلوَ عن النجاسة شرط في صحة الصلاة باتفاق الفقهاء، هذا ما لم تكن النجاسة قليلةً داخلةً في القدر المعفوّ عنه منها لدى الفقهاء، وإلا لم تبطل الصلاة بها وإن كانت نجسة لقلتها. حكمها من حيث نقض الوضوء لم أر من الفقهاء من نصَ على أن رطوبة الفرج ناقضة للوضوء أو غير ناقضة له، ولهذا وجب الرجوع إلى قواعد الفقهاء العامة في نقض الوضوء، ثم تطبيقها على رطوبة الفرج، بحسب ما تقدم من الحكم بطهارتها أو نجاستها. فقد ذهب الحنفية إلى أنّ الوضوء ينتقض بخروج النَجس من الآدمي الحيّ. وذهب المالكية إلى أن الناقض للوضوء هو خروج النجس المعتاد من السبيل المعتاد. وذهب الشافعية والحنبلية إلى أن الوضوء ينتقض بخروج أيِ شيء من السبيلين، نجساً كان أو طاهراً. فإذا طبقنا هذه القواعد على رطوبة الفرج المتقدمة، انتهينا إلى أنها ناقضة للوضوء عند جمهور الفقهاء، سوى الإمام أبي حنيفة، أما أبو حنيفة فإن مؤدَى مذهبه أنها لا تنقض الوضوء لطهارتها، قياساً على خروج الريح من الفرج، فإنه غير ناقض- في مذهبه- لطهارته، فكذلك الرطوبة الطاهرة، ولم أر من نقل عن الإمام خلاف ذلك. ولا يجوز في نظري قياس رطوبة الفرج على الحصاة الخارجة من الدُبر أو القبل الناقضة للوضوء بدعوى أنها طاهرة أيضاً، ذلك أن الحصاة لا تخلو من النجاسة المرافقة لها غالباً، لخروجها من مخرج النجاسة (الدُبر) ـو مخرج البول من القبل، وهو ما علَل به الحنفية النقض بها على خلاف رطوبة الفرج، فإنها تخرج من مخرج الولد، وهو طاهر، لا من مخرج البول، فافترقا في نظري. لهذا فإنني أنتهي مما تقدم من مذاهب الفقهاء إلى أن رطوبة الفرج ناقضة للوضوء، أخذاً برأي جمهور الفقهاء في ذلك، للاحتياط، وهو مرجَح في أمور العبادات عند اختلاف الأقوال والأدلة. إلا أن للنساء- في نظري- عند الحاجة الماسّة والعنت الشديد، أن يأخذن بالأسهل، وهو قول الإمام أبي حنيفة، الذي قال بطهارة رطوبة الفرج ولزم منه القول: إنها غير ناقضة للوضوء، كما تقدم، وذلك دفعاً للمشقة، ولأنه قول إمام معتبر لا يماري أحد من الناس في جواز تقليده واتباع مذهبه هذا كله ما لم تصبح المرأة برطوبة الفرج صاحبة عذر، وذلك بأن لا يمرَ عليها وقت يكفي لطهارتها وصلاتها، لكثرة نزول هذه الرطوبة بغير انقطاع، فإن وصل الأمر بها إلى العذر- كما ذكرت- كانت معذورة، والمعذور في الحدث مطلقاً سواء كان لسيلان بول أو استمرار دم أو استطلاق بطن أو انفلات ريح أو غير ذلك من الأحداث: يسمح له بالتطهر بعد دخول وقت كل صلاة، ثم يصلي بطهارته هذه ما شاء من الصلوات مع استمرار الحدث حتى ينتهي الوقت، ولا يعدّ حدثه هذا ناقضاً للوضوء في حقه، ما دام الوقت لم يخرج، تيسيراً عليه، فإذا خرج الوقت ودخل وقت صلاة أخرى، جدد الطهارة وفعل مثل ما فعل في الطهارة الأولى، حتى خروج الوقت ودخول وقت صلاة أخرى، وهكذا دواليك. وربما تشكَك بعض الناس وقال: إن مذهب الإمام أبي حنيفة بعامة هو نقض الوضوء بكل خارج من السبيلين، نجساً كان أو طاهراً، متمسِكاً بظاهر قول التُمرتاشي:( وينقضه خروج نجسﹴ منه إلى ما يظهر غالباً، وخروج غير نجس مثل ريحﹴ أو دودة أو حصاة من دبر). والجواب على ذلك: أنّ خروج الحصاة وأيِ طاهرﹴ آخر من الدُبر أو القبل ناقض للوضوء عند الحنفية بسبب ما يرافقه غالباً من نجاسة، وإلا فإن خروج الطاهر غير ناقض باتفاق الحنفية. يؤيد ذلك: 1- قول الكاساني:( وجه ما ذكره الكرخيُ أنّ الريح ليست بحدث في نفسها، لأنها طاهرة، وخروج الطاهر لا يوجب انتقاض الطهارة، وإنما انتقاض الطهارة بما يخرج بخروجها من أجزاء النجاسة، وموضع الوطء من فرج المرأة ليس بمسلك البول، فالخارج منه من الريح لا يجاوره النجس..) (2). 2- وقول البابرتي:( والقبل محل الوطء ليس فيه نجاسة تنجس الريح بالمرور عليها، وهو في نفسه طاهر) (3). هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم..
الهوامش
1- ابن عابدين 1/233، والدُسوقي 1/57، ونهاية المحتاج 1/246-247.
2- بدائع الصنائع 1/25.
3- العناية على الهداية 1/32.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا