حوار مع الداعية محمد موسى الشريف (الشباب وفَهم التاريخ)
كتب بواسطة حاورته منبر الداعيات
التاريخ:
فى : حوارات
1279 مشاهدة
لفَهم تطوّرات العصر الحاضر وما يجري فيه من أحداث، ولاستشراف المستقبل وإحسان التخطيط والاستعداد له، لا بد لنا من فَهم الماضي على ضوء سنن التاريخ التي لا تتخلف؛ فكثيرة هي الآيات التي تحضّ المسلمين على فَهم التاريخ وأحداثه لأخذ العِبَر والتنبّه لخطر الوقوع بما وقع فيه مَن قبلنا، وأيضاً للوقوف على أسباب ارتفاع الأمم وسقوط الحضارات، قال تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم}... فكيف ينبغي لشباب هذه الأمة أن يفهموا التاريخ ويبنوا على ذلك مقتضاه؟ وكيف نوظّف دراسة التاريخ في خدمة قضايانا الإسلامية؟ وما انعكاسات فَهم التاريخ على الفكر والسلوك؟ وما الذي تميّزت به حضارتنا على سائر الأمم والشعوب؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت موضوعاً للحوار القيِّم الذي أجريناه مع الكابتن د. محمد موسى الشريف. من هو ضيفنا؟
من مواليد جُدة عام 1381 هـ ، وأسرته من المدينة المنورة، ويتصل نسبهم بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
يعمل حالياً قائد طائرة في «الخطوط الجوية السعودية».
حائز على درجة الدكتوراه في الكتاب والسُّنة عام 1417 هـ، من كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى.
لديه إجازة في رواية حفص من طريق الشاطبية والطيِّبة، ويدرس القراءات العشر.
مشرف على موقع التاريخ www.altareekh.com
إمام وخطيب مسجد الإمام الذهبي بحي النعيم بمدينة جدة.
رئيس لجنة مساجد آسيا.
رئيس مجلس إدارة شركة أبحاث للإعجاز في الكتاب والسُّنة - القاهرة.
مقدم برامج في التلفزيون السعودي وقناة الفجر وقناة اقرأ وقناة المجد.
عمل مدرِّساً في قسم الدراسات العليا الشرعية في جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية - فرع جُدة.
له العديد من المؤلَّفات الفكرية والدعوية.
1. «منبر الداعيات»: بداية، نودّ أن نعرف كيف تستطيع الجمع بين عملك قائد طائرة، وبين العلم والدعوة، والكتابة والتأليف، والواجبات العائلية...؟
هذا من توفيق الله تعالى - إن شاء الله - لعبده، والمطلوب عمل قائمة للأولويات حتى لا يطغى شيء على شيء، ولا أزعم أني استطعتُ أن أضبط كل ذلك، إنما هي محاولات، فما أصبتُ فمن الله تعالى، وما أخطأتُ فيه وزللتُ فمن نفسي الأمّارة بالسوء ومن الشيطان.
2. «منبر الداعيات»: من خلال اعتنائكم بالتاريخ الإسلامي، برأيكم: ما الأسباب التي ترَوْن أنها الأبرز وراء ضياع الأندلس؟
أبرز الأسباب وراء ضياع الأندلس في ظني:
أ- ضَعف عقيدة الولاء والبراء أو انعدامها، فقد كان الحاكم المسلم لمدينةٍ ما يُسلّم مدينة أخرى أو حصناً للصليبيين نكاية في أخيه الحاكم المسلم، وقد تكرر هذا كثيراً.
ب- الفُرقة والاختلاف الشديد الذي كان سِمة أمراء الأندلس إلى الحد الذي كان فيه أربعة من الحكام كلٌّ دُعي بأمير المؤمنين!!
ج- المعاصي والذنوب التي جاهروا بها واستعلنوا بها حتى حقّت عليهم كلمة الله.
د-الترف، وإضاعة المال في بناء القصور، ومغاني الغواني.
هـ- ضَعف الاستعداد العسكري وقلة الأخذ بأسباب القوة.
و- قلة الادِّكار والاعتبار والاتعاظبما يحصل لبعضهم من استيلاء الصليبيين على بلادهم وأموالهم وأعراضهم.
3. «منبر الداعيات»: كيف تنظرون إلى واقع العالم الإسلامي اليوم؟ وكيف لشبابنا أن يفهموا خلفيات الأحداث على ضوء سنن التاريخ؟
العالم الإسلامي اليوم يعاني من ضعفٍ وَرِثه على مدار أربعة قرون، وهو اليوم آخذ في التعافي التدريجي والخروج من دائرة الضعف وإسار الذل والهوان. وقد بدأت في العالم الإسلامي حركتان مهمتان: حركة اليقظة قبل قرن وثلث تقريباً، ثم حركة الصحوة قبل ثلث قرن عقب معركة رمضان مع اليهود سنة 1393هـ = تشرين الأول 1973م. والأمة تعيش الآن زمن صحوتها، وهذا القرن هو قرن الإسلام كما اعترف بذلك كثير من مفكري الغرب، والإسلام قادم بقوة إن شاء الله تعالى، والدلائل على ذلك والبشائر أكثر من أن تُحصى، لكن الشرف كل الشرف والعزة والكرامة والمجد لمن يشارك في صنع هذه السيادة القادمة لهذا الدين العظيم.
4. «منبر الداعيات»: كيف نوظّف دراسة التاريخ في خدمة القضايا الإسلامية المعاصرة؟
علم التاريخ علم جليل، فهو مفتاح لفَهم كثير من الأحداث الحالية وخلفياتها التاريخية، وهو علم لا بدّ منه لفَهم المذاهب والطوائف والأديان والفِرَق وأسباب نشأتها وتأثيرها في أحداث الماضي والحاضر، والتاريخ فيه سِيَر العظماء من العبّاد والزهّاد والأبطال والقادة والعلماء والدعاة والفضلاء، ونحن بحاجة ماسّة لهذه السِّيَر العظيمة لتكون قدوة لأبنائنا وبناتنا. والتاريخ لكل أمة هو أصلها الذي تستند إليه في إصلاح الحاضر والتهيؤ للمستقبل، ومَن ليس له تاريخ يعتبر ويتعظ به فليس له حاضر ولا مستقبل مشرّف، والله أعلم.
5. «منبر الداعيات»: ما انعكاسات فَهم التاريخ على الفكر والسلوك؟ وبماذا تنصحون الطلاب الذين يتخصصون بهذه المادة؟
إن تاريخنا مليء بمواقف العزة والكرامة، ومقاليد السيادة والريادة للعالم كله طيلة ألف سنة من الزمان تقريباً. وعلى المسلم أن يبذل جهده لإعادة الأمة إلى ما كانت عليه، لكن بشرط أن يفهم أحداث التاريخ وسننه فهماً جيداً، وهذه هي وظيفة دارسي علم التاريخ؛ فمهمتهم تسهيل عرض المادة التاريخية، واستخراج العبر والعظات الكثيرة جداً من ثنايا التاريخ وزواياه وحناياه، وربط أحداثه بعضها ببعض حتى يستخرجوا منها السُّنة التاريخية التي لا تكاد تتخلّف. وأيضاً عليهم واجب مهم هو إيضاح أن تاريخ هذه الأمة مرتبط بتاريخ الأنبياء منذ آدم عليه الصلاة والسلام؛ فتاريخنا مرتبط بقرآننا وبجميع الرسالات السماوية الصحيحة غير المحرفة، وبجميع الأنبياء والمرسلين. وواجب عليهم أيضاً بيان أن هذه الأمة قد جعل الله لها وظيفة مهمة جداً ألا وهي قيادة الأمم إلى الخير والرشد، وذلك بعد أن غَضِب الله على بني إسرائيل ولعنهم ونزع الولاية منهم وأعطاها سبحانه لهذه الأمة المباركة.
6. «منبر الداعيات»: من المصطلحات الدارجة لدى المثقفين المعاصرين: «التجديد» في كل شيء: في الدين والسياسة والاجتماع... ما مقوِّمات التجديد وشروطه؟ وما هي وسائل تطبيقه على واقعنا المعاصر؟
التجديد المطلوب هو في الوسائل لا في الثوابت، فالثوابت الشرعية لا تجديد فيها، وهناك من بني جلدتنا من يريد خلط الحقائق، وباسم «التجديد» اليوم يُعتدى على ثوابت الأمة ومرجعيتها الشرعية؛ فكلمة التجديد كلمة حق يُراد بها - عند كثير ممن يستعملها - باطل.
فالتجديد إذن يكون في الوسائل المتغيرة بطبيعتها وليس في الثوابت، ويكون على يد أهل البصيرة في الدين، وليس على يد كل من هَبَّ ودَبّ، ويكون مرتبطاً بالحاجة إليه.
والتجديد - على التحقيق - عمل لا يَصلح أن يكون فردياً، بل لا بد من قيام مؤسسات عليه ترعاه وتحميه، ويشارك في تحقيقه - في الواقع - العلماء والدعاة العاملون المأمونون على الأمة.
7. «منبر الداعيات»: هل توجد صفات مشتركة ميّزت عظماء أمتنا الذين كان لهم الأثر البالغ والبارز في بناء الحضارة الإسلامية؟
الصفات المشتركة هي: الإخلاص، حُسن الصلة بالله تعالى، الهدف العظيم، الهمة العالية، الثقافة الواسعة، والعمل الدؤوب.
8. «منبر الداعيات»: من خلال دراستكم للتاريخ الإسلامي: هل من شخصيات نسائية إسلامية بارزة كان لها أثر في نهضة الأمة؟
هناك الكثير من النسوة، فمنهم: خديجة رضي الله عنها، وعائشة رضي الله عنها؛ فقد كانت عالمة، فقيهة، أديبة، شاعرة، عارفة بالطب والأنساب. وفي العصر الحديث فاطمة نسومر المجاهدة الجزائرية، ومريم جميلة المهتدية الأميركية، وزينب الغزالي الداعية المجاهدة، ود. فاطمة نصيف من السعودية، وكثيرات جداً غيرهن طواهنّ ستار العمل المنزلي والتربية.
9. ما أبرز ما تميّزت به حضارتنا، وتفوّقت به على سائر الشعوب والأمم؟
أبرز ما تميّزت به الحضارة الإسلامية أنها:
أ- حضارة ربانية موصولة بالله تعالى: {اقرأ باسم ربّك}.
ب- حضارة عالمية تَصْلح لكل زمان ومكان ولكل الناس.
ج-قامت على أسس صحيحةمن الشرع والعقل.
د- صالحة للسيادة والريادة؛ فهي ليست عنصرية ولا شعوبية ولا قومية.
هـ- قام عليها رجال عظماء مأمونون، اشتُهروا بالسيرة الحميدة العَطِرة والتفكير السديد والالتزام بأوامر الشرع.
و- تحمل بذور تجديد شبابها؛ فهي ليست بحاجة إلى ثورات من الداخل ولا تدخُّلات من الخارج.
10. «منبر الداعيات»: كيف لشباب اليوم أن يعتزّ بانتمائه لحضارة الأمة وتاريخها، في ظل محاولات التشويه التي يتعرّض لها الإسلام منذ قرون؟
التشويه المتعمّد لهذا الدين هو حيلة العاجز، فالقِسّيسون والرهبان خافوا من امتداد دين الإسلام العظيم إلى بلدانهم وشعوبهم، فقاموا بجريمة تشويهه عن قصد وعمد، يساعدهم في ذلك المستشرقون، والساسة الغربيون، وأذناب من أمتنا باعوا بدينهم دنياهم.
فعلى الشباب أن يفهموا ذلك ويعوه، ويعلموا أنّ دينهم كامل عظيم لأنه من عند الله تعالى، ولا قِبَل لأحد بطمس معالمه ولا تشويه أُسسه ومسيرته، وعليهم أن يفهموا دينهم فَهماً جيداً حتى يعرفوا أنّ كل التشويهات هدفها سياسي وديني.
11. «منبر الداعيات»: ما المطلوب من جيل الشباب اليوم حتى يكون على قدر المسؤولية والتحديات؟
المطلوب من الشباب:
أ- الالتزام الجيد القوي بهذا الدين العظيم.
ب- تعظيم عقيدة الولاء والبراء في نفوسهم.
ج- حُسن الصلة بالله تعالى في كل شؤونهم.
د- فَهم الإسلام فَهماً جيداً حتى لا يَضِلوا أو يَزِلّوا أو يَغْلُوا.
هـ- دعوة غير المسلمين لهذا الدين العظيم.
و- تذكير المسلمين بالالتزام بدينهم العظيم.
ز- وضع الأهداف العظيمة التي تساعد على نهضة الأمة من كبوتها.
ح- الابتعاد عن أسباب الميوعة والتخنّث والتكسر.
ط- الاقتداء بأسلافهم العِظام وقادة الأمة الكِرام وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ي- اجتهادهم في عملهم وتخصُّصهم حتى يفيدوا الأمة.
12. «منبر الداعيات»: ما الأساليب التي ينبغي للجماعات الإسلامية أن تعتمدها لإعادة ثقة هذا الجيل بتعاليم دينه، وللعودة به إلى جادّة الإسلام؟
الأساليب باختصار هي:
أ- التربية الجادة القوية.
ب- التثقيف الجيد.
ج- الاعتزاز بهذا الدين وتوثيق الصلة بمراجعه وعظمائه.
د- تقوية الحس الدعوي في نفوس أتباعهم.
هـ- تقوية عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
و- تقوية الصلة بالله تعالى عموماً، فهي سبيل كل نجاح، والله أعلم.
***
في الختام، نثمِّن ما أفادنا به د. محمد موسى الشريف في هذا الحوار، ونسأل الله تعالى أن يمكِّن شباب هذا الجيل من استعادة التاريخ المضيء المشرِّف لهذه الأمة. اللهم آمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن