فرد في جماعة 3
الاندماج في المجتمع، والمشاركة في أنشطته، يَصقل شخصية الفرد، ويُثري فكره، ويعطي لتجربته عمقها وغناها.
والمقصود بالمجتمع هنا: المحيط العام، ما يعني فتح المجال أمام الفرد ليكون جزءًا من المجتمع: ينسج علاقاته مع مؤسساته، يعيش همومه، يهتم بقضاياه ويتفاعل معها، وبالتالي لا يقتصر جهده على أنشطة الجماعة التي ينتمي إليها، وإن أعطاها الأولوية.
ثـمة مخاوف لدى أي جماعة قد تَحول دون انخراطها في عملية الإدماج هذه، منها: التلويث الفكري، التشويش، تشتيت وبعثرة الجهود التي ينبغي أن تصب في خانة الجماعة لتُسهم في دعمها وتقويتها... قد تكون لهذه المخاوف مبرراتها ووجاهتها، ولكن بدل الاستسلام لها والبناء عليها.. علينا إيجاد آليات، واتخاذ إجراءات لتفاديها.
أما الإجراء الأهم فهو التحصين الداخلي؛ تمامًا كما الأسرة تحصّن أبناءها بالتربية والتوجيه والتوعية والرعاية والدعم والإشباع العاطفي, وتضعهم على السكة الصحيحة ثم تفتح أمامهم الفرصة لتكون لكلٍ منهم تجربته الذاتية وطريقته في مواجهة المشكلات وابتكار الحلول لها.
طبعًا السنوات الأخيرة شهدت انفتاحًا جيدًا في الساحة الإسلامية، ولكنه غالبًا بقي مقتصرًا على المسؤولين وممثلي الجماعات الإسلامية، ولم ينسحب على سائر الأفراد بالشكل المطلوب.. نريد علاقات أخوّة وثيقة بين الجماعات الإسلامية خارج إطار الرسميات.. فضلًا عن الانفتاح على سائر المكوّنات الاجتماعية، والبحث عن المشترك معها.. فالمجتمع الأرحب ميدانٌ؛ يفوز فيه من يُحسن التعريف بنفسه ويحقق الاستفادة من الفرص المتاحة، ويُثبت جدارته.
وعليه؛ فمن حق الفرد على جماعته أن تحصّنه داخليًا ثم تترك له حرية الحركة في المجتمع، دونما حاجة إلى توجيه مباشر ودائم من القيادة.. فلا يعيش على هامش المجتمع، منعزلًا عنه، متقوقعًا داخل تنظيمه فقط. ولن يكون ذلك إلّا بجعل (الإدماج) أساسًا هامًا ضمن سياساتها مع ما يتطلبه من وضع الخطط واتخاذ التدابير اللازمة؛ الأمر الذي سيفتح الكثير من الفرص أمام الفرد وسينعكس إيجابيًا على الجماعة:
- فرصة اكتشاف الفرد ذاته والتعبير عنها بمَعزلٍ عن أية مؤثرات.
- التعبير عن الجماعة التي ينتمي إليها أمام شرائح مختلفة، بعضُها على النقيض تمامًا من اتجاهاته وقناعاته.
- رَفد جماعته بالجديد من الأفكار التي يطّلع عليها خارج الإطار الذي يعيش فيه، وبهذا تتلاقح الأفكار وتنتج تطوّرًا ومواكَبة.
- اكتساب خبرات جديدة لعله لا يجد مثلها ضمن جماعته.
- القدرة على الاختيار: اختيار الأشخاص والمواقف والمناشط... دونما تكليف أو توجيه أو قَوْلبة سلوك..
- ستكون لديه الفرصة لاختبار قناعاته: ما يُثبّته منها وما يعيد النظر فيه..
- اكتساب عقلية منفتحة وشخصية مَرِنة نتيجة المخالطة والدُّربة على التعامل مع شخصيات من أنماط مختلفة وبيئات مغايرة، مع قدرة الحفاظ على الثوابت.
- تكوين شبكة علاقات واسعة تجعله على صلة وثيقة بالمجتمع: تعزيز العلاقات في الساحة الإسلامية ابتداءً، والانفتاح على الآخر المختلف عنا كليًا سواء المسلم غير المتدين أو غير المسلم، حتى يتعرف علينا، ويكوّن الانطباع الحقيقي، بعيدًا عما تروِّج له وسائل الإعلام.
- تحقيق مصالح مشتركة على الصعيد الفردي والجماعي والمؤسساتي.
سياسة الإدماج الاجتماعي ضرورة وحتمية شئنا أم أبينا.. إن لم تعمد إليها كل جماعة، سيقوم الفرد بالمهمة من تلقاء نفسه، فنمط الحياة المعاصرة، وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي على تفاصيل الحياة، يجعل منها أمرًا لا بد منه، فلتكن وفق عمل مدروس مخطط له، حتى لا تتم بعشوائية تحرمنا نتائجها المرجوة.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة