باحث أكاديمي | فلسطين
الشيخ أحمد ياسين يستشهد من جديد!
مرّت في شهر آذار المنصرم الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، محمّلة بالدلالات المضاعفة، فإذا كان الحدث غضًّا طريًّا وكأنه وقع بالأمس؛ فإنه يتضاعف بالدلالات في كل عام، متجددًا في ذاته، وكأن الشيخ أحمد ياسين لا يزال يُستشهد مرةً بعد أخرى.
وقد نصّ القرآن على المعنى الأهم لحياة الشهداء في قوله تعالى: "وَلَا تحسبنَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، وشرحه النبي [؛ إذ قال: "إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل.."، وهو المعنى الذي لا يمكننا أن نقطع به لأحد من البشر، وإن كنا نرجوه لمثل الشيخ أحمد ياسين. بَيْدَ أنَّ جانبًا آخر تتضمّنه حياة الشهداء حاصل للشيخ أحمد، وفيه بعض من أمنية الشهداء المخلّدين في الجنّة.
تبدو حياة الشيخ أحمد ياسين مستمرة في آلاف المقاتلين والشهداء والأسرى، وفي الإضافة الضخمة التي قدَّمها للقضية الفلسطينية، كما هي مشروع تحرري للفلسطينيين، وقضية مركزية للعرب والمسلمين، ومحور هام تدور عليه دعوة الإسلاميين في العالم كله، فكان انخراط الحركة الإسلامية الفلسطينية في المقاومة الفلسطينية المساهمةَ الأهم لوقف الانحدار الذي بدأته القيادة المتنفِّذة لمنظمة التحرير، وهو الانحدار الذي اتضح تمامًا باتفاق أوسلو وتداعياته، تمامًا كما تكرَّست مساهمة الحركة الإسلامية مع هذا الاتفاق، إذ ظلت العامل الأهم في مواجهة مسيرة الانحدار، بما مثَّلته من بنية أساسية للمقاومة الفلسطينية، وندًّا قويًا لقيادة مشروع التسوية، ومعادلاً صعبًا في الموضوع الفلسطيني.
وفي المقابل؛ أدخلت هذه المساهمةُ الحركةَ الإسلامية الفلسطينية في التاريخ؛ بعدما وقفت على هامشه فترة طويلة من الزمن. ولولا النهوض بهذا الواجب لظلت الحركة الإسلامية خارج الفعل والتأثير إلى ساعتنا هذه، بينما هي اليوم في طليعة الشعب الفلسطيني موقفًا وجهادًا ومدافعة على القرار الفلسطيني، تحوز معجزة أبدعتها من العدم في قطاع غزة.
وقد كان الشيخ أحمد ياسين من أهم صانعي هذه المساهمة؛ التي وقفت في وجه انحدار الحركة الوطنية الفلسطينية، ونقلت الحركة الإسلامية ببعديها الفلسطيني والعالمي نقلة هائلة إلى الأمام. وطالما أنَّ أثره هذا ظل متجددًا وحاضرًا بقوّة؛ فإنّ وجهًا من أوجه حياته ظل قائمًا، وكأنّ فيه شيئًا من أماني الشهداء التي جاءت في الحديث: "فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟! ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا؛ قالوا: يا ربّ نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.." وكأنّ أثر شهادة الشيخ أحمد ياسين المتجدد؛ شهادة متجددة في ذاتها.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة