الإنسانية أولاً
الإنسان في نظر الإسلام مخلوق متميز مكرم، ميزه الله، وكرمه، وفضله على كثير من خلقه، ومن مظاهر هذا التكريم استخلافه في الأرض، قال تعالى:(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
ومن مظاهر هذا التكريم أن الله سبحانه وتعالى نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته إكراماً له، قال تعالى:(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).
وهذه النفخة ليست خاصة بآدم أبي البشر، فإن بنيه ونسله قد نالهم حظ منها.
ومن مظاهر هذا التكريم الإلهي للإنسان أنه سخَّر له ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم، قال تعالى:(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أنه فتح له باب التقرب إليه أنَّى شاء، ومتى شاء، قال تعالى:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وليس هذا لخاصة الأولياء والصالحين دون العصاة المذنبين.
ومن تكريم الإسلام للإنسان أنه لفتَهُ إلى جمال الكون بأرضه وسمائه، ونباته وحيوانه، وما زانه الله به من الحسن والبهجة ليشبع حاسة الجمالية في نفسه، وليشعره في أعماقه بعظمة ربه، الذي أحسن كل شيء خلقه، وذلك رعاية لجانب الوجدان والعاطفة فيه، لقد اعترف به، بكيانه كله، جسماً ونفساً وعقلاً وعاطفة.
ولقد قدَّس الإسلام حقوقه كلها:
حق الحياة؛ حماه بالتربية والتوجيه وبالتشريع والقضاء، وبكل المؤيدات النفســيــــة والـــفـــكـــريـــــــــة والاجتماعية، وعدَّ الحياة هبة من الله تعالى لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يسلبها منه، فالإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.
وقد أنكر الإسلام على أهل الجاهلية قتلهم أولادهم سفهاً بغير علم، قال تعالى:(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ).
ولم يفرق الإسلام في حق الحياة بين أبيض وأسود، ولا بين شريف ومشروف، ولا بين حر وعبد، ولا بين رجل وامرأة، ولا وبين كبير وصغير.
وأما حق الكرامة وحماية العِرْض: فقد أكَّد الإسلام حرمة العِرْض والكرامة للإنسان مع حرمة الدماء والأموال، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن ذلك في حجة الوداع أمام الجموع المحتشدة في البلد الحرام والشهر الحرام، واليوم الحرام فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله حرم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم». متفق عليه.
كما حرَّم الإسلام الإيذاء الأدبي للإنسان، حرَّم الهمز، وحرم اللمز والتنابز بالألقاب، والسخرية، والغيبة، وسوء الظن بالناس.
وأما حق الكفاية التامة فمن حق كل إنسان أن تُهيأ له كفايته التامة من العيش، حيث تتوافر له الحاجات الأساسية للمعيشة، من مأكل، وملبس، ومسكن، وعلاج،، قال تعالى: (وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
من ثمرات الإنسانية في الإسلام مبدأ الإخاء البشري الذي نادى به الإسلام، وأساس هذا المبدأ أن البشر جميعاً أبناء رجل واحد وامرأة واحدة، ضمتهم هذه البنوة الواحدة المشتركة، والرحم الواصلة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، جاءه إلى المدينة جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة يعلن إسلامه، فرحب به عمر أشد الترحيب، وفي أثناء طواف هذا الملك حول الكعبة داس بدوي طرف إزار الملك الغساني، فغضب الملك والتفت إلى هذا البدوي فضربه فهشم أنفه، فما كان من هذا البدوي من فزاره إلا أن توجَّه إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فاستدعى عمر رضي الله عنه الملك الغساني إلى مجلسه، وأُجريَ بينهما حوار صيغ على الشكل التالي:
قال عمر: جاءني هذا الصباح مشهد يبعث في النفس المرارة، بدوي من فزارة بدماء تتظلم، بجراح تتكلم، مقلة غارت، وأنف قد تهشم، وسألناه فألقى فادح الوزر عليك بيديك، أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال جبلة: لست ممن ينكر، أو يكتم شيئاً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر: أي حق يا بن أيهم، عند غيري يقهر المستضعف العافي ويظلم، عند غيري جبهة بالإثم بالباطل تلطم، نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية، قد دفنَّاها، وأقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
أرضِ الفتى، لابدَّ من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشِّمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك.
قال جبلة: كيف ذاك يا أمير المؤمنين هو سوقة، وأنا صاحب تاج، كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاً، كان وهماً ما مشى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
قال عمر: "عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى".
أما جبلة فلم يستوعب هذا المعنى الكبير في الإسلام، وفرَّ من المدينة هارباً مرتداً، ولم يبالِ عمر ولا الصحابة معه بهذه النتيجة، لأن ارتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق مبدأ عظيم من مبادئه، وخسارة فرد لا تقاس بخسارة مبدأ.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
نعم سيدى ... قد تعلمنا منك الكثير والكثير عن أخلاق ديننا وما ينبغى أن يكون ولكن أين نحن الآن ، مباديء عالية إيه ال بنتحدث عنها الآن والمسلمون والمؤمنون فى سلة واحد يلتهمهم الإعصار فى كل مكان ، الله - عزوجل لم يفرق بين المسلم والمؤمن الآن ، الكل فى كابوس إلا مارحم ربى ، الكل تحت المطرقة ، هذا الكلام مطلوب ومطلوب جداً عندما تكون الأمة بلعافية فنطبق جمال ديننا ، أما الآن فالكل حيران فنحن فى فتنة عظيمة حتى المسلمون الذين ليس فى بلادهم حروب 'الكل حيران ' فهل نطبق ما ينبغى أن يكون أم نطبق ما سُمحت به لنما الحياة فى الوقت الراهن من القليل من الإيمان .