كاتب في القضايا الفكرية، محاضر ومقدّم دورات في التربية، له مؤلفات ومقالات منشورة.
https://www.facebook.com/tahayassen1980
لا يعود الثوب المدنّس جميلًا وباهيًا إلا إذا طُهًر وغُسّل ، وكذا الثوب العربي الجذّاب كان آخر مرة يخوض في أوحال الجاهلية ، متسخاً قبيحاً ، تزدريه العيون وتتقاذفه الألفاظ ، إلا أن ماء الإسلام الحنيف تداركه فطهّره وجمّله وعطّره ، حتى قاد أصحابه العالمَ ثلاثة قرون ونيّف لا يقف في وجههم واقف ولا يقعد لهم قاعد ولا تلين لهم قناة، فأتتهم الدنيا راغمة، وعلم أهل العروبة أن زينتهم وعزتهم في ذلك الماء الطاهر الرقراق ، وأن معين هذا الماء ليس بالصنم الذي تدور حوله الأصنام، ولا أن يمجّد الأخ الأكبر فيرث دون غيره ولا أن توأد الصغيرة إتقاء العار ، بل معينه موالاة المؤمنين والتبرء من الكافرين ، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك .
ثم يعود الثوب النَّضر ليُغمس في أوحال التناحر والتحاسد والتنازع ، من مثل ما يُرى اليوم ، فتتداعى على أهله جحافل الشرك والبغي ، ويسوّد لونه سوادًا كما وأنه لم يسود بحياته.
تعرّي حلب اليوم أصحابَ الدول الكبرى التي ما فتأت تندد وتتصنع الألم، وتعلك كلمات العزاء للشعب السوري ، وبدل أن تُملأ كروش الأميركان والروس تحت الطاولة ، تنقل المائدة بطعامها وشرابها إلى فوق الطاولة ، في إعلان عن أنياب الذئاب ، وفي إعلان أيضا عن ذلّ الحُملان ووداعتها ، توزع كؤوس الشراب بين دولتين تغوصان في الدم السوري حتى الوريد.
فتعرّي حلب اليوم غيرة أبناء العموم المزيفة، والحماس الكاذب لنصرة الإسلام والمسلمين ، وذلك للصمت المذل والتغافل المهين أمام حمامات الدم الذي يسيل بحق العزّل من الأطفال والنساء .
تحت قذارة هذا الثوب تدّك مدينة من أعظم مدن العالم فتمسح الصواريخ الإرتجاجية أناسها وحضارتها وتراثها...
وفي خجلٍ تشرق شمس كل يوم على بربرية ما عرفها التاريخ من إعداء الإنسانية على قرابة خمسين جثة ممزقة وأشلاء تجمع في الأكياس السود، ولو تكلمت الشمس لأذاب بكائها حجارة الأرض على وحشية الإنسان وحقارته من أجل عروش الأرض الزائلة...
يُفعل كل هذا والعرب هجّع رقّد تدغدغ أجفانهم الشهوات والأماني ، فتموت فيهم النخوة التي كانت مضرب المثل في أجدادهم ، فلا يحركون ساكن ، وبل ويقول جلّهم وهو غائص إلى عنقه في المهانة : نفسي نفسي ..
وما ذاك إلا لأنهم عبدوا الدنيا فاستعبدتهم ، وقال فيهم الشاعر العربي :
ومن يهن يسهل الهوان عليه...... ما لجرح بميت إيلام
وينطفئ في كيانهم الكرم الذي قال فيه حاتمهم :
وقائلة أهلكت بالـجـود مـالـنـاونفسك حتى ضربت نفسك جودها
فقلت دعيني إنما تـلـك عـادتـيلكل كريم عـادة يسـتـعـيدهـا
وإن ماتت حاسّة الجود التي كانت في أجدادهم ، فلتحيا حاسة النخوة العربية..
ألم يقل قوميوكم أيها العرب : إن الدين لله وإن الوطن للجميع، فأين السوري من طبول قوميتكم..
حلب اليوم تبصم بعشرتها على الوجوه السمراء المذلّة بأنها ستشهد على مر التاريخ أن أخوتها وأبناء عمومتها تخلّوا عنها وانطووا على متعهم وملذاتهم ، وتُركت لوحدها نهباً وعربدةً للغادرين الخونة.
تشهد أنها تستشفع بشهدائها وضحاياها فلا يرد عليها معتصموا اليوم الأنذال .
تزيل حلب اليوم بدمائها الزكية ، بالأنفاس الأخيرة التي تلفظها أجساد الأطفال الطرية ما بقي من قناع المنافقين ، لتبصق في وجوههم ، ولتذكرهم بأن الحرب سجال والأيام دُول..
وأن اللعنات قد تتأخر ولكنها ستنزل شقاءً وناراً على صانعي الموت لتذيقهم الموت مرات عدة ، وأن أرقام الموتى ليست لعبة أو تسلية أو متاجرة ، ولَهدم الكعبة حجراً حجرًا أهون من قتل مسلم.
وأن من سخط الله تعالى أن أولئك المجرمون لا يتعلمون من الدرس السابق...
يلتاث الثوب العربي الأبيض في وحولة الذل والهوان ما لم يلتاثه في زمن من الأزمان ، ومثلما أغاثه الإسلام فغسله وطهرّه بإخلاص أهله ؛ ينتظر من الأهل أن يخلصوا مع أنفسهم ومع أخوتهم ومع خالقهم حتى يرد كيد الكائد في نحره .. ينتظر موقفا موحدًا تهيب به الغيرة العربية والأخوة الإسلامية لنصرة الشعب المظلوم في حلب .
ينتظر أن يدرك ملوك الأرض أن الحراس لا يحمونهم ، بل من يحميهم مناصرة الحق والصمود في وجه الباطل..
اغسلوا ثيابكم بماء الإسلام
وثلج المناصرة
وبَرَد الحق...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
كاتب في القضايا الفكرية، محاضر ومقدّم دورات في التربية، له مؤلفات ومقالات منشورة.
https://www.facebook.com/tahayassen1980
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة