ليس للأكفان جيوب
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
1962 مشاهدة
أمّتنا الإسلامية تقاسي اليوم حالةً اجتماعية إنسانية، فقد تجافت الأرحام بعضها عن بعض، وشغاف القلب تضرم لِمَا آلت إليه حالنا! فانظر أُخَيَّ في عُباب سمائها لترى الغيوم تكدَّرت وتجهَّمت، ورعدت وبرقت، وانهمرت دموعاً من مآقي أطفالها ونسائها الثَّكالى حسرةً وكمداً وحزناً وألماً.
دماء تسيل!! وأمعاء خاوية تضرب أوتارها؛ فتخرج مقطوعة من ألحان الحزن يغزو تراب الأرض، وقلَّما يخترق أصداؤه قلوب المسلمين... فضلاً عن قلوب البشرية.
وعين التاريخ تفتح حدقتها لتنقل لنا مشهد معلِّم الناس الإنسانية وهو يتلو بصوت يخترق القلوب المؤمنة المخبتة إلى ربها قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوَّقون ما بخِلوا به يوم القيامة}. فتخشى العقوبة وتسارع في الإنفاق في سبيل الله.
بينما تغفل اليوم جيوب مَن رأى وسمع، فأغلق على فضل الله الذي أنزله عليه بمفاتيح الشُّحَّّ والبخل، وأحكم الخِناق على ماله ظنّاً منه أنَّ ذلك خيرٌ له...
فما كان لهذه الآيات وقع في قلوبهم فازدادوا إثماً على إثمهم، وغيّاً على غيِّهم...
نسوا أنهم دخلوا هذه الدنيا صفر اليدين، وأنَّ كلَّ ما جمعوه من مال وثراء إنما هو من فضل الله، وجهلوا أن قمَّة الأخذ تكمُن في العطاء؛ فانقلبت حياتهم غمّاً بغمٍّ خشية القلَّة، وخوفاً من الفَقد، وحرصاً على الكنز.
أولئك الذين تناسوا أنَّ الأكفان لن تفتح لهم جيوبها... فسينتهي بكل واحدٍ منهم الأمر بما يختم به القبر فوق رأس صاحبه من صخرة تحيل النور إلى الظلام؛ لتبدأ رحلة الحساب هناك...{هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
إنَّ أوضاعنا الاجتماعية تعكس حقيقة ما تكنزه وما تحمله النفوس، وقد نَسِيَت أن الحقيقة هناك {سيُطوَّقون ما بخلوا به}، وما تحمله من شحٍّ وبخلٍ يظهر في ترجمة سلوكه، فيُورث الرفاهية لخلَفِهِ، ويحصد طوقاً يَلُف بشحِّه، فلا هو استمتع به في دنياه، ولا بآخرته نال رضا مولاه.
إنَّ قيمة العقيدة تكون بصدق انعكاسها في صورة حياة الإنسان، وبطريقة تصرفه بما أكسبه الله من مهارات وقدرات وأموال، وفي كيفية تطويعها في حياته، وبأي موضع يضعها، وفي أي سبيل ينفقها. فما أكثر ما يصنع هذا المال؟ إمَّا الغواية لصاحبه ،أو الانشغال به إلَّا إنْ ترفَّع عنه وجعله في يديه، وسعى فيه لخير أمر الله به، أو لدفع بلاء عمَّن أحوجته قسوة الحياة إلى فضل الله الذي آتاه... ولهذا كان النبي (ص) أجود الناس بالخير، فكانت حياته قمَّة التوازن الإنساني البشري، فارتقت بطبيعتها، وسَمَت بقانون العطاء؛ لأنها دنيا تسير إلى فناء...
وكل ذي لبٍّ حريص على إعتاق رقبته فليبدأ بروحه وقلبه، وليعفَّها من تعلُّقها بزخرف الحياة الدنيا..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن