داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
وضع الدكتور الفاضل عبد الكريم بكّار احتمالين حول اقتتال الصحابة، هما:
الأول: أنَّهم كانوا يعلمون أنَّ هناك نظاماً سياسياً، لكنَّهم تقاتلوا اتباعاً للهوى. وهو ينفي هذا الاحتمال.
الثاني: أنَّهم لم يعثروا على نظام سياسي، فكان القتال حول الاجتهادات المختلفة، وهذا الاحتمال يرجِّحه الدكتور البكار، وأنا أنفيه.
وأرجِّح أنَّ الصحابة كانوا يعلمون تمام العلم بالنظام السياسي الذي فقهوه من القرآن الكريم ومن سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنَّهم تقاتلوا لأسباب أخرى ليس منها اتباع الهوى وشهوة الحكم، وليس منها عدم عثورهم على نظام سياسي متبلور بالقدر الكافي، وإنما تقاتلوا لأسباب متعدِّدة، منها:
1- إسقاط أكبر دولتين في ذلك التاريخ؛ وهما دولتي الفرس والروم، ودخولهما تحت قيادة الدولة الإسلامية، واستبطان بعض المتنفِّذين من رعايا الدولتين العداءَ للإسلام والترصُّد لقيادته، وخير مثال على ذلك استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة المجوسي في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما يدلُّ على مؤامرة فارسية؛ طرفاها: أبو لؤلؤة المجوسي من جهة، وفرسٌ مُعادون للدَّولة الإسلامية من جهة أخرى.
2- دخول كتلة بشرية ضخمة من دولتي فارس والروم في الإسلام، ومن المرجَّح أنَّ هذه الكتلة انقسمت إلى ثلاثة أقسام:
• قسم صفا وعيُه، وخَلُص إسلامُه.
• قسم أظهر الإسلام واستبطن الكفر؛ كأبي لؤلؤة المجوسي.
• قسم دخل في الإسلام؛ لكنَّه نقل كثيراً من موروثاته السابقة إلى الإسلام الذي دخل فيه. وهذا جعل هذه الكتلة البشرية الضخمة مجالاً لأيّ شبهات تُطرح.
فقد لعب طرفان في تأجيج فتنة عثمان رضي الله عنه، الخوارج من جهة، وعبد الله بن سبأ من جهة أخرى. الخوارج بعقليَّتهم البدويَّة التي تقف عند ظواهر الأمور، وعبد الله بن سبأ الذي حرَّك هذه الكتلة البشرية الضخمة التي دخلت الإسلام دون وعي تفصيلي بالإسلام، ودون تشرُّب كامل له.
3- من الراجح أنَّ موقعة الجمل حدثت عندما هاجم الخوارج معسكَرَيْ علي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهما، فظنَّ كل طرف أن الطرف الآخر هو الذي هاجمه، بعد أن وصلا إلى صلح واتفاق، وهذا يؤكِّد أنَّ القضية بينهما لم تكن خلافاً على نظام سياسي؛ بدليل وصولهما إلى اتفاق.
4- لقد كانت حروب الرِّدة من أخطر الأحداث على وجود الدولة الإسلامية، ومع ذلك فقد استطاعت قيادة المدينة الانتصار فيها خلال فترة بسيطة، ولم تحدث فيها هزَّات ولا فتن ولا اقتتال بين الصحابة، والسبب في ذلك وجود كتلتين فقط، هما: دولة المدينة من جهة، والمرتدُّون من جهة ثانية. وهذا يؤكِّد أن الكتلة البشرية الجديدة هي التي كانت السبب في الاقتتال الذي حدث بين الصحابة في عهد عثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم.
5- أرجِّح أن تفصيلات النظام السياسي وآليَّاته كانت واضحةً في عقول وأذهان الصحابة رضي الله عنهم، ويُدلِّل على ذلك أنَّهم حَلُّوا كلَّ المشاكل التي واجهتهم بنجاح كبير منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ابتداءً من انتخاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، مروراً بحروب الرِّدة، ثم القيام بالفتوحات، ثم تنظيم شأن الغنائم، ثم إنشاء الدَّواوين، ثم عقد المعاهدات مع المُدن المفتوحة، ثم إنشاء التاريخ الهجري الخاص بهذه الأمّة، ثم التشاور بخصوص سواد العراق... إلخ
6- لقد كان النظام السياسي واضحاً ومفصَّلاً في عقول الصحابة رضي الله عنهم، لكنه لم يكن مكتوباً، كما حصل بالنسبة للغة العربية والفِقه.
فقد كان العرب يتكلَّمون اللغة العربية بفصاحة وسليقة، ثم ابتكروا علوم النَّحو والصَّرف والبلاغة والمعاجم إلخ...
وكذلك بخصوص الفِقه فقد كان الصحابة يُفْتون، وكانوا يضعون في اعتبارهم: الناسخ والمنسوخ، والقطعي والظني، والآحاد، والعموم والخصوص إلخ...
ثم جاءت الحاجة إلى التدوين، فأبدعوا كلَّ هذه العلوم في مجال الحديث وعلوم القرآن وأصول الفقه، ومقاصد الشريعة إلخ...
7- ونحن الآن ليس علينا إلَّا أنْ نعود إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أفعال الصحابة وإلى وقائع التاريخ الراشدي، ويمكن أن نستنبط كل معالم النظام السياسي وتفصيلاته. لكن هذا لا يمنع أن نستفيد من التجارب المعاصرة وغيرها، وهذا ما فعله الخلفاء الراشدون والأُمَّة من بعدهم، لقد استفادوا من جميع الأنظمة الموجودة لدى الفرس والروم في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية بعد تطويعها لصالح النظام الإسلامي.
8- لقد جاء استمرار الدولة الإسلامية أكبر نجاح للنظام السياسي الإسلامي الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرساه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، مع أن هذه الدولة تعرَّضت لهزَّات عنيفة بقصد استئصالها واقتلاعها من قبل المرتدِّين من جهة، ومن قبل فلول الدَّولتين: الفارسيَّة والرُّوميَّة من جهة ثانية.
لذلك يمكن أن نعتبر أن فتنة عثمان رضي الله عنهكانت بقصد استئصال الدولة الإسلامية، وكان اقتتال الصحابة في هذه المرحلة هو بقصد الوصول إلى تثبيت هذه الدولة، وهو ما نجح فيه معاوية رضي الله عنه في النهاية عندما أرسى الدولة الإسلامية وأبعد عنها ما يزعزعها، ولم يكن اقتتالهم نتيجة غياب تفصيلات في النظام السياسي أو أهواء تحركهم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة