الإرهاب السياسي
هناك فرق كبير بين الممارسات الخاطئة التي يرتكبها أناس يجهلون أو يتجاهلون حقيقة الإسلام، أو التي يرتكبها أعداء الإسلام؛ ثم ينسبونها ظلماً وعدواناً إلى المسلمين، ليعطوا صورةً مشوَّهةً عن الإسلام الذي هو بريء من كل هذا...
هناك فرق كبير، وبون شاسع، بين هذه الممارسات الخاطئة، وبين حقيقة الإسلام الناصعة، التي تليق بدِينٍ سماويٍّ، جاء ليخرج الناس من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحُول الشهوات إلى جنّات القُربات.
وكلَّما ارتقى الإنسان في سُلَّم العلم، استطاع أن يفرِّق بين أصل المبدأ وبين ما أُلصق به من أفكار بعيدةٍ عن جوهره بُعد الأرض عن السماء، وقد ورد أنَّ النبي [ قال: «تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ» أَخرجه مالك.
فالله هو المشرِّع، والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن، وكل إنسان يؤخذ منه ويُرَدُّ عليه، إلا صاحب القُبَّة الخضراء، ويُقصد به النبي (صلى الله عليه وسلم )، وقد أُلصق بالإسلام على مرِّ العصور والحِقب ما ليس منه.
والإرهاب لم يرد في الكتاب والسُّنة إلَّا بمعنى: إحداث أثرٍ نفسيٍّ من شأنه أن يَردَعَ صاحبه عن المعصية والعدوان.
وكلُّ الممارسات الخاطئة، التي تلصق بالإسلام ظلماً وعدواناً، ليس لها أصل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، اللذَين هما الأصلان الكبيران اللذان تُستقى منهما كل المناهج والأحكام.
جاء في المعجم: رَهِبَ يرهَب رهَبَاً ورَهْبَةً: خَافَ، فهو راهِب. وأرهبه: أخافه وأفزعه، وجعله يرهب جانبه.
والإرهابيون: مصطلح حديث، وهو وصف يُطلق على الذين يسلكون سُبل العنف والتخويف؛ لتحقيق أهدافهم السياسية.
• الإرهاب من خلال الكتاب والسُّنة:
وأمَّا الإرهاب من خلال الكتاب والسُّنة، فلم يرد إلا بمعنى الخوف، أو إحداث أثر نفسي مثبط، يمنع العدوان والظلم، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ).
وورد في صحيح البخاري أنَّ رسولَ الله (ص) قال: «يَا فُلَانُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ».
****
ومع الإقرار بأن الأهداف النبيلة لا بدَّ لها من وسائل نبيلة؛ فإنَّ الوسائل تأخذ حكم غاياتها، وهذا ما أكَّده العالم الأصولي الإمام الشاطبي في كتابه «الموافقات»: "العبرة في اتخاذ الوسائل الناجعة والملائمة في التدبير السياسي هي نتائجها ومآلاتها".
فمن الأهداف المشروعة النبيلة: دفع العدوان وإزالة آثاره، استنقاذ الحق المستلب، تحقيق العزة والسيادة التي ثُلمت، استرداد ما اغتصبه العدو قهراً وظلماً وعنوةً.
إذ يأبى الإسلام أن يقرَّ ظلماً، أو أن يستمرئ عدواناً، قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ).
فالإسلام لا يُقرُّ ظلماً ولا بغياً ولا عدواناً مطلقاً، سواء أَنزل بساحته أم على أمته، أم أصاب غيره من الدول والأمم والشعوب؛ لأنَّ العدل في الإسلام لا يتجزأ، ولأنَّ الظُلم والبغي مُحرَّم لذاته، وحيثما كان موقعه، وهذا مبدأ إنسانيٌّ حضاريٌّ.
كما أنَّ الصالح العام لأمَّة يعني حقَّها في الاستقلال والسيادة على أرضها، والتصرف السياسي الحرّ في تدبير أمرها داخلياً وخارجياً بما يحفظ كيانها، ويحقِّق مصالحها الأخرى المشروعة؛ دون أن يكون لأي أجنبي سلطان عليها، أو نفوذ يتسرَّب إلى قراراتها، أو تدخُّل في شؤونها.
لكن حينما احتُلت الأراضي ظلماً وعدواناً، وشُرِّدت الشعوب عن طريق القتل والتعذيب، وهُضمت الحقوق، ونُهِبت الثروات، وسكتت الدول الكبرى عن هذا الظلم والاغتصاب، بل واستعملت حقَّ النَّقض ضد أي قرار عادل ينصف الشعوب ويعيد لها حقها، هذا هو الإرهاب الدولي، و يُعدُّ تعبيراً عمليّاً واقعيّاً عن الحقد الدفين، والحرمان من الحق الإنساني المشروع بسبب اختلال موازين العدل في أعظم هيئة دولية عُرفت في تاريخ الإنسانية من جراء حقِّ النَّقض..الفيتو..
لذلك لم تجد الشعوب الضعيفة بُدّاً من أن تردَّ على الإرهاب الدولي والتعصب العنصري، والهيمنة المتغطرسة، وبسط النفوذ، والتوسع الاستيطاني على حساب الدول المجاورة، لم تجد هذه الشعوب المستضعفة حيال هذا الاستكبار الدولي بُدّاً من أن تردَّ على الإرهاب الدولي بإرهاب مثله.
الإرهاب متعدِّد الجنسية والدِّين والهوية والقضية، ولا يمكن أن يُلصق بالإسلام، ولا أن يُلصق الإسلام به، هو سلوك الضعيف المظلوم حينما يواجه خصمه القوي الظالم.. لقد ظهر الإرهاب بمفهومه الحديث في كل القارات والدول شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
وما لم نبحث عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا العنف السياسي _ وهو الظلم بشتى أنواعه وأقسامه، والتمييز العنصري بشتى صوره وأشكاله، والعدوان بشتى أساليبه وأطواره _ فلن يزول الإرهاب والعنف السياسي إلا بزوال أسبابه، فالحقيقة الصارخة: أن العنف لا يَلِد إلا العنف.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن