الصورة الحقيقية
الصورة الحقيقية
بقلم: منال المغربي
كم تختلف صورة الإنسان المسلم عن صورة أي إنسان آخر؟! تختلف بالشكل والمضمون وبالنظرة للحياة برمتها.
فنرى صورة الشاب المسلم المعتز بدينه، المعتصم بالكتاب والسنة، القائم بالمعروف والناهي عن المنكر، الخائف من الله عز وجل في سرِه وعلانيته المترفِع عن توافه الأمور معرضاً عنها "فلا يشغله عن إدراك مقصده شاغل، ولا يثنيه عن عزمه تكاثر الهموم والمشاغل" 1 لأنه يعرف أن "النفس إن لم يشغلها صاحبها بالخير شغلته بالشر"2 فنراه متخلقاً بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدياً به متمسكاً بسنته سائراً على نهجه، فقد قال تعالى في كتابه العزيز:﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة﴾.
ونرى أيضاً صورة الفتاة المسلمة التي تؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً مرسلاً وبالكتاب والسنة منهجاً، فنراها تخضع لأوامر خالقها وتطبق شرعه مقتدية بالرسول ملتمسة لهديه تسير على خطا سائر الصحابيات فهن لها القدوة الحسنة. والفتاة المسلمة حين تتحجّب تقوم بالامتثال لأمر الله تعالى كما تقوم بعبادة خالقها وتطبق أوامره "لأنها تعرف أنها ستقف بين يديه للحساب في يوم عصيب" وهي تدرك أن الحجاب ليس عادة درج عليها المجتمع بل هو لها شرف وكرامة وعزة يصونها من الأعين الخائنة.
فشتان بين هذه الصور النقية الصافية التي تعكس جوهر الإسلام وحقيقته وبين غيرها من الصور. فهذه هي صورة الشاب المسلم كما كانت مشرقة وكما هي اليوم، وكما ستكون غداً بإذن الله تعالى مترفّعة عن بعض ما نراه من صورﹴ لشباب وشابات مبتعدين عن كتاب الله وسنّة نبيِه صلى الله عليه وسلم فبعض شباب اليوم لاهﹴ عابث فارغ المضمون مغيِبﹴ لمعاني الإسلام عن روحه وحياته، لا يهمه في الحياة سوى نظرة الفتيات إليه، فنجد حرصه على الظهور بأفضل مظهر من تسريحة شعره الجذابة إلى ارتداء أحدث صرعات الموضة وأغلاها ثمناً لاصطياد الفتيات اللواتي يتساوى معهنّ في النظرة للحياة. فنراه فاقداً للقدوة الحسنة مبتلياً برفقاء السوء مبتعداً عن صحبة صالحة يطمئن إليها وعن أخوة له ناصحون يأخذونه بعيداً عن المهالك. فصدق قول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قومﹴ فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
ولا تسأل عن صورة الفتيات "الساعيات وراء الشعارات البرّاقة والدعايات المسمومة المضلِلة" يتسابقن لارتداء أحدث ما تنتجه دور الأزياء العالمية فتراهن "كاسيات عاريات" متعطرات متبرجات غافلات عن قول الله عز وجل لهن:﴿ولا تبرّجن تبرُج الجاهلية الأولى﴾ فيتساهلن بالحجاب ويعتبرنه مظهراً من مظاهر التخلف، أو يؤجلن وضعه إلى أجلﹴ غير مسمى. هؤلاء اللواتي خلعن ثوب الحياء ونزعن حجاب العزة فزالت عن وجوههنَ صبغة الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الحياء من الإيمان".
وقال الشاعر أبوم تمام:
فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء
وفي طلب العلم ترى الجميع ساعياً مجداً ملحّاً طالباً للنجاح ولكن شتان بين الغايات والأهداف التي يسعى إليها كل واحد منهم.
فالشاب المسلم بصفاته التي تحدثنا عنها يتعلم ليخدم دينه وليعلي رايته ليتقدم به مجاهداً خطوات وخطوات إلى الأمام فنراه صورة متحركة عن الإسلام في كل خطواته وأنفاسه وحركاته وسكناته عكس الشاب العادي الذي يتعلم ليخدم نفسه ومصالحه فيتقدم خطوات وخطوات ولكن... إلى الوراء مبتعداً عن روح الإسلام. والفتاة المسلمة المؤمنة والتي تحدثنا عنها أيضاً حين تتعلم "فهي تجدد عهدها مع الله تعالى بأنها لا تتعلم إلا من أجل تسليم مفاتيح قيادة البشرية الحائرة" فتتعلم وتشارك الشاب المسلم جهاده فتتعامل معه ويتعامل معها ضمن الحدود التي فرضها الله تعالى فتحاوره وتناقشه في هذا الجو المكشوف "الذي لا يخفي وراءه الفتنة، ولا تتخلله ضحكة فاجرة، ولا نظرة جاهرة، ولا حركة متخلعة ولا غمزة من طرف عين". 4
أما الفتاة التي تذهب إلى الجامعة، وقد تزينت... تقول أنها تريد التعلم!!
العلم يتطلب هذه الملابس؟ ويتطلب هذه الحركات؟ العلم يتطلب الضحكة المثيرة والغمزة المشحونة بالإغراء؟ العلم يتطلب الأظافر المصبوغة وأحمر الشفاه؟ العلم يتطلب الجلوس مع الطلبة في "البوفيه" فيما بين المحاضرات أو تزويغاً من المحاضرات؟ 5.
وكم نشعر بالأسف وبالغيرة على شبابنا وشاباتنا من أبناء الجامعات ونحن نراهم على الطرقات وفي الممرات وعلى المروج الخضراء وخلف السيارات، متستّرين بستار الانفتاح والاختلاط وبستار الحوارات والمناقشات خارج قاعات المحاضرات! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل حقاً يشغلون لقاءاتهم بأحاديث علمية وأدبية وبحواراتﹴ اجتماعيةﹴ وفكريةﹴ؟ هؤلاء المحتجبون بستار الحرية ويتهمون الآخرين بالتخلف والرجعية!!
لو يعرف هؤلاء الشباب والشابات أن مصطلحات الحرية والاختلاط هي مصطلحات وضعها رجالات الغرب ليضلّوهم بها وينشّئوا منهم جيلاً هشاً ضعيفاً سهل الانقياد، فخسروا وضلوا وأضلوا، وصدق الله تعالى في قوله:﴿قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً؟ الذين ضلَ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً﴾.
· هوامش:
1-2 ) "ميدان السباق" للدكتور أنس أحمد كرزون المقدمة، ص 5.
3) "عفاف" لأم حسن الحلو، ص 53.
4-5 ) "معركة التقاليد" لمحمد قطب، ص 144-108.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة