الحجُّ والعمرة في العقيدة
كتب بواسطة د. محمد عبد القادر عطوات
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1866 مشاهدة
• الحجُّ لغةً: القصد مطلقاً، وقيل: القصد إلى معظَّم.
• وشرعاً: قصد البيت الحرام للنُّسك، وبصورة أعم، هو النسك الذي هو النيَّة والطواف والسعي والوقوف بعرفة والحلق وترتيب معظم هذه الأركان، فهو نفس هذه الأركان مجتمعة.
والمعنى اللغوي أَعمُّ من الشرعي كما هو الغالب.
• والعمرة لغةً: الزيارة.
• وشرعاً: زيارة البيت الحرام للنسك، والفرق بينها وبين الحج أنَّ النسك فيه مشتمل على الوقوف بعرفة بخلافه فيها، حيث لا وقوف فيها.
والحجُّ من الشرائع القديمة خلافاً لمن أدَّعى أنه لم يجب إلا على هذه الأُمّة، وقيل: ما من نبيٍّ إلا وحجَّ إلى البيت الحرام. والمشهور أنه فُرِض على المسلمين في السنة السادسة من الهجرة، وقيل في الخامسة، وقيل غير ذلك.
ويجب الحج بأصل الشرع مرة واحدة، والرسول (ص) لم يحجّ بعد أن فُرض الحج إلا مرَّة واحدة هي حجَّة الوداع، وهو فرضُ عينٍ على المستطيع، لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً). وهذا هو دليل فرضيَّته، ومن السُّنَّة أيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجَّ، وصوم رمضان)). وقد انعقد الاجماع منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا على أن الحجَّ فريضة محكمة على كلِّ مستطيع، مرَّة واحدة في العمر، ومن دلائل فرضيتها قوله تعالى: (وأتموا الحجَّ والعمرة لله)، وما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: ((قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟)) قال: ((نعم عليهنَّ جهادٌ لاقتال فيه: الحجُّ والعمرة)).
ويشترط لوجوب الحج والعمرة الإسلام، والعقل، والبلوغ، ثم الاستطاعة في الزاد والراحلة والصحة والطريق المأمون... والدِّين لا يوجب على الإنسان الحج عن طريق الاستدانة، لقوله تعالى: (لا يُكلِّف الله نفساً إلا وُسعها)، ولا بدَّ أن تتوافر لديه نفقة حجّشة ونفقة عياله في بلده، بحيث يجدون ما يكفيهم طيلة ذهابه وحتى رجوعه، ويُشترط أن تكون هذه الأشياء فاضلة عن حوائجه الأصلية. ويجب أن يكون ماله هذا حلالاً خالصاً ليس فيه مال حرام كمال الرِّبا أو النَّصب والسرقة، ولن يكون هذا الحجُّ مقبولاً، والله سبحانه وتعالى طيِّب لا يقبل إلا طيِّباً.
وعلى المسلم أن يفتح صفحة جديدة للإخاء والصفاء مع الناس، ويترفَّع عن الأحقاد والأضغان ويتسامح ويتجرَّد من زينة الحياة والبطر والغرور، ويتحلَّى بالفضائل، ويتنزَّه عن الخلافات في الكلام والجدل، ويتطهَّر من كلّ أسباب التمرُّد والانحراف، وبذلك يتحلَّى بالتقوى التي تستحقّ رضا المولى وغفرانه، ويقول سبحانه وتعالى في هذا الشأن: 0الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنَّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزود فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولي الألباب).
وإذا أراد مسلم الحجَّولم يؤدِّ زكاته فعليه إخراج زكاته أولاً، أي قبل السفر...، ثم ينظر فإن بقي له مال يستطيع الحجَّ منه فعل، لأن الزكاة واجبة عند تحقيق شروطها، ومدَّتها محدَّدة.
أمَّا الإنسان المقتدر الذي يمتنع عن أداء فريضة الحج فهو معرَّض لسخط الله ومقته وخذلانه، وقد يُعَدُّ كافراً إن لم يعتقد بوجوبه، وعاصياً إذا كتن يعتقد به ولا يؤَدِّيه.
أما الحجُّ عن الغير فقد قال الفقهاء: إن المسلم إذا مات وعليه حجة الإسلام (الفرض)، فإن على وليِّه من بعده أن يجهز من يحج عنه من ماله، لأن الحج في هذه الحالة يكون كالديون التي يلزم قضاؤُها، ويمكن للإنسان أن يحجَّ عن أحد والديه المتوفَّى أو المقعد، شريطة أن يكون قد حجَّ عن نفسه أولاً، وله أجر حجَّة، ولا يصحُّ من الذي يحجُّ عن الغير أن يجعل هذه الحجة عن نفسه ولغيره في وقتٍ واحد.
والحجُّ أكثر من مرَّة يُعتبر تطوُّعاً، وأجره كبير، ويُسْتحبُّ تكراره كل خمسة أعوام للمستطيع...
• أركان الحجِّ والعمرة:
للحج أربعة أركان هي: الإحرام من الميقات، والطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، فلو سقط منها ركن لبطل الحج.
وللعمرة ثلاثة أركان هي: الإحرام، والطواف، والسعي، والعمرة لا تتمُّ إلا بهذه الأركان.
وعلى سبيل المثال فإن الركن الأول من أركان الحج والعمرة يستوجب الإحرام من الميقات؛ أي: المكان الذي يجب الإحرام فيه، ولا بدَّ عندئذٍ من نيَّة الدخول في النسك: أي الحج والعمرة المقارنة، ويجب أن يتجرَّد الحاج من المخيط، ويلبِّي، بحيث يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، ويستحبُّ تكرارها ورفع الصوت بها وتجديدها عند كلِّ مناسبة من نزولٍ أو ركوب أو إقامة صلاة او فراغ منها، أو ملاقاة رفاق.
وهكذا فأول ما يلزم ااحاج هو النية الطاهرة الصادقة، التي يعزم فيها المسلم على الرحيل إلى ربه بنفسٍ مؤمنة، وذاتٍ تائبة، وهمَّة معرضة عن الشهوات والملذات، مقبلة على الطاعات والقُروبات؛ لأنه سيحلُّ ضيفاً على ربِّه عزَّ وجل، حول بيته الذي جعله الله مباركاً وهدى للعاملين.
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول (ص) قال: ((من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)). وللرسول (ص) حديث بأن الرحال تُشدُّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (ص)، والمسجد الأقصى، والرسول (ص) حديث آخر يقول: ((صلاةٌ في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي الف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة)).
ويجب على المرأة أن تحج، تماماً كما يجب على الرجل، سواء بسواء إذا استوفت شرائط الوجوب، ويزداد عليها بالنسبة للمرأة أن يصحبها زوج أو مَحْرَم. قال الحافظ: والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النِّسوة الثِّقات. ويستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في الخروج إلى الحج الفرض مع أبيها أو أخيها مثلاً، وليس له منعها، لأنه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة، لأنها عبادة وجببت عليها، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق -أما في حج التطوع فلا يحق لها أن تخرج إلا بإذن زوجها، وله الحق في منعها، قال الرسول (ص): ((ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها))، والمقصود بذلك حج التطوع.
وأنواع الإحرام للحج ثلاثة هي: 1-التمتع، 2-القرآن، 3-الإفراد. وأكثر الناس في زماننا يحرمون تمتعاً. فقد يتم أداء فريضة الحج بدون زيارة المدينة المنورة، ولكن زيارتها أفضل.
• ومن أقواله عليه الصلاة والسلام:
1. بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجٌّ البيت وصوم رمضان.
2. إن عبداً صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوامٍ لا يقصد إلي لمحروم.
3. أفضل الأعمال إيمان بالله وروسوله، ثم جهاد في سبيله ثم حجٌ مبرور.
4. العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
5. من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته، وكان له فضل عشر حجج.
6. عمرة في رمضان تعدل حجة – أو كحجة معي.
7. يغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج، رواه البزاز والطبراني.
8. الصلاة في مسجد قباء كعمرة.
9. ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة.
10. من حج فزار قبري وجببت له شفاعتي.
11. من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة.
12. من زارني بالمدينة محتسباص كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة.
13. النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله: الدرهم بسبعمائة ضعف.
14. النظر إلى الكعبة عبادة.
15. أيما صبي حج ثم بلغ الخنث(1) فعليه أن يحج حجة أخرى. أيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى، رواه الطبراني بسند صحيح.
وبعد، فعلى من يحجّ أن يستقيم، ويعود أفضل ممَّا كان عليه قبل الحج، ويلتزم بما امره الله به، وينتهي عمَّا نهاه عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الحنث: الإثم، أي: بلغ أن يكتب عليه إِثم.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة