كاتبة
كيف نستقبل خير أيام الدنيا؟
كتب بواسطة عزة مختار
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1522 مشاهدة
لعلها رحمة الله تعالى، تلك التي تيسر لعباده طرق العبادة وتجددها كلما جنحت النفس الإنسانية بعيداً عن روح شريعة ربها، بينما هي في حاجة إلى التجديد دوماً، والتذكير دوماً، فبعد انتهاء شهر رمضان المعظم قد يجنح البعض إلى الترويح عن ذاته بعد شهر من الصيام والقيام، أو تهبط به عبادته عما كان ينشط فيها في رمضان، فيعيد الله عز وجل تلك الأيام المباركة في هيئة عشر ليال هي خير أيام الله بنص القرآن والسنة المطهرة، عرض فيها نفحات من كرمه -سبحانه- وعطاءات لعباده؛ ليغفر لهم ويعتقهم ويدبر أمرهم ويستجيب دعاءهم.
ولنستحضر حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- حيث يقول: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) (رواه الطبراني في الكبير).
لماذا نهتمّ بالعشر الأُول من ذي الحِجّة؟
الله عز وجل الذي خص رمضان بأنه خير الشهور، وخص ليلة القدر بأنها خير الليالي، قد خص العشر الأوائل من ذي الحجة بأنها خير الأيام، فيها الحج الأعظم، وفيها يوم عرفة، وفيها رجم إبليس، وفيها الطاعة المطلقة بتقبيل حجر ورمي حجر!
فيها التلبية والتجرد والمساواة بين الخلق في زيّ موحّد يلقون فيه ربهم، لا تعرف فقيرهم من غنيهم، ولا قويهم من ضعيفهم، فيه نهاية عام هجري مبارك وبداية عام جديد، نسأل فيه ربنا أن يكون عام يمن وبركة ونصر ورفعة للإسلام والمسلمين!
ومن أسباب الاهتمام بها ما يأتي:
1 ـ شرفها الله عز وجل بالقسم بها في أول سورة الفجر ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر، 1-2].
2 ـ أنّه اجتمعت فيها العبادات جميعها، من صلاة وصيام وزكاة وحجّ... قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
3 ـ أنّها أقرب فرصة للعبد في القرْب من الله تعالى، وذكره واللجوء إليه، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، وقال سبحانه: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 27، 28]. فالأيّام المعدودات هي العشر الأُول من ذي الحِجّة.
4 ـ أنها ختام العام الهجري، ختام عام من العمل الصالح وغير الصالح، ومن القصور في العبادة، وانقطاع واتصال العلاقة بالله، يجبر ما قد فات، ويصلح ما قد فسد، ويحيي ما قد نسي، ويعلي الهمم الهابطة، يجتمع فيها شرفان: الزمان بموسم الحج، والمكان في أقدس بقعة على الأرض وهي مكة المكرمة.
5 ـ فيها يوم عرفة الذي يعدل عامين من العبادة، كما ثبت في الحديث: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) (رواه مسلم).
6 ـ فيها فضل اكتمال الدين، وإتمام النعمة على الخلق؛ حيث أنزل الله تعالى في حجة الوداع في سورة المائدة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3].
7 ـ تفوق في أجرها الجهاد في سبيل الله كما جاء في البخاري: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ -يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ- قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟" قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).
الأعمال المستحبة في الليالي العشر:
ولم يحرم الله عز وجل أحداً من فضل تلك الأيام المباركة سواء الذي نوى الحج أو الذي لم يستطع إليه سبيلاً، يقول ابن رجب الحنبلي: "لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين".
فعلى المسلم أن يهيئ نفسه للتفرغ في تلك الأيام، ويستقبلها بحب وقلب وروح وثابة، ونفس تواقة لرضوان الله تبارك وتعالى، من خلال ما يلي:
أولاً- استحضار نية عبادة تلك الأيام واستثمارها؛ لإحياء القلب وترويض النفس، وبدؤها بالتوبة الخالصة النصوح، والله عز وجل يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فما بالنا بكرمه ورحمته في أيام خصها للمغفرة والعطاء الجزيل لعباده المؤمنين! فعليه أن يعلن لله ندمه وعزمه على عدم العودة للمعصية أو التقصير، وأن يتبرأ من كل دين يخالف دين الله، فلا يجعل في قلبه غير مولاه، ولا يخشى إلا منه، ولا يرجو سواه ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
ثانياً- الصوم، وفيه حديث حفصة بنت عمر رضي الله عنها في مسند الإمام أحمد قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع صيام عاشوراء وعشر ذي الحجة وثلاثة أيام من كل شهر). خاصة صيام يوم عرفة، ففيه يعتق الله رقاباً من النار، وهو يوم دعاء ولجوء ومغفرة من الرحيم الرحمن، يوم يدنو الله فيه من عباده، ويباهي بهم الملائكة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَر مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) (رواه مسلم)، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) (رواه مسلم)، وفي الحديث الصحيح كما عند البخاري: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).
ثالثاً- الذكر والتكبير والتهليل والتحميد، يقول الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}[الحج:28] ، وفي الحديث -كما عند الإمام أحمد في مسنده، والحديث صحيح- وفيه يقول النبي الحبيب صلى الله عليه وسلّم: (ما منْ أيامٍ أعظم عند الله ولا أحَبُّ إليه العمل فيهنَّ منْ هذه الأيام العَشْر، فأكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد». وقد ورد أنّ سعيد بن جبير ومجاهداً وعبد الرحمن بن أبي ليلى كانوا يدخلون السوق في أيام العشر فيكبِّرون فيكبر السوق بتكبيرهم، وأن عبد الله بن عمر وأبا هريرة كانا يدخلان السوق فيكبّران لا يدخلان إلا لذلك!
رابعاً- نية الذبح، ويعد من الأعمال الصالحة العزم على فعل الأضحية مع الالتزام بسنن وهدي الذبح.
خامساً- الإكثار من الصدقات؛ لما فيها من التقرّب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [سورة الحديد: 11]، وقد ورد في الحديث الصحيح كما عند البخاري: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)، فَقَالُوا: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟" قَالَ: (يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ) قَالُوا: "فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟" قَالَ: (يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ) قَالُوا: "فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟" قَالَ: (فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ)...
سادسًا- الإكثار من الأعمال الصَّالحة عمومًا، فالعمل الصالح محبوب عند الله سبحانه، ويستلزم جميل ثوابه واجتناب غضب الله.
إنها أيام الله لم يترك لمسلم فيها ذريعة لترك العمل الصالح، حتى صاحبات الأعذار عليهن الذكر، والتصدق، وقول الحق، واجتناب المعاصي، والاستماع لآيات الله، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والكثير الكثير من الأعمال الصالحة التي لم يحرم منها مسلم يبتغي وجه الله، فإلى العمل فالجنة في انتظار المجتهدين!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة