الشباب ومواجهة التغييب والتخدير
تحدثنا -على مدار ثلاثة مقالات- عن الشعوب وتخديرها فكرياً من قِبَلَ حكامها، ثم عن شباب الكيانات والحركات، وكيف يتم تغييب وعيهم بوسائل عدة، ولأسباب ليس لها محل من الاعراب! واليوم نختم هذه السلسة بكيف يواجه الشباب محاولات تغييب وعيه وتخديره فكرياً، والنيل من قراره بدعوى الحفاظ عليه ووضعه على مسارٍ صحيح، ومسيرٍ أصح؟
ولما كان الأصل العمل قبل القول، فنحن قوم عمليون نكتشف الداء ونصف الدواء، ونسأل من الله العليِّ العظيم الشفاء، فإننا سنسعى -من خلال هذا المقال- لوضع خطوات عملية لمواجهة هذا التخدير، وجعله لا فائدة منه، ولا تأثيرَ عقليَّ أو فكريَّ أو حركيَّ فيه، ففي كل الأمور هو باب عطل شديد، آن له أن يزول، لذلك فأول بند في علاج ومواجهة هذا التغييب هو:
أولاً:"حسن الفهم"
ولما كان حسن الفهم من صفات المسلم الصادق في بيعته مع ربه كان ذا منزلة، بل إنَّ المؤسس الأولَ حسناً البنا جعله قبل الإخلاص في أركان البيعة، ومعنى هذا كبير، فتقوى المرء مهما عظمت فهي له، أما فهمه فقد يقدم البناء ويطوره أو يؤخره ؛ لذلك ففهم الشباب لدينه وفكرته يقف حجر عثرة، وحائط صد منيع أمام كل محاولات التغييب والتخدير الفكري.
ثانيًا- "كثرة الاطلاع"
إن القراءة والاطلاع بمثابة هروب نحو الاستقرار الفكري، فمعرفة تاريخ السابقين وتجاربهم، والاستفادة من خبراتهم ومسيرهم الفكري والتربوي، يجعل الشباب يعي كل قضايا أمته فيرث بذلك عقلاً ناضجاً وذاكرة قوية تستدعي مواقف الهمم وعلوها بعيداً عن العطل، والعاطفة، وخطاب دغدغة المشاعر، خصوصاً إذا كان يقرأ من ثقات أثروا للحركة الإسلامية والمكتبة الفكرية عبر العصور والأزمنة.
إن القراءة والاطلاع بمثابة هروب نحو الاستقرار الفكري، فمعرفة تاريخ السابقين وتجاربهم، والاستفادة من خبراتهم ومسيرهم الفكري والتربوي، يجعل الشباب يعي كل قضايا أمته
ثالثًا- "التفكير خارج الصندوق"
لاشك أن الحركة الإسلامية فقيرة في المفكرين، وأحياناً تكون طاردة لهم مع الأسف؛ لذلك فليس من المعقول لكل صاحب رأي أن يعيش بدائرة فكرية واحدة ومصادر تلقٍّ واحدة؛ لأنه لو أراد القراءة للآخرين من المفكرين الغربيين مثلا سيجد فتوراً وضعفَ همةٍ، وعليه فلا بد للشاب الطامح لإبطال مفعول التخدير أن يطلق لعقله العنان فى بلورة أفكار تغييرية تصحيحية ، تعمِّق عنده الاتزان العقلي، والإبداع الفكري، والقدرة على النقاش وفن الحوار والإقناع بما يتماشى مع عظمة الفكرة التي يحملها.
رابعًا- "التدريب والتدرب"
والمقصود هنا ليس تدريباً تنموياً في مجال التنمية البشرية، وإن كان مهما، لكن المطلوب تدريبات على الكتابة، والتأليف، ومواجهة النفس في فتورها وميولها للراحة، حتى تنتصر عليها. فالإنسان صاحب القلم -دون شعور منه- يصبح منبراً قادراً على إيصال رسالته الصحيحة بشيء من الإبداع والاحترافية، وكلما كان التدريب على الكتابة وعلى الحوار والنقاش صعباً كانت المحصلة في نهاية المطاف ناجحة ومبشرة.
خامسًا- "حرر قلبك"
وهذا الأمر -تحديداً- يستلزم فهماً وتجرداً وإخلاصاً متفانياً في حبك وعشقك لفكرتك ودعوتك، وبمنتهى الوضوح اجعل رضا الله فقط هو الغاية وسعيك للتغيير حباً وعشقاً في مسيرك ومسارك إليه، وأن الواجب عليك أن تترك مقاعد الصمت والروتين وتنشط بهمة عالية صارخاً ضد كل معطل أوردنا بسوء فهمه لفكرته ودعوته للمهالك! وهو يظن أننا في شِعب أبي طالب، ويشرعن ما يحدث! ونسي هؤلاء أن ليس كل ابتلاء ترجمة لصحة الطريق، وليس شرطاً أن ينتصر صاحب الفكرة في نهاية المطاف، طالما لم يأخذ بأسباب النصر والنجاة.
الواجب عليك أن تترك مقاعد الصمت والروتين وتنشط بهمة عالية صارخاً ضد كل معطل أوردنا بسوء فهمه لفكرته ودعوته للمهالك
سادسًا- "اكسر الصنم العقلي"
لقد عشنا سنوات نصنع أصناماً من حجارة لا لنعبدها -حاشا لله- فنحن موحدون وعقيدتنا راسخة؛ لكن صنعنا حجارة صنمية في عقولنا تقديساً وتكبيراً عطَّلَ نهضة هذه الحركة الإسلامية سنوات عدة، حتى صار التململ والتفلت سمتاً بين الشباب، وما خفي كان أعظم وأفظع، وبالفم ماءٌ كثير؛ لذلك على الشاب الساعي لتحرير عقله أن يترك كل صنم في عقله مهما علا شأنه، فميدان العمل هو المقياس، وطرح الأراء والأفعال هو الأصل، أما خطابات المهانة والخنوع فهي فهم شاذ حقيق أن يزول، فقد كفى ما كان!
سابعًا- "تابع وتطور"
إن الثورة المعلوماتية اليوم، والتقدم التكنولوجي أمر هائل في تجاوز عقبات الماضي، والعالم أصبح قرية صغيرة بفعل هذه التقنيات الحديثة، وأحق الناس بالاستفادة منها هو أنت، ياصاحب الفكرة، نعم أنت أيها الشاب الساعي لتطوير عقلك، واستنارة فكرك، وتحرير قرارك؛ لذلك عليك بمتابعة كل مايدور حولك على مدار الساعة، ولاتستقِ الخبر من منبع واحد، بل عدد مصادرك، وانتشر، وكن مشعلاً، واحرص على التعلم التقني لكافة الوسائل الحديثة، ولا تخجل من السؤال حتى تصل لمرادك.
ختاماً أخي الشاب، اجتهد في تحقيق هذه الخطوات السبع الشافية وإن أضفت، وأبدعت، وانطلقت، وحررت عقلك وقلبك، فثق بأنك ناجح! المهم أن لا تنسى محرابك مع ربك، فهو الجائزة الكبرى، ومنه المنطلق نحو كل تغيير نافع لأمتنا ولدعوتنا.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن