طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
مفاجأة
كتب بواسطة رغد دعبول
التاريخ:
فى : قصص
1474 مشاهدة
"يا الله! لِمَ تعاملني روى بتلك الطريقة؟ ماذا فعلت لها كي تغيّر تصرّفاتها نحوي إلى هذا الحدّ؟" كانت هذه التساؤلات تشغل بالي وتقلق ذهني، فقد تغيّرت روى كثيراً بعد أن أقدَمتُ على خطوة الحجاب. ظننت في بادئ الأمر أنّ الغيرة هي المشكلة، فكنت أنا وروى الفتاتين الوحيدتين الغير محجّبتين في الصفِّ كلّه، فظننت أنّه من الطبيعي لروى أن تغار منّي بعد أن تغلّبتُ على نفسي الأمّارة بالسوء وأقدمت على خطوة ترضي الله كثيرا قبلها. ولكنني راجعت نفسي وقلت، "لا... هذا مستحيل، فأنا أعرف روى جيّداً... قد تغبطني وتتمنى ما فعلتُ لنفسها أيضاً وتشاركني فرحتي، ولكنّها لا يمكن أن تتملّكها مشاعر الغيرة نحوي. هي أكثر فهماً من ذلك بكثير." وبعد أن محوتُ سبب الغيرة من ذهني عدت إلى نقطة الصفر، وعادت أسئلتي من غير إجابة، فتملّكتني الحيرة. أخذت أتذكّر كيف أنّ روى لم تعد تحدّثني كثيراً كما في الأيّام الخوالي، بل بالعكس كَثُرَ حديثها مع باقي الصديقات بشكل مريب! حتى أنّها صارت تتحاشى أن تلتقي عيناها بعينيّ، وإن حدث ذلك، فهي تحاول جاهدة أن لا يدوم هذا الإتصال البصري طويلا كي لا تُفصِح عينيها سرّاً محبوساً في قلبها وخلف شفتيها. يا ترى ما هو ذلك السر؟
في يومٍ من الأيّام، وبينما كنت في المدرسة، تأخّرت في الصعود إلى الصفّ، وعندما وصلتُ إليه وجدتُ أنّ كلّ زميلاتي مجتمعاتٍ في الصفّ، وروى واقفةٌ في مقدّمته، وعندما دخلتُ توقّف الكلام فجأةً، وعادت روى إلى مقعدها. استغربت هذا الأمر، بل واستهجنته أيضاً، فكأنّ زميلاتي لم يردنني أن أطّلع على ما كنّ يتحدّثن عنه! دخلت المعلمة وبدأ الدرس وحاولتُ جاهدةً أن أصبّ تركيزي على المادّة، إلّا أنّ أفكاري تشتّتت عندما كثُرَ الهمس والإيماء والرسائل الشفويّة السرّية بين صديقاتي، فعدت أتساءل ساخرةً، "يا تُرى.. هل هناك مؤامرةٌ كونيةٌ ضدّي؟!" ثمّ جاء صوت الجرس الرنّان ليقطع حبل أفكاري القلقة ويعلن انتهاء الحصة، فأمسكت بصديقتي المفضّلة "سناء" وهرعت بها إلى مكانٍ بعيدٍ في الملعب وناشدتها، "أرجوك يا سناء، أخبريني ماذا يجري، فأنا لم أعد أحتمل! منذ أسابيع وأنا أسمع الهمسات ولا أفهم سرّها، أرى الرسائل ولا أعرف محتواها! ماذا تبرمون من دوني؟!" تلعثمت سناء في بادئ الأمر ولكنّها أردفت قائلةً بكلِّ ثقةٍ، "يا عزيزتي.. لا تشغلي بالك؛ إنّه ليس بالأمر المهمّ على الإطلاق!" ثمّ انطلقت بعيداً تاركةً إيَّاي غارقةً في بحر أفكاري الهوجاء.
تدهورت علاقتي بصديقاتي خلال الأيّام التالية فصرت أرى أن كلّ تصرّفاتهنّ موجهةً ضدّي. وعندما أدركت صديقاتي ذلك، حاولن أن يعاملنني بطريقة طبيعيّة كي تعود الأمور إلى مجاريها، ولكننّي لم أتقبّل هذه المبادرة الحسنة منهن واعتبرتها تكملة لحبكتهن السرّية. وغضبت كثيراً... وحقدت على صديقاتي وظننت أنّ عهد صداقتنا الطويل قد انتهى. وما إن شعرتُ أنّ مشكلتي مع صديقاتي لا يمكن أن تسوء أكثر، حصل أمرٌ زاد من غرابة الموقف وتأزّمه؛ لقد دعتني روى إلى منزلها مع باقي صديقاتي! أيُعقل هذا؟ كيف تدعوني إلى منزلها وهي بالكاد تحدّثني وتعلم أننّي غاضبةٌ من ذلك؟ رجعت إلى منزلي محتارةً قلقة؛ هل أقبل هذه الدعوة؟ هل هي الفصل الأخير من المؤامرة؟ أم أنّ صديقاتي يُردن أن يفتحن صفحةً جديدةً معي؟ استشرت أمّي فشجّعتني قائلةً:" إذهبي يا بنيّتي! أنا متأكّدةٌ من أنّك ستستمتعين بوقتك!"
وصلت إلى المكان المحدّد في الوقت المناسب، فاستقبلتني روى بسرورٍ كبيرٍ ودعتني للدخول إلى الصّالة. وما أن وطئت قدمي أرض الصالة حتى وثبت صديقاتي جميعا من مخابئهن صارخاتٍ،" مفاجأة!" وقبل أن أستوعب ما كان يجري، اجتمعت الصديقات حولي وأخذن يصفّقن على أنغام الأناشيد ويتناوبن لإعطائي هداياهن. وقتها فقط علمت أنّ صديقاتي يحتفلن بمناسبة حجابي! صدمتني الحقيقة الحلوة.. وقلت في نفسي،" يا الله! ما أجملها من مفاجئة!" ثم عدت إلى واقعي السعيد وأخذت أمعن النظر في وجوه صديقاتي التي فاضت غبطة وحبورا وإلى الصّالة التي ازداد بهاؤها بعدما أضافت صديقاتي لمساتهن من الزينة. شكرتهن جميعا لمساهمتهن في هذه المفاجئة، وخصصت بالشكر "روى" لأنها العقل المدبّر في هذه "المؤامرة".
بعد أن خفتت الأناشيد وجلسنا الى مائدةٍ أعدّتها أنامل والدة روى بأناقةٍ وإتقان، سألت روى مازحةُ، "عرفت الآن سرّ همساتكن وأسراركن، ولكن لِمَ لَم تحدّثيني طوال تلك المدة؟" أجابت روى: "ألا تعرفين طبيعتي الثرثارة؟ فضّلت ألّا أتكلّم معك خوفاً من أن أفسد المفاجئة وكي لا تقنعيني أن أضع الحجاب في هذه الحفلة لأن هذه الفكرة تلامس أفكاري بشدّة ثم إنّني أريد أن ترُدّي لي حفلتي يوم حجابي" ضحكنا جميعاً لظرافة روى وأخذتُ أفكِّر، "حقاً! لِمَ أخذتُ الأمر بجدّية؟ ألم يكن من الأفضل لو أحسنت الظنّ بصديقاتي عوضاً عن تكبّد القلق والهمّ والحقد الغير مبرّر! ما أجمل حسن الظن بالآخرين وخصوصاً بصديقاتي اللّواتي أعرف أخلاقهنّ الحميدة جيداً... فعلاً ما أجمل حسن الظن!"
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة