التواصل الاجتماعي.. من الحروب الواقعية إلى الحروب الافتراضية
حرب مشتعلة حُسمت خلال الأشهر الماضية، على الأقل لصالح الاستبداد، بعد أن تلقى الموسوم بإعلام الفقراء ضربته القاضية بدخول دول وإمبراطوريات على خط الحرب، مستخدمة أدواتها وخبراتها الاستخباراتية والمالية في توظيف الإعلام الوليد لصالحها، بعد أن رأت استشراسه في اقتلاع جذوره عبر ثورات الربيع العربي.
لا يشك خبراء المعلوماتية أن ثمة تواطؤ واضح بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتن ضد هيلاري كلينتون، المنافسة الرئيسية لترمب، ولذا يمكن من غير المسبوق فيه أن يقوم رئيس أميركي بالتخلص من معظم طاقم موظفيه الذين اختارهم بنفسه في إدارة أميركا، وكلهم على خلفيات التسريبات الروسية باختراق الانتخابات الأميركية، والرامية على البعيد لضرب النظام الديمقراطي الأميركي، ونزع المصداقية والموثوقية لدى الجمهور الأميركي في نظامه.
اقتصرت الشخصيات المعروفة والرفيعة في العالم على حجز أماكن تليق بها في عالم «تويتر»، بحيث تتصدر الأعلى متابعة فيه، وهو ما وصفه البعض بإعلام النرجسة، وكان البابا على رأس هؤلاء، ثم سبقه الرئيس الأميركي دونالد ترمب المهووس بـ «تويتر»، فوصل عدد متابعيه إلى 40 مليون متابع، وهو الذي تحدث الكتاب الذي صدر عنه بأن معظم تغريداته كان يدونها في الحمام، نظراً لقضائه وقتاً طويلاً فيه!
فجر اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية أزمة كادت تُشعل حرباً إقليمية بين جارين، ليتبين لاحقاً أن مقر الاختراق هو دولة مجاورة، الإمارات العربية المتحدة، التي تسعى للعب دور أكبر من حجمها بكثير، وصل إلى موانئ وقواعد عسكرية في آسيا وإفريقيا وغيرهما، والعجيب أنه على الرغم من رفض قطر هذه التصريحات المسربة على موقع وكالتها المخترق، وظهور الأدلة الدامغة على الاختراق، إلا أنه لم يعتذر من سرّب ونشر الأخبار الكاذبة والمزيفة، والتي غدت سلعة خطيرة تُهدد الفضاء الاجتماعي الجديد وتُسممه، جعل خبراء اجتماعيين ونفسيين وسياسيين يحذرون من تداعياتها الخطيرة على صياغة الرأي العام في توجيه السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم.
سعى «فيس بوك» إلى عقد شراكات بعيدة الأمد مع شركات إعلامية عالمية، لاحتواء الأزمة التي دخل فيها، فألغى عشرات الآلاف من الحسابات المزيفة، التي تدعي أنها من أميركا، ليثبت أنها من روسيا بأسماء أميركية، بهدف التأثير على الرأي العام الأميركي، عبر نشر أخبار مزيفة وكاذبة، تفتُّ في عضد وساعد المجتمع الأميركي، المرشح أصلاً لمثل هذا الاختراق والتصدع، بيد أن «تويتر» لم يُفعّل هذه الخدمة، وواصلت الجيوش الإلكترونية وما عُرف بظاهرة «الذباب الإلكتروني» مساعيها في تسميم أجواء «تويتر» بنشر أخبار كاذبة، وإعادة تغريدات بطريقة آلية مضحكة، وهجومها على حسابات موثقة ومعتبرة بحرف تغريداتها عن سياقها المقصود، كل ذلك جعل من «تويتر» ساحة للاستبداد والثورة المضادة، وهو ما دفع كثير من روّاد «تويتر» إلى العزوف ولو ببطء بعيداً عنه وزهداً به.
اللافت أن «تويتر» لم يقم بما قامت به «فيس بوك» من إلغاء الحسابات الوهمية المخيفة التي قُدرت لبعض الدول بأربعين ألف حساب وهمي ومزيف، ومتخصصة بالهجوم على المواقع الرصينة والقوية والموثوقة.
لكن إعلام الفقراء اليوم يسعى أصحابه إلى توجيه دفته وبوصلته باتجاه آخر، فقد بدأ «فيس بوك» مثلاً بالحدّ من وصول المقاطع التي تبثها الفضائيات العالمية لمشاهدين كثر، وتراجعت نسبة الوصول إلى القراء والمشاهدين بأقل عشرة أضعاف عمّا كانت عليه في الماضي، وقد اشترط «فيس بوك» على المؤسسات الإعلامية الدفع المالي مقابل ذلك، وهذا يعني أن المعيار الحقيقي للوصول للمشاهد غدا المال وليس قوة ونفوذ التقرير ذاته، بالإضافة إلى أن ناقل المعلومة غدا يضع شروطه عليها وعلى الوصول إليها، وهي معادلة صعبة تفكيكها اليوم، ما لم ننتظر لنرى موقف القارئ وموقف المؤسسات الإعلامية من هذا التحدي الجديد، فهل سيعود القارئ إلى الوسائل الإعلامية التلفزيونية، بعيداً عن التواصل الاجتماعي؟ وكيف ستتعامل منصات التواصل الاجتماعي مع وسائل إعلامية عالمية تملك وفرة مالية مقابل وسائل إعلام بسيطة؟ فهل ستكون التسعيرة موحدة، مما يعني عودة عاديات المال والنفوذ إلى الإعلام، كما كان عليه الأمر في الماضي؟
المصدر : موقع العرب
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن