المرأة والفتن الإعلامية… وعيٌ إيماني في زمن السوشيال ميديا
نحن في زمنٍ تتسارع فيه الشاشات، وتتنافس فيه المنصات على خطف انتباه الإنسان. أصبحت المرأة أمام عالم مفتوح من المحتوى المتنوع؛ منه ما هو نافع، ومنه ما يحمل بين طياته فتنًا تُضعِف النفس، وتشوّه الصورة، وتُشتّت القلب عن مساره الصحيح. ولا شكّ أن السوشيال ميديا اليوم تملك قدرة هائلة على تشكيل الوعي، وتوجيه السلوك، وإعادة تعريف الجمال والنجاح والسعادة بصورة قد لا تُشبه الفطرة ولا تُشبه قيم الإسلام.
أولًا: السوشيال ميديا… نافذة واسعة قد تُدخل النور أو الغبار
لم تعد المرأة بحاجة للخروج من بيتها كي تتعرض للفتن؛ بل أصبحت الفتنة تأتيها عبر شاشة صغيرة تحملها في يدها. فالإعلانات المبالغ فيها، ونماذج “المثالية الوهمية”، وصناع المحتوى الذين يربطون قيمة المرأة بشكلها ومظاهرها، كل ذلك يضغط على نفسية المرأة وخلق مقارنة مستمرة تستنزف طاقتها وثقتها بالله وبنفسها.
إن المشكلة ليست في المنصة، بل في كيفية استخدامها. فكما أنها باب واسع للعلم والوعي والإبداع، هي أيضًا باب للغفلة، والتعلق بالمظاهر، والانشغال بما لا ينفع.
ثانيًا: وعيٌ إيماني يحمي المرأة من الانجراف
الإيمان ليس فقط عبادات، بل هو نور في القلب يميز به الإنسان بين الحق والباطل، بين ما ينفعه وما يؤذيه. والمرأة المؤمنة لا تكتفي بأن تستهلك المحتوى.. بل تسأل نفسها دائمًا:
هل هذا يقرّبني من الله أم يبعدني؟ هل يرفع روحي أم يستهلكها؟
أهم أسلحة الوعي الإيماني:
- المراقبة الداخلية: أن تتذكّر المرأة أن الله يرى ما تشاهد وتفكر وتشعر به.
- النية الصالحة: تحويل وجودها على المنصات إلى هدف نافع: تعلّم، دعوة، إلهام، نشر خير.
- الانتقاء: إلغاء متابعة كل ما يثير الفتن أو يضعف القلب أو يخلق المقارنات السلبية.
- حفظ الوقت: لأن الوقت إذا ضاع في التصفح العشوائي ضاع معه التركيز والبركة.
ثالثًا: الفتن الإعلامية لا تستهدف الجسد فقط… بل تستهدف الهوية
الكثير من المحتوى الموجه للمرأة يربط قيمتها بمكياجها، جسدها، ملابسها، أو أسلوب حياتها الفاخر. وهذا يُحدث تآكلًا بطيئًا في هويتها الإيمانية، حتى تصبح مقارنة نفسها بالآخرين عادة يومية، وتبدأ تشك في جمالها، نجاحها، أو منزلتها عند الله. بينما في الحقيقة… قيمة المرأة في الإسلام ليست في صورتها، بل في رسالتها، أخلاقها، عقلها، وقربها من الله.
رابعًا: كيف تتعامل المرأة بوعي مع منصات التواصل؟
اتباع قاعدة (أغذّي بصري لأزكي قلبي): كل صورة أو فيديو يدخل قلبك إما يُطهّره أو يكدّره.
جعل المحتوى عبادة: إذا شاهدتِ شيئًا، فاسألي: ماذا سأستفيد؟ هل يزيد علمي؟ هل يقوّي علاقتي بالله؟ هل يُنمّي مهاراتي؟
صناعة محتوى نقي: بدل أن تكون المرأة مجرد متلقية، يمكن أن تكون مؤثرة تقدم ما يرفع وعي النساء ويثبّت القيم الراقية.
فترات الصمت الرقمي: الابتعاد المنتظم عن السوشيال ميديا يعيد التوازن ويجعل القلب يُعيد ترتيب أولوياته.
خامسًا: قدوتك في زمن الفتن… نساء خلدهن القرآن
تأملي مريم عليها السلام: الطهر، التركيز، العفة، والسكينة.
وتأملي آسية: الثبات في زمن الفساد والضغط.
وتأملي نساء الصحابيات: وعيٌ، إيمان، رسالة.
وكل ذلك دليل على أن المرأة تستطيع أن تعيش وسط الفتن… دون أن تنجرف، إذا كان قلبها معلقًا بالله.
السوشيال ميديا ليست شرًا مطلقًا ولا خيرًا مطلقًا، بل مرآة تعكس وعي الإنسان. والمرأة المؤمنة لا تسمح لأي محتوى أن يسحبها من ذاتها أو يشتت رسالتها. إنها تستخدم المنصات… ولا تسمح للمنصات أن تستخدمها. تأخذ ما ينفعها، وتترك ما يضرها، وتُقيم حضورها الرقمي على أساس إيماني يضبط البصر، ويحفظ القلب، ويُعلي قيمتها كما أراد الله لها.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"




المرأة والفتن الإعلامية… وعيٌ إيماني في زمن السوشيال ميديا
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الحادي عشر
عالم الجيولوجيا والداعية الإسلامي الكبير د. زغلول النجار رحلة الإيمان في معارج القرآن
أدب الحوار والجوار.. بين لغة العقل وهشيم النار
حين يكون الصدق قيمة عُليا