الثورة السورية بعد سبع سنين
كتب بواسطة بقلم: المربي محمد عادل فارس
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1672 مشاهدة
بعد مرور سبع سنين على الثورة السورية، وولوجها السنة الثامنة، تدور في الأذهان أسئلة شتى:
هل كانت الثورة ابتداءً على حق وصواب؟ أم كانت خطأً وتعجّلاً؟
وهل كانت نتائجها ومضاعفاتها متوقَّعة؟ أم حدث ما لم يكن في الحسبان؟
وماذا بقي من الثورة؟ وهل كان ينبغي المحافظة على سلمية الثورة كما كانت بدايتها؟
ومَن الصديق ومَن العدوّ لهذه الثورة؟
منذ عقود من السنين ظهرت مقالات ودراسات تدعو إلى انتهاج وسائل المقاومة المدنية، أو العصيان المدني، أو حرب اللاعنف، أو التغيير السلمي... إلى غير ذلك من الأسماء، على تقدير أنَّ هذه الوسائل أجدى وأقل كلفة في مقاومة الظلم والاستبداد، مستشهدين بتجربة غاندي.
ولعل أشهر مَن نظَّر لهذا النوع من المقاومة جين شارب Gene Sharp (أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس)، وقد بنى نظريته على ثلاث فرضيات، يكفي أن تتحقَّق إحداها حتى تتكلَّل الثورة السلمية بالنجاح:
• الأولى: أنَّ الطاغية الظالم سيبدأ بقمع الاحتجاجات ضده؛ فيَسجن ويقتل، ثم يراجع نفسه: إلى متى أقتل شعبي؟ فلْأفسح له المجال ليختار الحكم والحاكم الذي يناسبه.
• الثانية: أنَّ قوى الجيش والأمن التي يستخدمها الطاغية في مقاومة الثورة تتمرد عليه وتقول: أتريدنا أن نقتل شعبنا من أجل أن تبقى على كرسيك؟.
• الثالثة: أن المؤسسات الدولية (الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يتفرع عنهما) وكذلك لجان حقوق الإنسان والدول العظمى... لن تسكت على الظالم وهو يتمادى في قتل العشرات والمئات من شعبه، وستجبره على التغير أو التغيير!.
وكنتُ أقرأ مثل هذه الدراسات وأقول: قد تنطبق بعض الفرضيات على بعض الدول، أمَّا على سورية فأنا أشك في انطباقها.
وبالفعل نفد صبر الشعب على الظلم المتراكم، وانطلقت مقاومة سلمية عفوية ابتدأها أطفال في درعا وشباب في دمشق، وقابل النظام ذلك بقمع وحشي، فتوسَّعت المقاومة وانتشرت، وزاد قمع النظام، واستمر ذلك بضعة شهور، ولم تتحقَّق أي واحدة من الفرضيات الثلاث، فتحوَّلت الثورة تدريجياً من السلمية إلى المقاومة المسلَّحة.
لم يكن انطلاق الثورة السلمية أولاً، أو تحولها بعدئذ إلى المقاومة المسلحة؛ بقرار من قائد معيَّن أو فصيل معيَّن، بل كانت عفوية تلقائية، فهذه واحدة.
والثانية: كان الشعب محتقناً من ظلم النظام، وكل مواطن يتحسس جانباً أو أكثر من جوانب الظلم، وفي مقدمة ذلك: محاربة الإسلام والإسلاميين، وتكميم الأفواه، وانتشار الرشوة، والتمييز الطائفي لا سيما في الجيش والمؤسسات الأمنية، ونشر الفساد بألوانه المظلمة كافة. وحين انطلقت الثورة صار كل فرد وكل فصيل يتحدَّث عن رؤيته، فهي ثورة إسلامية عند فريق، ووطنية عند فريق، وثورة حرية وكرامة عند فريق... وبين هذه الرؤى تقارب أحياناً وتداخل.
ووُجدت الفصائل المسلحة في أنحاء البلاد، كما وجدت تشكيلات سياسية خارج البلاد تتحدَّث باسم الثورة، وتقيم التحالفات وتعقد المؤتمرات. وكان واضحاً أنَّ معظم الفصائل المقاتلة ذات لون إسلامي؛ معتدل غالباً، ومتطرف أحياناً. بينما معظم التشكيلات الخارجية كانت مرتهنة لبعض الدول، وذات توجُّه ليبرالي، وهي لا تكاد تملك شيئاً على الأرض، إنما تستمدُّ قوَّتها من دعم الدول الأخرى.
وهذا يقودنا إلى مواقف الدول الأخرى، ونحن نتحدث عن الدول التي أسهمت في مجريات الثورة سلباً أو إيجاباً، باختيارها أو بحكم ما أصابها بسبب تدفق السوريين المهاجرين... ويمكن اختصار ذلك بأسطر:
روسيا: كان تدخلها في بدايات الثورة عبر دعم النظام بالسلاح والخبراء، ثم تحوَّل إلى دعمه بقوات جوية تقصف وتدمِّر وتقتل، وأصبحت هي الحاكم على من يُظَن أنه الحاكم!.
إيران: وموقفها يشبه موقف روسيا من حيث حرصها على بقاء النظام، بل حرصها أشد، وهي تنطلق بدوافع مذهبية معروفة، وقوَّاتها قد ارتكبت المذابح في مناطق شتى. ويُعدّ من امتداد إيران داخل سورية تلك "المليشيات" التي استقدمتها من دول مجاورة أو بعيدة.
أمريكا: وقد كان تدخلها في البداية غير مباشر، ثم صار لها قواعد في بعض أجزاء البلد. وهي في الغالب تستخدم الحرب بالوكالة، فتزوِّد فصائل معينة للقتال بالنيابة عنها. وأبرز هذه الفصائل ما يسمى: وحدات حماية الشعب الكردي.
وماذا عن الجماعات الإرهابية المتطرفة؟ لقد كان تطرُّف النظام وحلفائه بالبطش كفيلاً بوجود جماعات متطرفة تقابل تطرُّفه بتطرُّف، وكان تطرُّف النظام في حربه للإسلام كفيلاً بوجود جماعات تتطرَّف في حماستها للإسلام. فهكذا كانت بداية هذه الجماعات؛ شباب غيور على دينه، يريد أن يثأر لهذا الدِّين ممَّن يحاربه، لكن هؤلاء الشباب كانوا ذوي بضاعة مزجاة من الوعي والفقه في الدِّين، فلربما أساؤوا إلى الدِّين وهم يغارون عليه. والأمر لم يقف عند هذا الحد بل تدخلت أجهزة الأمن من دول إقليمية وعالمية فدرَّبت بعض العناصر وأهَّلتهم لاختراق صفوف هؤلاء الشباب. وتدخلت وسائل الإعلام لتبرز جرائم التشكيلات الإسلامية المتطرفة حتى يرتبط الإسلام في حس الجماهير بالإجرام.
وبذريعة محاربة الجماعات الإرهابية توجِّه قوات النظام والقوات الروسية والأمريكية... مدافعها وطائراتها لقصف المدن والقرى، والمساجد والمدارس والأسواق!.
وبعد هذا كله، قد يستطيع النظام، بدعم روسيا وإيران، وسكوت أمريكا وغيرها، من استعادة نفوذه على مناطق أخرى من المناطق التي حررها الثوار، لكن المارد قد خرج من القمقم، وذاق الشعب طعم الحرية عندما ارتفع كابوس النظام عن صدره خلال شهور وسنين من التحرر، وسيبقى يطالب بالحرية، وسيبقى يتطلع إلى أن يحكمه الإسلام الحق الذي أنزله الله، والذي فهمه علماء الإسلام في عصوره الزاهية.
نسأل الله أن يجمع كلمة عباده المؤمنين، وأن يلهمهم السداد في القول والعمل، وأن يهبهم النصر المبين.
)ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنّهم لهم المنصورون وإنّ جندَنا لهم الغالبون(.
تحوَّل روسيا إلى دعم النظام بقوات جوية تقصف وتدمِّر وتقتل، وأصبحت هي الحاكم على من يُظَن أنه الحاكم!.
ذاق الشعب طعم الحرية عندما ارتفع كابوس النظام عن صدره خلال شهور وسنين من التحرر، وسيبقى يطالب بالحرية
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن