كُفُّوا ألسنتكم
كتب بواسطة إحسان الفقيه
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1805 مشاهدة
تنويه قبل خلط الأوراق وتقويلي ما لم أقُل:
دنيء القول في هذه المقالة مُوجّه فقط لمن طعنوا الأعراض وتطاولوا على المُسلمين والمُسلمات ...
==
كم من صرخات أندلسية انطلقت، فوجدت من يصغي إليها، وينهض لها..
صرخ أهلها عندما أمعن الأذفونش (ألفونسو) في إذلال المُعتمد، فرفض أن يأخذ منه الضريبة، وأرسل إليه يتهدده بأن يسلم له جميع الحصون المنيعة، وأراد أن تلد امرأته في جامع قرطبة إمعانًا في إذلال المسلمين، فما كان من الأندلسيين إلا أن استجاروا بسلطان المرابطين يوسف بن تاشفين، والذي استجاب على الفور وأمر جنده بالعبور إلى الأندلس، ولما بعث إليه ألفونسو يتوعده، ما زاد ابن تاشفين على أن قلب الرسالة، وكتب على ظهرها "الذي يكون سوف تراه"، فكانت معركة "الزلاقة" التي نصر الله فيها جنده، وأخّرت سقوط الأندلس أربعة قرون أخرى.
وصرخ أهل الأندلس في العثمانيين، حيث قال قائلهم:
سلام عليكم من شيوخ تمزقت شيوبهم بالنتف من بعد عزةٍ
سلام عليكم من وجوه تكشّفت على جملة الأعلاج من بعد سترةٍ
سلام عليكم من بنات عواتق يسوقهم اللباط قهرًا لخلوةٍ
ورغم انشغال العثمانيين بفتوحات أوروبا، إلا أنه كانت هناك استجابات لتلك الصرخات، فقد تمكن "خير الدين بارباروس" والي الجزائر من قبل العثمانيين خلال سبع سنوات من توجيه 36 بارجة لسواحل إسبانيا لنقل سبعين ألف مسلم.
أما إنها صرخات تشابه تلك الاستغاثات الهادرة التي يطلقها إخوتنا السوريون الفارون من الموت واستباحة الأعراض في درعا وهم على أبواب الأردن يطالبون بفتح الحدود، لكن هذه الصرخات لم تجد قلوبًا ترق ولا آذانا تسمع.
تلك الصرخات السورية التي كانت تأمل في أن تشق طريقها إلى ملك الأردن تستجديه:
يا راعي السّرب يحميه ويحرسه
إن الذئاب قد استولت على الغنم
فعافني بتلافي العين من سقم
لم يبق منّي سوى لحم على وضم
حتى أقول لريب الدهر كيف ترى
تعصّب السادة الأحرار للخدم
لكن أصواتا أخرى قد سبقت، وعلا ضجيجها، إنها أصوات بطانة السوء وأبواق الفساد، الذين صوروا أولئك البسطاء العاجزين والأرامل واليتامى وصرعى المظالم بأنهم خطر على أمن مضارب بني هاشم، ثم انتقلوا لأسطوانة مشروخة ممجوجة دنيئة، مللنا ترديدها مُضغة في أفواه الحمقى والمُغفّلين، وهي عدم مقدرة الأردن تحمّل أعباء النفقة من خيام وغذاء ودواء للمزيد من جموع اللاجئين الجُدد، حتى هبّ الأردنيون الشرفاء الأنقياء من كل حدب وصوب بدعوات شعبية باقتسام قوت اليوم ورغيف الخبز، ولا أن يروا إخوة الدين والعروبة في العراء يأكلهم غبار الصحراء وتلفح الشمس الحارقة أجسادهم.
وما أشد ما يقع في النفس بعد العَوَز والاستغاثة على قسوتهما لمن كانوا كراماً بالأمس فغدوا اليوم على قارعة الصحراء بلا مأوى، وما أمرّ الدموع على شيبة مسلم شابت في الإسلام وخذلها المسلمون وهي تكرر مؤمنة بقدر الله:
" نفرّ من قضاء الله إلى قضاء الله " !!
هذه الدعوات الذي ارتفع سقف صداها إلى المطالبة الجادّة بـ افتحوا الحدود ، ومع تصاعد الحالة الشعبية العفوية، واندفاعها بين محافظات وقرى المملكة، حتى سارعت الحكومة الأردنية إلى تخفيف حدّة الاحتجاجات بترديد أنها تحاول مساعدتهم لكن دون دخولهم أراضي المملكة، كان آخر هذه المحاولات زيارة رئيس الوزراء الأردني د. عمر الرزاز الحدود لتبرير هذا الموقف اللا إنساني في قرار حكومته الأول .
ويا ليت الأمر توقّف هنا، بل انطلقت أصوات النشاز وغربان الليل الذين بدأوا بتحريك ماكينتهم الإعلامية من "السحيجة" لا للمطالبة بعدم فتح الحدود وحسب، بل وبتبرير القرار الحكومي بكل الوسائل، والأنكى من كل ذلك " نوع التبرير المُشوّه الذي لا يخرج الا ممن لا دين ولا أخلاق في نفوسهم "!
انطلقت أصوات وأقلام مسمومة لا تنتمي للأردنيين ولا تنتسب إلا لقبيلة من كوكب النذالة، تطعن بأعراض حرائر سوريا عبر تعليقات ( كوبي بيست ) يتم نشرها عبر عدة حسابات كتعقيبات على كل مقال او تغريدة تدعو الى فتح الحدود للإخوة السوريين الهاربين من جحيم الطيران الروسي وسكاكين المليشيات الايرانية الصفوية ..
تلك التعليقات الـ (كوبي بيست) تستهدف الشريفات العفيفات الطاهرات اللاتي هربن من ذئاب الطائفيين المجرمين أتباع الصفوية والعلوية والضاحية الجنوبية الذين ما دخلوا قرية حتى استباحوا الدماء فيها والأعراض، يُقال بالإشارة إليهن ( تعميما ):
" لم تشهد الاردن دعارة كما هو الحال الآن بعد دخول السوريين والسوريات"..!!
بئس الكذبة وبئس الكاذب وأجلّ الله المكذوب عليهم ونجّاهم مما تفترون !!
وهل هنالك بلد على الأرض لم يتدنّس بالرذائل صغيرها وكبيرها ما خفي منها وما كان في العلن، ليُنسب دنيء الفعل الى أبناء أو بنات بلد بعينه لتبرير قرار سياسي أنانيّ انتهازي أخرق؟!
يشهد الله أن يدي ترتجف كما صوتي وأكاد أختنق ما بين العَبْرَةِ والصدمة مما تكتبه هذه الأقلام الخاطئة الكاذبة، وقد وصلتني رسائل على البريد الخاص هنا في فيس بوك وفي تويتر وفي الواتس أب، وتحمل كلها ذات المضمون وكأن هنالك جيش تم الإيعاز له لاستخدام هذه الكذبة ودسّها في صدور أبناء المجتمع الأردني المُحافظ، ولكن هيهات أن تنطوي أكاذيبكم على شعب واعٍ مثقف مُتديّن يعرف ما الذي يعنيه
( قذف المحصنات الغافلات ) ويُدرك أي جريمة تُقترف باسم التبرير لحكومة سقطت منذ عيّنها من عيّنها ..
رسائل وتعليقات تُصوّر هؤلاء الحرائر المحتشمات الصامدات تحت لهيب الشمس وقسوة المواسم، على المعابر والحدود، بأنهن إذا دخلن ديارنا نشرن الفُحْش والفاحشة، وأفسدن في البلاد والعباد، ألا تقرأون القرآن أم على قلوب أقفالها { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُبِينًا }
يا هؤلاء .. ألم تقرأوا حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ حينَ قَالَ : « إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ » ؟
ألا تكُفّوا ألسنتكم عن أعراض من أبتُلين بالفقدان والشقاء والتعب والتشريد والتنكيل والشيطنة وسوء الظن؟
فلتُطالبوا بإغلاق الحدود كما شئتم، فالله بين الظالم والمظلوم، غلا مُطالبتنا قد تنفعهم ولا مطالبتكم قد تصدّ عنهم خيرا كتبه الله لهم، كلّه بأمر الله القادر على إخراس كل وغد كذب ..
خذوا العبرة من وصية النعمان لعابر سبيل سأله: أوصني .. فقال : «استحِ من الله كما تستحي من رجل من عشيرتك»،
فاستحوا وكفّوا ألسنتكم عن أخواتكم في الدين، عن عفيفات ما ألقاهُنّ على حدود بلادكم إلا قلّة الحيلة وقحط الرجال في أمة يتفاخر غثاء السيل فيها بأنه ينتمي لأمة المليار ونصف مسلم ..
تأدّبوا وصونوا ألسنتكم حتى يحمي الله أعراضكم وبناتكم:
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا
وتستحِ مخلوقا فما شئت فاصنع !!
ثم يطالع غيرهم بالتخويف على الوظيفة والرزق ، على أساس أن الأردن لم يعان من نار البطالة قبل الأزمة السورية، وعلى أساس أن الشعب الأردني كان مُرَفّهاً كأبناء من ورثوا الحقائب الوزارية والمنح الدراسية في هارفارد عن أجدادهم،
فلا فقراء في الاردن لا بطالة ولا شّدّة حتى استضفنا السوريين في بلادنا، فأخذوا وظائف أبناء البلد، وأكلوا خيرها .. !!
إنها والله لفُرية العاجز المخذول الكَسِل افتراها ذوو القلوب الضعيفة البعيدة عن الإيمان، ليُخفوا قلّة الحيلة وعجز الإبداع والإنتاجية فيهم وأتحدث هنا عمّن يُحمّل سواه تُهمة أكل رزقه !
الرزق يا معشر الظالمين لم يرتبط يوماً بظاهرة تاريخية أو كونية أو حرب وجودية ، الرزق قدر مكتوب لك قبل أن تولد من رحم أمّك .. و إنما سعيك في جنبات الأرض تحقيق لقدر الله المكتوب لك وتسليم منك بالإيمان بخيره وشرّه .
فكُفّوا ألسنتكم .. فوالله إن ضعف الإرادة فيكم وعار الخذلان الذي يحيط بكم من كل جانب، دعاكم لاختلاق هذه الفِرى لتهربوا من متطلبات الرجولة فيكم – إن وُجدت – والأمل بالكثرة التي هي السواد الأعظم في وطن النشامى والنشميات ممن لم يُبدّلوا جلودهم كما تتبدّل قرارات ولي الأمر وثُلّة العلمانيين والليبراليين واليساريين حوله ..
صدق الشيخ محمد الغزالي بقوله :
« الرزق غيب، ولا يؤمن برزق الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ؛ والنصر غيب، ولا يؤمن بنصر الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ؛ والتوكل على الله عندما تكون الأسس فيه تعليق النفس بأمل عند الله، هذا النوع من الإيمان قلما يوجد، لكنه عدة المصلحين ..
فكلما أظلم الليل عليهم، ولم يجدوا بصيصا من نور اطمأنوا إلى أن فجراً سيجيء، فهم ينتظرون بَريقه بثقة.. »
فهل سيأتي يومٌ لا يقبل الناس أعذارنا في خذلاننا لهم حين وقفوا على حدودنا طالبين المعونة والنصرة ؟
وهل سيأتي يومٌ لا يقبل الله فيه عذرنا بأن الصمت كان بحثا عن أسباب السلامة من البطش والاستبداد؟
حتمًا سيطعن أعراضنا جيوشُ السحّيجة الذين كانوا هُم سببا في خروجي من بلدي، ويشهد الله أني لم أخرج من بلدي الا بسبب من طعنوا عرضي وألزموني الصمت لسنوات عن الكتابة بالشأن الأردني حين كنت أضعف مما أنا عليه الآن وأقلّ خبرة في ترتيبات الصمود والتقريع بالظالمين والتنغيص على زبانيتهم..
ختاما:
إذا لم تطالبوا بفتح الحدود مع من يُطالبون، ونصرة اخوتكم لأنهم عبء عليكم كما تقولون، فأغلقوا أفواهكم، وأعيرونا صمتكم !! والله ينتقم ممن يطلق لسانه للنيل من أعراض أخواتٍ لنا لم يرحم حُرمتهُنّ وغُربتهنّ والتنكيل بهنّ لا عدوّ بعيد ولا مُتفرّج يُوصف بأنه من عظام الرقبة !!
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
==
احسان الفقيه
المصدر : مدونة إحسان الفقيه
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن