مستشار في العلاقات الزوجية وكاتب المتخصص في هذا الموضوع ، حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها من جامعة حلب 1971، ثم على دبلوم التربية من جامعة دمشق 1972، ثم على دبلوم الدراسات العليا من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1974 . عمل في الصحافة الكويتية وكان مديراً لتحرير عدد من المجلات الأسبوعية والشهرية، منها مجلة (( النور )) التي ما يزال مديراً لتحريرها منذ عام 1983 صدر له أكثر من ستين مؤلفاً، معظمها في المرأة والأسرة، مدير مركز ثوابت للاستشارات الزوجية، ألقى عشرات المحاضرات وسجل مئات الأحاديث في الإذاعة والتلفزيون ومعظمها في قضايا الأسرة والمجتمع .
إن لم تكن زوجتي معي.. فلا
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جاراً للرسول صلى الله عليه وسلم فارسياً كان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يدعوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : ( وهذه ) لعائشة رضي الله عنها ، فقال الرجل : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا ) . فعاد الرجل يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وهذه ) قال الجار : لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا ) . ثم عاد يدعوه ، فقال رسول الله: ( وهذه ؟ ) قال: نعم في الثالثة ، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله . صحيح مسلم .
هذا حديث عظيم في بيان رفقه صلى الله عليه وسلم، وسعة رحمته ، وعظم عطفه وشفقته ، وخاصة بزوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن .
فعلى الرغم من أن الجار الفارسي يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتناول ما صنعه له من مرق وطعام ، فإنه عليه الصلاة والسلام يأبى تلبية الدعوة وحده ، فيشير إلى عائشة ليشملها الجار بدعوته ، لكن الجار يرفض فيقابله النبي صلى الله عليه وسلم برفض تلبية الدعوة دون أن تكون معه زوجته السيدة عائشة .
يكرر الجار دعوته لعل النبي صلى الله عليه وسلم يغير رأيه فيوافق على تلبية الدعوة وحده دون زوجته ، لكنه صلى الله عليه وسلم يثبت على رفضه تلبيتها دون زوجته عائشة رضي الله عنها .
حتى في المرة الثالثة يثبت صلى الله عليه وسلم على رفضه تلبية الدعوة وحده دون زوجته ، فيستجيب الجار الفارسي أخيراً ويوافق على دعوة عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا يوجه الأزواج إلى إبعاد الأنانية ، وعدم الاستئثار بشيء دون زوجاتهم ، ولهم في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة ، يقول النووي رحمه الله : فكَرِهَ صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها ، وهذا من جميل المعاشرة ، وحقوق المصاحبة ، وآداب المجالسة المؤكدة .
بينما نجد اليوم كثيراً من الأزواج يؤثرون أنفسهم على زوجاتهم ، ولا يشترطون دعوة زوجاتهم معهم ، بل نجدهم يتهربون من ذلك حتى وإن دُعين معهم .
وحين تبدي المرأة رغبتها في أن تكون مع زوجها في سفر ، أو زيارة ، أو نزهة ، فإن زوجها يتهرب متعللاً بعلة من العلل ، أو سبب من الأسباب ، وكثير منها غير حقيقي .
قد يقول لها زوجها : بقاؤك مع الأولاد أهم ، أو يقول : في المرات المقبلة إن شاء الله ، أو يقول : والله أنا رايح مجاملة ولو تُرك لي الاختيار لما ذهبت وقد يعلل ويبرر غيرهم بأنه طلب من الداعي أن تكون معه زوجته فلم يقبل ؛ دون أن يكرر الزوج طلبه ، بل قد يجدها فرصةً حتى لا يصحب زوجته معه ، وهذا على غير ما وجدنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الذي يشترط ثلاث مرات أن تشمل الدعوة زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وقد يبرر آخرون بأنهم مرغمون على تلبية الدعوة دون أن تكون زوجاتهم معهم عملاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلبية الدعوة: ( إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ) صحيح مسلم .
( إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليُجب ) صحيح مسلم .
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طَعِم وإن شاء ترك ) صحيح مسلم .
يقول النووي الذي أورد هذه الأحاديث وغيرها في باب ( الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة ) : وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها فمنها أن يكون في الطعام شبهة ، أو يخص بها الأغنياء ، أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه ، أو لا تليق به مجالسته ، أو يدعوه لخوفِ شرِّه ، أو لطمعٍ في جاهه ، أو ليعاونه على باطل ، وأن لا يكون هناك منكر من خمر ، أو لهو ، أو فرش حرير ، أو صور حيوان غير مفروشة ، أو آنية ذهب أو فضة ؟ فكل هـذه أعذار في ترك الإجابة .
يضيف النووي : ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه ( أي يقبل الداعي اعتذاره ) . ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح .
وعلى هذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان له إجابة الدعوة وعدم تلبيتها ، فاختار عدم التلبية إلا إذا دعيت معه زوجته عائشة ، يقول النووي : فلما أذن لها ( أي أذن الجار الفارسي حضورها مع النبيعليه الصلاة والسلام ) اختار النبي الجائز لتجدد المصلحة ، وهو ما كان عليه الصلاة والسلام يريده من إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته في ما يحصل .
وأرجو أن نتأمل في الكلمات الأخيرة من كلام النووي رحمه الله : ( إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته في ما يحصل ) والمقصود بهذا كله السيدة عائشة رضي الله عنها ، فهل نفعل مثل هذا مع زوجاتنا من إكرام ، وإيفاءِ حق ، ومواساة ؟!
وأرجو أن نتأمل في وصف تلبية النبي عليه الصلاة والسلام وزوجه عائشة دعوة جارهما بعد أن قال نعم في الثالثة ( فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله ) يقول النووي : ( يمشي كل منهما في أثر صاحبه ) ففي هذا بيان فرحتهما بأن يكونا معاً في تلبية الدعوة .
ولعلنا لا حظنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرجع إلى زوجته عائشة ليسألها : هل ألبّي دعوته وحدي ؟
أو : هل رأيت .. إنه يأبى أن يدعوك ، فيحضرها أحدنا خير من أن لا يحضرها أحد !
أو : ماذا أفعل .. لقد طلبت منه مرتين أن يدعوك معي .. أنا حريص على هذا ، لكنه مصرٌ على رفضه .
لم يقل عليه الصلاة والسلام شيئاً من هذا ، مؤكداً أنه يحب لعائشة ما يحبه لنفسه ، ويريد لها أن تأكل مثلما يأكل ، وأن تسعد مثلما يسعد ، حتى وإن أذنت له أن يلبي الدعوة وحده .
ما أعظم الحب الذي سيفيض في قلب كل امرأة لا يتراجع زوجها عن إصراره على أن تنال من الخير مثل ما ينال ، وأن تأكل من الطعام ما يأكله ، كما قال عليه الصلاة والسلام ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تُقَبِّح ، ولا تهجر إلا في البيت ) . صحيح الجامع .
يبقى سؤال يخطر في الأذهان : لماذا اقتصر الجار الفارسي في دعوته على النبي عليه الصلاة والسلام وتأخر في استجابته للنبي الذي طلب مشاركة أم المؤمنين له في الدعوة ؟
يقول النووي : قالوا ، ولعل الفارسي إنما لم يدعُ عائشة رضي الله عنها أولاً لكون الطعام كان قليلاً ؛ فأراد توفيره على رسول الله عليه الصلاة والسلام .
وبعد ؛ فإن هذا الحديث يضيئ لنا صورة مشرقة من حبه عليه الصلاة والسلام ورفقه وعطفه ، وشفقته بالناس عامة ، وبالمرأة خاصة ، نحتاج كثيراً الاهتداء بها ، والاقتباس منها ، في حياتنا الزوجية اليوم ، وقد كَثُرتْ فيها النزاعات ، واحتدت فيها المشاحنات ، وسيطرت عليها الماديات ، وامتلأت قلوب أطرافها بالأنانيات .
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة