كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
بذور العنف ضد المرأة من يزرعها؟
كتب بواسطة سهير أومري
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
2010 مشاهدة
في 25 نوفمبر من عام 1960 أمر ديكتاتور الدومنيكان رافائيل تروخيلو بقتل الأخوات (ميرابال) الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان، الأمر الذي أثار ضجة عارمة حتى كان عام 1981 إذ حدد النشطاء في منظمة «Encuentros» النسائية بأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يوم 25 نوفمبر يوماً لمكافحة العنف ضد المرأة وزيادة الوعي به، وفي 17 ديسمبر 1999 أصبح هذا التاريخ يوماً رسميًا بقرار من الأمم المتحدة.
بالنسبة لمجتمعاتنا العربية فأرقام الإحصائيات التي تطالعنا حول العنف الذي يمارس على المرأة تقول بحسب الأمم المتحدة أن 37% من النساء العربيات تعرضن لبعض أشكال العنف في حياتهن، نسبة لا تبدو دقيقة لسبب مهم، وهو عدم وجود مراكز إحصاء متخصصة محلية في دولنا العربية، وعدم وصول حالات العنف لمرحلة التوثيق بسبب سكوت المرأة ورضاها بالعنف بدافع أمور كثيرة منها: ( الطلاق، انقطاع المصروف، لوم المجتمع لها وتحميلها المسؤولية... إلخ)
وفي يوم مناهضة العنف يعم استنكارُ العنف وسائلَ التواصل، الأمر الذي يطرح سؤالاً هاماً:
إذا كان الجميع يستنكر العنف ضد المرأة ويندد به فمن الذي يصنعه؟
يرى فرويد أن العنف والعدوان عموماً آليّة تعويضيّة يلجأ إليها الإنسان للهروب من الشعور بالعجز، وردُّ فعل ضدّ القلق.
ويرى بعض علماء النفس أنّ سبب العنفَ إحباطٌ ناتجٌ عن التنشئة الأُسَريّة، ويرى فريقٌ ثانٍ أن سببه الظروف الاقتصاديّة، وضغوطِ الحياة اليوميّة. وينسبه فريقٌ ثالث إلى التهميش الاجتماعيّ، بحيث يغدو العنفُ بمثابة "مَخرجٍ تفريغيّ انتقاميّ." ويردّ فريقٌ رابع العنفَ إلى عواملَ ثقافيّة، كرفض تقبّل الحوار، وانخفاض قيمة احترام الآخر، ويركّز فريقٌ آخر على أمور أخرى، مثل دور الإعلام، وأفلام العنف، وغير ذلك.
أما بالنسبة للعنف ضد المرأة في مجتمعاتنا العربية فهل لنا من وقفة نسأل فيها:
من أين يبدأ هذا العنف؟ وهل نحن شركاء فيه؟
هل هو وليد حال نشأنا عليه، فصرنا نمارسه أحياناً ونسكت عنه أحياناً أخرى دون أن نرى أن من الواجب منعه أو إيقافه؟!
يبدأ العنف ضد المرأة من تفاصيل بسيطة يمارسها كثيرون منا لا نلقي لها بالاً إلا أنها تسوغ في عقل الذكر العنف ضد الأنثى ، وترسخ في عقل الأنثى أيضاً قبول هذا العنف والسكوت عليه.. من هذه الأمور :
- استخدامنا لعبارات وألفاظ ترسخ قوة الذكر وضعف الأنثى، وتنسب الصفات الحميدة للذكر وتجعل المرأة درجة ثانية مما يسوغ الاعتداء عليها والعنف ضدها، من ذلك:
* قولنا للطفل إذا تألم أو وقع فبكى أو خاف: ( لا تبكي أنت رجاااال البكي للنسوان الرجّال ما بيبكي الرجّال ما بخاف)
* قولنا للولد إن أخلف وعده أو تقاعس أو جبن على سبيل الشتم والإهانة: (يا حريمة أويا مرة)
* وصفنا لأي بطولة يقوم بها أبناؤنا بـــ (برافووو هلأ صرت رجاااال)
* وصفنا لكلمة الصدق والوعد الحق بـــ (كلام رجال)
* مدح الفتاة إن أثبتت جدارة أو جرأة أو قامت بفعل شجاع بـــــ (أخت رجال)
- التفريق في المحاسبة بين الولد والبنت، وقبول الخطأ من الولد بل غفراننا له ومنحه مساحة واسعة من المسموحات بخلاف البنت، بذريعة ( الرجل ما بعيبه شي) و (الرجل مابعيبه إلا جيبه)
- الأمثال الشعبية التي نؤمن بها ونرددها بين الحين والآخر على مسمع أبنائنا وبناتنا ونتعامل بموجبها معهم مثل:
(ظل رجال ولا ظل الحيط ، الرجال بالبيت رحمة ولو كان فحمة ، الحبس للرجال والبكي للنسوان ، الكذب ملح الرجال ، لما أجاني الولد اشتد ضهري واستند ، هم البنات للممات ، عقربتين ع الحيط ولا بنتين بالبيت ، شاوروهن وخالفوهن (للنساء) ، أم البنت مسنودة بخيط وأم الولد مسنودة بحيط ، البنت يابتسترها يا بتقبرها ، تجوز معلَّقة ولا تتجوز مطلقة ..... إلخ)
- عدم منحنا الحب الكافي للبنت، وعدم تقدير مواهبها وإمكانياتها واقتصار الإشادة بإبداعها على أعمال المنزل، بحيث تنشأ ناقصة الثقة بنفسها محدودة النظر لقدراتها في البناء والعطاء والإبداع، وتجد أن كل عطاء يهبها إياه الرجل هو منحة لا تستحقها، فتقبل العنف منه على أنه أمر طبيبعي .
- عدم تعريف البنت بحقوقها وما يضمنه القانون لها إن وُجِّه لها أي اعتداء جسدي أو لفظي أو جنسي، وعدم تشجيعها على البوح بهذا العنف، فضلاً عن رفضه والإبلاغ عنه خوف الفضيحة أو خشية تعرضها لأذى أكبر.
- حرمان البنت من الميراث (وذلك يكون في كثير من المجتمعات العربية) بحجة عدم ذهاب الثروة ليد الغريب (زوجها)، الأمر الذي يجعلها بحاجة للرجل لينفق عليها، وبالتالي استساغة العنف منه والسكوت عنه لضمان مورد رزقها.
-عدم توفير الحماية للمعنفة، وتحميلها مسؤولية أي عنف يوجه لها وخاصة اللفظي أو الجنسي، وإرجاع ذلك لطريقة لبسها أو سلوكها، على نحو يجعلها تسكت عن أي عنف أو اعتداء يوجه لها، خشية أن يساء لها أكثر بدل أن يعاقَب من أذاها....
- عدم السماح للبنت بالعمل، أو عدم تربيتها على أهمية أن تعمل وتعتمد على نفسها في الإنفاق واعتمادها الكلي على زوجها أو أخيها أو أبيها، الأمر الذي يجعلها في كثير من الأحيان تقبل بكل ما تتعرض له من عنف خشية ألا تجد من ينفق عليها إن اعترضت أو رفضت هذا العنف
- مصادرة رأي البنت ومنعها من حق اختيار ملابسها ودراستها وعملها وشريك حياتها، وفرض رأي الوالدين عليها بطريقة الإجبار لا الإقناع، وصولاً لتزويجها بمن لا تريد أو ترغب، وفي السن الذي يراه ولي أمرها مناسباً.
- نظرة المجتمع لمرتبة القوامة التي أقرها الله سبحانه للرجل على أنها مرتبة تشريف لا مرتبة تكليف ، وأنها حق مكتسب للرجل لا واجب مفروض عليه، وأنها منحة للتحكم والسيطرة وليست مسؤولية عليه أداؤها وسيُسأل عنها.
- اعتقادنا أن قوله سبحانه ( وليس الذكر كالأنثى) إقرار منه سبحانه بتفضيل الذكر على الأنثى ، بينما جاءت هذه الآية على لسان امرأة عمران عندما نذرت ما في بطنها محرراً لله تعالى ، وعندما أنجبت مريم رأت أن الذكر ليس كالأنثى في خدمة بيت الله، فقالت هذه العبارة، وليس فيها إقرار منه سبحانه لتفضيل الذكر على الأنثى
- اعتقادنا أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث هو رفع له وإنقاص لها، دون أن نعي أن هناك 4 حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل ، وأكثر من 30 حالة ترث فيها المرآة مثل الرجل تماما، وهناك 10 حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، مع العلم أن الشرع الذي يورث الرجل ضعف المرأة في الحالة ذاتها يوجب على الرجل الإنفاق على المرأة، أي أن المرأة تأخذ نصف ما يأخذ الرجل في الميراث، وتأخذ فوقها نفقتها كاملة من الرجل ذاته فمن الرابح إذاً؟..
- اعتقادنا أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، دون أن نعلم أن ذلك في حالة واحدة فقط من حالات الشهادة، بينما تتساوي شهادة المرأة في حالات أخرى مع الرجل، بل أن شهادتها وحدها تكون كافية في بعض الحالات.
على سبيل المثال: شهادة المرأة وحدها تقبل في هلال رمضان شأنها شأن الرجل. وتستوي شهادة المرأة مع شهادة الرجل في الملاعنة. كما أن شهادة المرأة وحدها تُقبل في الأمور الخاصة بالنساء.
مع العلم أن القضايا المالية لا تقبل فيها شهادة رجل واحد، بل يطلب فيها شهادة رجلين دون أن يكون ذلك انتقاصاً للرجل ، بينما في أمور النسب والولادة والرضاع يقبل فيها شهادة امرأة واحدة...
هذه بعض الأمور التي تضعنا جميعاً - رجالاً ونساء - تحت دائرة الضوء لنسأل أنفسنا إن كان لنا دور في العنف الممارس ضد المرأة؟ كما ترسم لنا أبعاد الطريق لتربية جيل نحلم أن يكون أهلاً لمستقبل يحفل أبناؤه بالسلام، ويكون الرجال فيه مكملين للنساء، دون أن يكون هناك انتقاص لأحد أو عنف اتجاه أحد...
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخرٌ للهلالِ
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة