راما ماهر الشجراوي أردنية، من أصول فلسطينية كاتبة للخواطر والمقالات، ومدونة في الجزيرة، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية وآدابها وتعمل في مجال التعليم
التغطية مستمرة... لكن الأرواح غادرت

سأكتب وسأحاول نسج من كلماتي سيفًا يقطع كل تلك الأفكار المتراكمة. التغطية مستمرة، ولكنهم يلاحقون الحقيقة لإسكاتها. يخمدون لهيب الحق كلما سنحت لهم الفرصة. تكالبوا على بقعة أرض صغيرة، وعلى أرواح بريئة، وعلى أحلام ضائعة.
رحلوا وظلت التغطية مستمرة، مستمرة بين الأشلاء والدماء والصراخ والبكاء والجوع والعطش و... الخذلان. أين نحن منهم، وأين هم من العالم؟
بكينا إسماعيل وابن الدحدوح، وقبلهم شيرين، واليوم نبكي أنس وقريقع، ولا نعلم من سنبكي بعدهم!
من كان ينقل الخبر بصراخ وبكاء، وصوته يشوبه رجفة التعب والهزلان، والهدوء في مرات معدودة ومزاح خفيف في لحظات سارقة للبهجة، رحل. ورحلت معه كل عبارات العتاب وشعور الثقل والتعب. طلب الراحة، فكانت له أبدية لا رجوع فيها ولا مقاومة للتعب والمواصلة.
كنا لا نأخذ الخبر اليقين إلّا منه، والآن أصبحنا ننتظر الخبر بحزنٍ شنيع، بعقولٍ ليست مصدقة، وقلوب تدعو له بالرحمة. نواسي أنفسنا بأنه قد أصبح في مكان أفضل عند الله الرحيم الحكيم.
الرثاء تعدد، والكلمات كُتبت في حقهم، والصور امتلأت في أرجاء المواقع، ولكن المعتاد عاد. يومين والحزن يخيم فوق رؤوسنا، ثم سنعود كما السابق إلى الاعتياد والسكوت.
الجموع اجتمعت، والدموع سبقت الهتافات. تراكضوا خلف جثمانه ملوحين له للمرة الأخيرة. فالحمل على الأكتاف كان ثقيلاً في الحزن، خفيفًا في الوزن، والوداع كان صعبًا ومريرًا.
أما نحن هنا في مكاننا هذا، فقد تسمَّرنا من الأحداث وهول الصدمات. دموعنا باتت تسيل بسلاسة غير معهودة، غير مدركين ماهيتها. هل نبكي عليهم أم نبكي على الآلاف الآخرين؟
لم نعد نسأل إلى متى، فليس لهذا السؤال جواب! سكوتنا أحرق الجثث وبتر الأطراف، وجوّع الأطفال وثكل الأمهات... وماذا بعد، لا ندري.
كم من خنساء هناك! كم من يتيم هناك! كم من بلا مأوى هناك! الأعداد في تزايد، ونحن فقط نقرأ بصمت. نحاول إبعاد أنفسنا عن الأخبار كي لا نفسد يومنا بالكدر والحزن واليأس. وهناك يواجهون كل أنواع الموت لحظة بلحظة.
الكلام انتهى، والكلمات باتت هاربة، والنقاط على الحروف ذبلت. فلا داعي لاصطفاف الكلمات دون جدوى، فالمشهد واضح، ولكن الخلل فينا نحن.
فلتنم الآن يا أبا صلاح قرير العين، أنت ومن معك. لقد ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت أجركم إن شاء الله.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
التغطية مستمرة... لكن الأرواح غادرت
سر الثبات في الحياة وعند الممات
بذور الحقول المعجميّة في التّراث العربيّ
نهايات وعبر لأراذل بني البشر
مطبخ السياسة .. ومنهج القرآن في السياسة الشرعية.. الجزء الثاني