حقوق الأبناء على الآباء
الأولاد قرّة عين الإنسان في حياته وبهجته في عمره، وأنسه في عيشه، بهم تحلو الحياة، وعليهم بعد الله تعلّق الآمال، وببركتهم يستجلب الرزق، وتتنزّل الرحمة، ويضاعف الأجر.
بيد أنّ هذا كله منوط بحسن تربية الأولاد، وتنشئتهم النشأة الصالحة التي تجعل منهم عناصر خير، وعوامل برّ، ومصادر سعادة. فإن توافر للإنسان في أولاده هذا كله كانوا بحقّ زينة الحياة الدنيا، كما وصفهم الله عزّ وجلّ بقوله:﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾.
أما إذا غفل الوالدان عن تربية الأولاد وتوجيههم لما فيه خير دينهم ومستقبلهم كانوا بلاءً ونكداً وعنتاً وشقاءً وهمّاً وغمّا، وليس للوالدين بعد ذلك أن يسألا: لماذا يتصرف أولادنا هكذا؟ أو لماذا يعقّونا؟ وصلى الله وسلم على نبينا الحكيم إذ يقول:"رحم الله والداً أعان ولده على برِه" رواه ابن حبّان.
فحقوق الولد عظيمة الأهمية والخطورة وعلى الوالدين مراعاتها، وفيما يلي أهمها:
1- حسن اختيار الزوجة الصالحة:
من حق الولد على أبيه أن يحسن اختيار أمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: "تخيّروا لنطفكم".
2- حسن اختيار اسم ولده:
لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنّكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم"، وقال أيضاً: "من حقِ الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه" رواه البيهقي.
3- تطبيق سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم في المولود:
فيؤذّن له في أذنه اليمنى لقوله صلى الله عليه وسلم: "افتحوا على صبيانكم أوّل كلمة بلا إله إلاّ الله" رواه الحاكم. ويعقّ عنه ويطعم من الشاة الذي ذبحها لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلُ غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمّى فيه ويحلق رأسه" رواه أبو داود والتِرمذيّ والنَسائيّ.
4- حقّ التربية والتعليم والرعاية:
أ- غرس آداب الإسلام وتعاليمه في نفسه:
فعندما يشبّ تدريجياً على الوالدين غرس آداب الإسلام وتعاليمه في نفس ولدهما حتى إذا أتمّ سبع سنين قمرية من عمره علّماه الصلاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أدِبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبِ نبيّكم، وحبِ آل بيته، وتلاوة القرآن" رواه الطبراني، وقال أيضاً:"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرِقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود والحاكم.
وهذا يعني أنّ على المسلم الواعي أن يدرك عظم مسؤوليته تجاه أولاده حين يسمع صوت القرآن يحذِره قائلاً: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة﴾. وحين يسمع قول نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راعﹴ وكلكم مسؤول عن رعيّته".
ب- الرعاية:
وإنّ من أولى واجباته الأبوية أن يشعرهم بالرحمة والحنان والعطف والحب، لينشأوا نشأة صحيحة، تعمر قلوبهم الثقة، ويشيع في نفوسهم الصفاء، ويغمر أخيلتهم التفاؤل. والرحمة خلق إسلامي أصيل، فقد كان من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله الرفيعة. وكان من أقواله التربويّة الخالدة: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا".
ت- مراقبة سلوكهم وتوجُهاتهم:
والوالد الفطن مفتّح العينين على أولاده، يعرف ما يقرأون وما يكتبون، ويعرف هواياتهم التي اختاروها لأنفسهم، ويراقبهم من حيث لا يشعرون، ويعرف رفاقهم الذين يلازمونهم، أو يقضون معهم معظم الأوقات، ويعرف الأماكن التي يرتادها أولاده في أوقات فراغهم، فإذا وجد انحرافاً منهم في شيء من الذي ذكرناه ردّهم إلى الجادّة برفقﹴ وحكمة وحزم، وسدّدهم إلى الصواب بلباقة وإقناعﹴ وجدّ.
ث- حسن استخدام الوسائل التربوية:
فعلى الوالد- وأعني بالوالد كلاً من الوالدين: الأب والأم- أن يدرك نفسيات أطفاله، فيحسن التأتّي إليها، والتوغُل في عوالمها البريئة، مستخدماً في سبيل صياغتها وتوجيهها أبرع الأساليب. كأن يتقرّب إليهم بشتّى الوسائل المحبّبة إلى نفسياتهم ويراعي في ذلك مستواهم العقليّ والزمنيّ، فيلاعبهم، ويجاملهم، ويمازحهم...
وعليه أن يغرس فيهم الأخلاق العالية من حبٍ للآخرين، وحدبﹴ على الضعفاء، وصلة للأرحام، واحترامﹴ للكبير، ورحمةﹴ للصغير، وارتياحﹴ لفعل الخير، ورغبةﹴ في إشاعة العدل بين الناس، وما إلى ذلك من مكارم الأخلاق.
5- الإنفاق:
ينفق عليهم بسخاء وطيب نفس. بل إنّ الإسلام ليجعل النفقة على الأهل والعيال أفضل وجوه النفقة وأعظمها أجراً، ونرى مصداق ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينارٌ أنفقته في رقبة، ودينارٌ تصدّقت به على مسكين، ودينارٌ أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".
6- عدم التفريق بين البنين والبنات في المعاملة:
وقد يضيق بعض الناس ذرعاً بالبنات، ويتمنّون لو أنّ الله ما رزقهم سوى الصبيان!... فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لهؤلاء: "من كان له ثلاث بناتﹴ، فصبر عليهنّ، وأطعمهنّ، وسقاهنّ، وكساهنّ من جدته، كنّ له حجاباً من النار يوم القيامة".
7- المساواة بينهم:
قال عليه الصلاة والسلام: "ساووا بين أولادكم في العطيّة". فمن الأساليب الحكيمة في تربية الأبناء، التسوية بينهم، وعدم تفضيل أحدهم على الآخر في الأمور كلها، ذلك أنّ الولد الذي يشعر بالمساواة والعدل بينه وبين إخوته ينشأ صحيح النفس، بريئاً من عقد النَقص، لا يحقد على إخوته، ولا يأكل قلبه الحسد. بل يشيع في نفسه الرضا والتسامح والبرّ وحبّ الغير.
وهكذا بدهيٌ في كلّ أسرة تربّت على مبادئ الإسلام، وتأدّبت بآداب القرآن، أن تكون لبنة بناءة في تشييد صروح المجتمع الإسلامي. وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:﴿صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة﴾[البقرة: 138].
العدد الخامس عشر: ربيع الأول 1417 = تموز وآب 1996م
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة