نظرة عامة في مشكلات الكيان الإنساني وعلاجها ـ الجزء الأول
مُشكلات المَرأة نموذجًا
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وبعد؛
ينقسم التكوين الإنسانيّ بين فرد وجماعة، ويتنوّع الفرد بين ذكر وأنثى.. وتنقسم الجماعة وتتدرّج؛ من الأسرة، التي هي بمثابة القاعدة والأساس لبناء الجماعة، إلى المُجتمع الكبير، الذي يضمّ مؤسّسات متنوّعة المَجالات والاهتمامات، والاختصاصات.. وكلُّها تشترك وتتعاون في بناء المُجتمع وقيامه ونهضته.. والتداخل ظاهر بين هذه العناصر المُتنوّعة تأثّرًا وتأثيرًا، كما أنّ تنظيم العلاقة بينها أمر لا بدَّ منه بالبداهة...
ويبدأ تنظيم العلاقة من الذكر والأنثى، إذ بهما بقاء النوع الإنسانيّ...
وهذا التنظيم إمّا أن يترك للإنسان أن يقوم به كما يشاء، وهذا يعني أن يتخبَّط الإنسان جيلًا بعد جيل، في صراعات مختلفة، ويدفع مرارة تجاربه المُتعثّرة، من أمْنِه واستقراره، وسعادته وهدوء باله، حتّى يصل إلى شيء من الصواب، وقد لا يصل..
وإمّا أن يعود هذا التنظيم لعلاقات الإنسان كلِّها إلى الله عزّ وجلّ، الذي خلق الإنسان، وهو أعلم بمن خلق، وما يصلحه وما يسعده: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}[المُلك:14] .
وتدور هذه المَقالةُ التي خصّصنا الحديث فيها عن المَرأة على ثلاثة أسئلة:
(1) أين تكمن المُشكلة في قضايا المَرأة.؟
(2) ومَن المَسؤول عنها.؟
(3) ومِن أين نبدأ في علاجها في المَنهج الإسلاميّ.؟
أوّلًا: أين تَكمُنُ المُشكلة في قضايا المَرأة.؟
تَكمُنُ المُشكلة في ثلاثة جوانب أو أسباب:
1ـ في تجزيئها، والطرح الأبتر لها، وعزلها عن صلتها بالمَنهج وعلاقتها به، وعزلها كذلك عن مكوّناتها المُؤثِّرة ومحيطها.. وما في ذلك من خلل وتلبيس.؟
2 ـ وفي الغرق في مظاهر المُشكلة وأعراض الداء، ( الذي هو المُشكلة الحقيقيّة )، وعدم الحديث عن الدواء إلاّ قليلًا وعَرَضًا، وبما لا يتناسب مع أهمّيّته ووزنه النوعيّ..
3 ـ وفي الانهزام أمام الغزو الفكريّ، والانجرار إلى مخطّط أعداء الأمّة، والدائرة التي يريد جرّنا إليها، وعدم تفهّم المَنهج الإسلاميّ والانطلاق منه..
4ـ ويضاف إلى ذلك أمر رابع: عدم وضع عقلاء المُجتمع ومَسؤولوه ونخبه نظامًا بديلًا عن عوج النظام القائم وعجزه، واستلابه وراء الغرب وعوج منهجه..
والأمور الثلاثة الأولى تعود إلى المُتصدّين للمُشكلة، وهم ليسوا أهلًا للحديث عنها.. عدوانًا ، أو جهلًا وضعف وعي.. فنحن أمام إساءات متعمّدة، من مُتغرّب مُتنكّر لمَنهجه، أو إساءات ممّن يدّعي الإحسان والإصلاح، فهو من نوع الصديق الجاهل، الذي يسيء أكثر ممّا يحسن..
والنتيجة واحدة.. وهي أنّ المُجتمع أصبح يدور في حلقة مفرغة، أو تيه من المُشكلات المُستعصية، يُبدئ فيها ويعيد، ولا يستطيع الخروج منها، إلاّ إلى ما هو أسوأ..
فأين تكمن مُشكلة المَرأة من ذلك.؟! هل المُشكلة في الطلاق.؟ أم في تعدُّد الزوجات.؟ أم في خروج المَرأة للعمل.؟ وحقّها في العمل.؟ أم في أم في نظام المِيراث.؟ أم في تسلّط الرجل أو قوامة الرجل..؟ أم في ولاية الرجل على المَرأة.؟ أم في حقّها في العمل السياسيّ.؟! أم في حجاب المَرأة.؟ أم في اختلاطها بالرجال.؟
والقائمة تطول ولا تنتهي، وهي مرشّحة للزيادة بلا حدود، ويتمادى الغارقون في هذه المُشكلات إلى درجة تصريح بعضهم بتحريف كتاب الله تعالى، أو رفضه مطلقًا.. والعدوان على السُنَّة، بل ورفضها جملةً وتفصيلًا..
ومن باب أولى رفض فقه الأئمّة واجتهاداتهم، واتّهامهم بأسوأ الاتّهامات، ممّا لا يلتقي مع شيء من المَوضوعيّة العلميّة، وسمت العلماء وآدابهم، أو الغيرة على كيان الأمّة وهوّيّتها..
ومُشكلتنا أنّنا نقف عند أعراض المَرض، معزولة عن المَرض، ونترك المَرض نفسه، ولا نلتفت إليه..
ومشكلتنا أيضًا في أولئك الطيّبين، قاصري الفهم، الذين يُستجَرّون دائمًا وراء صغائر الأمور وجزئيّاتها، ويلعب بهم العدوّ من أمر إلى آخر في قائمة تطول ولا تنتهي، وفي حلقة مفرغة لا يدرون أين طرفاها..؟
وهناك فرق كبير بين أن تدرس أيّة مشكلة في ضوء المَنهج وإطاره، وبين أن تؤخذ مَعزولة عنه، وتضخّم، لتكون وسيلة لهدم المَنهج والخروج عنه..
(2) والسؤال الثاني: فمَن المَسؤول عن هذا التخبّط والضياع، الذي أمضت الأمّة فيه قرنًا من الزمن.؟
إنّ المَسؤول هو المُجتمع كلّه؛ بكلّ أفراده من رجال ونساء.. وبكلّ فئاته ونخبه.. كلّ على حسب موقعه ومسؤوليّته.. ومسؤوليّة نخب المُجتمع العلميّة والفكريّة والقياديّة، وعلماء الأمّة ودعاتها ولا شكّ هي أكبر وأخطر..
إنّ مُشكلتنا الكبرى في الإنسانِ المُتخَلّف عن الإسلام؛ ذكرًا كان أو أنثى...
وفي الخائن المُؤتمن عَلى الأمّة، وعلى النظام الإسلاميّ، الذي لا يقيمه على الناس، ويستجرّ الأمّة إلى التبعيّة العمياء، والاستلاب الحضاريّ، الذي يسعى إليه الغرب بكلّ قواه..
ومُشكلتنا الكبرى أيضًا في ضياع البوصلة عند أكثر الناس عن الحقّ.. والاستجابة لتسويلاتِ شياطين الأرض، وضخّ الإعلام الهائل المُضلّل، الذي يزيّن الباطل، ويجعل المُعروف مُنكرًا، والمُنكر معروفًا..
وتتسلسل الخيانة بين الخائن والمَخُون؛ فالمَخُون خائن لمَن دونه وهكذا.. ولا ينكر الفرق بين المَخُون الذي يَعلمُ، أو المَخُون المُغفّل، صاحب التبعيّة العمياء، وإن كان هؤلاء من حيث النتيجة سواء..
وتبدأ المُشكلة باصطناع الصراع بين الرجل والمَرأة على أنّه أمر قائم حتم لا مناص من الاعتراف به، ويجري النفخ فيه وتضخيمه، وتفسير كلّ مشكلات الأمّة من خلاله..
وهناك فرق كبير بين أن نجعل الرجل جزءًا من الحلّ وعونًا عليه.. وبين أن نقيم الصراع حصرًا بينه وبين المَرأة، ونجعل منه خَصمًا وعدوًّا لها.. فيصبح الإنسان عدوًّا للإنسان.. أو عدوّ نفسه بالأصحّ.. وكذلك نجعل من المُجتمع كلّه خَصمًا وعدوًّا لها..
وهذا ما فعله الغرب كجزء من استراتيجيّته الفكريّة والإعلاميّة، فاستطاع أن يستجرّ الأمّة إلى فلسفته في الحياة، وهي الصراع في كلّ شيء.. ومع كلّ شيء.. وبين كلّ المَوجودات.. ومعلوم أنّ الصراع لا يقف عند حدّ، ويفسد كلّ علاقة..
فالإنسان الغربيّ صنع حضارته المَادّيّة، التي تُؤَلِّه الإنسان، وتجعله ندًّا لله.. ثمّ كان هو أوّل الأشقياء بفلسفتها الضالّة، وأوّل ضحاياها، ويريد أن يصدّر ذلك للعالم كلّه، ليدور في فلكه، ويحكم السيطرة عليه.. ويدخل في جحر الضبّ الذي يدخله..
إنّ جوهر القضيّة بين الفكر الإسلاميّ والفكر الغربيّ فيما يقرّر الدكتور عبد الوهاب المَسيريّ رحمه الله: أنّ علمانيّةَ العلوم الغربيّة عملت على فصل العلوم عن القِيَمِ، وسحب الأشياء من عالم الإنسان وقيمه، ووضعها في عالم الأشياء ومادّيّتها وجمودها.. ثمّ انتهت بسحب الإنسان من عالم الإنسان، ووضعه في عالم الأشياء.
يُتبَع...
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة