صوت الطلاب: سلاح الاحتجاج السلمي في صنع التغيير
في أواخر الستّينيّات وأوائل السبعينيّات من القرن الماضي، شهدت الولايات المتَّحدة حركة احتجاجيَّة طلابيَّة ضخمة ضدَّ حرب فيتنام. هذه الحركة لعبت دورًا محوريًّا في إنهاء هذا الصراع المأساوي، حيث نجحت في تعبئة الرأي العام الأميركي ضدَّ الحرب بشكل غير مسبوق.
عبر التظاهرات والمسيرات الحاشدة، جَنَّدَ الطلاب الملايين من المواطنين لرفض استمرار الحرب، ممّا أضعف شرعيَّتها وجعل الرأي العام ينقلب ضدَّها. كما شكَّلت هذه الاحتجاجات ضغطًا سياسيًّا هائلًا على إدارتي الرئيسين جونسون ونيكسون، ممّا اضطرهما للاستجابة لهذه المظاهرات العملاقة ومراجعة موقفهما من الحرب.
من خلال تسليط الضوء على الدمار والخسائر البشريَّة الفادحة الناجمة عن الحرب، نجح الطلّاب في تصوير حرب فيتنام كحرب غير أخلاقيَّة وغير مُبرَّرة. هذا المنظور الأخلاقي ساهم في كسب التأييد الجماهيري لإنهاء الحرب وإدانتها من منظور قيمي.
تحت وطأة هذا الضغط الجماهيري الهائل، بدأت حتّى المؤسَّسة العسكريَّة نفسها بالتشكيك في جدوى استمرار الحرب، حيث شكَّك بعض القادة العسكريّين في المنطق وراء الحملة العسكريَّة، ممّا أضعف دعمها داخل الجيش ذاته. علاوة على ذلك، سلَّطت احتجاجاتُ الطلاب الضوءَ على التكاليف الاقتصاديَّة الباهظة للحرب، ممّا ساعد في إقناع صناع القرار بضرورة إنهاء هذه الحملة المكلفة للغاية والتي لا تبرّر استمراريتها.
بفضل هذه العوامل، نجحت احتجاجات الطلّاب في خلق ديناميكيَّة جماهيريَّة وسياسيَّة وأخلاقيَّة جعلت من المستحيل على الإدارة الأميركيَّة آنذاك الاستمرار في حرب فيتنام.
واليوم، يُظهر التاريخ تناغمًا مذهلًا في تكرار بعض السيناريوهات والوقائع. فالاحتجاجات المؤيِّدة لفلسطين تهزُّ جامعات أميركا، ومظاهرات طلابيَّة تضامنًا مع الفلسطينيّين وتنديدًا بالحرب الإسرائيليَّة على غزَّة تبدأ في الظهور والازدياد في المعاهد في باريس، والدول العربيَّة وصوت الطلّاب يبدأ في الارتفاع.
فهل ستنجح هذه الاحتجاجات في بناء حركات اجتماعيَّة وتأثير على صنّاع القرار والسياسات والتوعية وتشكيل الرأي العام، وتكون سببًا من أسباب إيقاف الحرب في غزَّة؟ وهل يمكن للطلّاب تغيير مسار التاريخ مرَّة أخرى مثل الحدث المشابه في حرب فيتنام؟
لقد أثبتت تجربة احتجاجات الطلّاب والشعب ضدَّ حرب فيتنام بجلاء قوَّة الاحتجاج السلمي والضغط الجماهيري في التأثير على السياسات الحكوميَّة والقرارات التاريخيَّة الكبرى. فقد أظهرت هذه الحركة أنّ صوت الشعب، إذا اتَّحد ونظَّم نفسه بشكل فعّال، يمكن أن يهزَّ أركان السلطة ويغيِّر مجرى الأحداث.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة