نقطة تحوّل
هرع عزّام إلى سريره وجلس منتظراً أمه، فقد وعدته أن تقصّ عليه قصةً قبل النّوم إن أنهى دروسه بإتقانٍ وصعد إلى السرير قبل الثّامنة والنّصف.
"كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك حاكمٌ يحكمُ البلدان، وكان هذا الحاكم متقلّب الأحوال، فتارةً تراهُ يحسن الإدارة ويسهر على تحقيق مصالح الناس، ثمّ يهمل كل ذلك وينصرف إلى التّقصير والإهمال أطواراً أخرى على الرّغم من نصائح وزيره الحكيم المستمرّة له. مرّت سنواتٌ على هذه الحال، ثم جاء شهرُ رمضان الكريم فخاطب الحاكمُ نفسه قائلاً: "لقد هَلَّ هلالُ هذا الشهر الكريم وصفّدت الشياطين، فإن كان الشّيطان اللّعين هو من يمنعني من أن أكون حاكماً عادلاً فإنّه قد رحل، وآن الأوانُ لأعود إلى رشدي وأحكم كما يحبُّ الله ويرضى، ما أجملها من بدايةٍ في هذا الشّهرِ الفضيل".
وفعلاً، بدأ الحاكم بتنفيد الوعد الذي قطعه على نفسه. وكخطوةٍ أولى، نَزَلَ إلى الأسواقِ متخفِّياً، فهالهُ ما رأى من فقرٍ وجوعٍ وفسادٍ واحتكارٍ، فعادَ إلى قصره مهموماً كمِداً، وقرّرَ أن يتصرّف حِيالَ ذلك. وفي اليوم التالي أمر بإقامة إفطارٍ جماعيٍّ من ماله الخاصّ في ساحة المدينة. وقبيل الغروب تهافت الفقراء والمشرّدون إلى الساحة، فأكلوا حتى شبعوا فشكروا الله على نِعَمِهِ ودعوا للحاكم بطول العمر والهناء. وعندما وجدَ الحاكم أنّ الفكرة ناجحة، أمر بأن تدوم هذه الإفطارات طيلة أيام الشّهر الفضيل.
كما أنّ الحاكم أصبح من روّاد المساجد بعد أن توقّدت حماسته الإيمانية، وقرّر أن يرتاد في كلّ يومٍ مسجداً حتى يوف عليها كلّّها، وعندما شاهد الأوضاع المتردّية للكثير من المساجد القديمة، قرر أن يرمّمها على نفقته الخاصّة أيضاً. شعَرَ الحاكم بالارتياح عند قيامه بهذه الإصلاحات فقال في نفسه: "لقد أذاقني الصّيام معنى الجوع فالحمد لله الذي قدّرني على إطعام الجياع". ولم يكتفِ الحاكم بهذا، بل داوم على تلاوة القرآن أيضاً، فرقَّ قلبه وخَشَعَ، وسَمَتْ أخلاقه حتى صار مَضْرِبَ الأمثال في الورع والصَّلاح.
مرّ الشّهر الفضيل واحتفل المسلمون بالعيد، وأقيمت احتفالاتٌ لا مثيل لها. وبعد أن انتهى العيد بدأ الحاكم يعود تدريجيّاً إلى ما كان عليه قبل رمضان. فأمسى المساكين جياعاً وعاد الفساد ليطغى على البلاد والعباد. أحسَّ الوزير الحكيم بهذا التّحول المظلم فخاطب الحاكم: "إن حالكم هذا يخالف ما عهدناكم عليه في رمضان." أجاب الحاكم بنبرةٍ ممزوجةٍ بالأسى: "أعلم... لقد عاد الشّيطان!".
وهنا انفجر عزّام ضاحكاً ثمّ قال: "أَهوَ طفلٌ صغيرٌ ليقول هذا الكلام؟! الشّيطان قد يوسوس لنا ولكنه لا يُملي علينا الأوامر!"، أجابت الأم: "هذا صحيح يا بنيّ! فعلينا ألا ننقطع عن الطاعات بعد شهر رمضان بحُجة أنّ الشّيطان يمنعنا. ثمّ قال عزّام: "لا تقلقي يا أمي، لن أكون مثل الحاكم، فغداً بإذن الله سيبدأ رمضان، سيكون نقطة تحوّل في حياتي بإذن الله وليس فقط محطّة نجاح عابرة". ابتسمت الأمّ وقالت: "حماك الله يا بنيّ وجعلك قرّة عيني، فإذاً ستستمر بتلاوة القرآن حتى بعد انتهاء رمضان؟"، أجاب عزّام وقد غالبَه النُّعاس: "بالتأكيد بإذن الله، حتى إنني سأداوم على صلاة التّراويح دائماً!. ضحكت الأمّ وقالت: "إلا هذه، فصلاة التراويح خاصّة لرمضان... نَمْ يا عزيزي كي تستيقظ للسّحور، فإن في السحور بركة".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن