كعب بن مالك شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو أبو عبد الله كعب بن مالك الأنصاريّ الخزرجيّ، كان شاعراً في الجاهلية، أسلم في الخامسة والعشرين من عمره، وكان من أوائل الأنصار في المدينة، إذ بايع الرسول الكريم في بيعة العقبة الثانية، وكما حارب أعداء الله بلسانه، ودافع عن الرسول بشعره، فقد جاهد بسيفه وشهد الوقائع كلَها مع الرسول الكريم، حتى شهد له الرسول صلى الله عليه وسلمبقوله:"أنت تحسن صناعة الحرب"، ولم يتخلّف إلاّ عن (بدر وتبوك) وقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك في حرٍ شديد، وتخلّف كعب بن مالك ضمن بضعة وثمانين رجلاً، رغم أنه كان قادراً. أما في معركة (أحد) فقد أبلى بلاء حسناً مع قومه وجرح يومئذ بضعة عشر جرحاً.
لما عرف كعب بن مالك أن رسول الله توجه عائداً من تبوك، أخذ يبحث كيف يخرج من سخط الرسول الكريم عليه، بسبب تخلّفه عن غزوة تبوك، ودخل المسجد وجلس بين يدي الرسول الكريم، وقد قرر أن يكون صادقاً لا ينتحل لنفسه عذراً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قال: يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، وقد أعطيت جدلاً (أي: فصاحةً وقوة حجة) ولكني والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنَ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه (أي: لا ترضى به عليّ) إني لأرجو فيه عقبى الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قطُ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك!! فقال الرسول الكريم: أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك.
فسار بعيداً يؤنّبه الناس على عدم اعتذاره للرسول الكريم بأيِ عذر، وكاد يفعل ذلك، ولكنه عرف أن اثنين من الذين شهدوا غزوة بدر قالا للرسول مثلما قال هو، وكانا صادقين معه، وهما: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، فقرّر الثبات على موقفه.
ثم نهى الرسول الكريم المسلمين عن التحدث مع هؤلاء الثلاثة المتخلِفين، فاجتنبهم الناس وتغيّروا لهم، ولبثوا في ذلك (خمسين ليلة) ينتظرون قضاء الله فيهم، وقد تنكَرت لهم الأرض ومن عليها.
بعد مضيِ أربعين ليلة من الخمسين جاء رسول من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبلغ كعباً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يعتزل امرأته، فسأله: أيطلِقها؟ فقال:"لا بل اعتزلها ولا تقربها". ولبث كعب وصاحباه عشر ليال أخرى، فكمل لهم خمسون ليلة منذ نهى الرسول عن كلامهم، ثم صلى كعب الفجر صباح الليلة الخمسين على ظهر بيته، وبينما هو جالس وقد ضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، سمع صوتاً يصرخ من على جبل مجاور بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فسجد لله وعرف أن قد جاءه الفرج، وأخبر الرسول الكريم الناس بتوبة الله على كعب وصاحبيه، ودخل كعب المسجد وسلّم على الرسول الكريم وقال له صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور:"أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك"... قال كعب: أمن عند الله يا رسول الله، أم من عندك؟ قال:"بل من عند الله"... فابتهج كعب وأخذ يرتّل في خشوع، ودموعه تغمر خدَيه، آيات توبة الله عليهم، قال تعالى:﴿وعلى الثلاثة الذين خلِفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم نفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم﴾[التوبة: 118].
... ويلتحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، ويرثيه كعب رضي الله عنه بأبيات صلى الله عليه وسلم من الشعر:
فجعنا بخير الناس حياً وميّتاً وأدناه من ربِ البرية مقعدا
وأفظعهم فقداً على كلّ مسلم وأعظمهم في الناس كلِهم يدا
إذا كان منه القول كان موفَقاً وغن كان حياً كان نوراً مجدَداً
وقد توفي في خلافة معاوية- رضي الله عنهما- سنة إحدى وخمسين للهجرة. رحمه الله وفي جنات الخلد آواه.
صبحي.ا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن