طفلتي ذات السنوات الخمس تعلقت بابن الجيران
وصَلني هذا السؤال:
بنتي عمرها خمس سنوات، وهي شخصية هادئة وحذرة، لا تثق بالناس سريعًا، وتعتمد على الناس الذين تعرفهم من قبل، والذين تربطنا بهم علاقةٌ وثيقة من الصداقة أو القرابة، وهي تحب الرسم والتلوين ومداعبة الحيوانات الأليفة، والمشكلة أن ابنتي ارتبطت بابن جارنا الذي يرافقها كل يوم إلى المدرسة ويشاركها في الصف والشعبة، وهم من عائلة متحرِّرة.
وقد قام الصبي الصغير بمعانقة بنتي وتقبيلها، وعلمتُ أنا بهذه الحادثة بالصدفة، ولكني كنت أوجِّهها من قبل بأن البنات غير الصبيان، ولهم طبيعة خاصة، ولا يجب عليهن أن يسمحْنَ للأولاد أن يعانقوهن أو يُقبِّلوهن.
واليومَ أوصلتُها للمدرسة كعادتي، فلما دخلنا الصفَّ ولم تجد ابن جيراننا، صارت تبكي بكاء هستيريًّا وتصرخ، وصارت تتضرع إليَّ ألا أتركها وهي تعلم جيدًا أني سوف أتأخر على موعد عملي، وقد أتعرض لمشكلة؛ ولكني جلستُ معها حتى هدأتْ.
وعلمتُ من معلِّمة الصف أن بنتي تعتمد على ابن الجيران في كل شيء (حتى في الإجابة عن أسئلة المعلمة)، وتكتفي به ولا تكوِّن صداقات مع أي أحد، وقد حاولَتِ المعلمةُ فصلهما في المقاعد؛ ولكنها تراجعتْ بعد أن رأت حزن بنتي وبكاءها المستمر، وقالت: إن بنتي أمهر منه أكاديميًّا؛ ولكنه متفوق عليها اجتماعيًّا.
أرجو المشورة تجاه هذه الأمور:
أولاً: أريد توجيهاتك للطريقة السليمة لمعالجة الموقف (التقبيل والعناق).
ثانيًا: كيف أعلِّمُ بنتي ثقافةَ التعامل مع الجنس الآخر بشكل عام؟ وكيف أُفهِمُها طبيعة الفرق بين الجنسين، وما هو مسموح وما هو غير مسموح؟
ثالثًا: كيف أقوِّي شخصيتها، وأجعلها تعتمد على نفسها، وتثق بحالها، وتحاول تكوين صداقات جديدة (فهي تكره التجمعات الكبيرة، وتخاف ولا تشارك الصغار اللعب)؟
والجواب:
شخصية بنتك جميلة جدًّا، وهي تناسب الحياة الصعبة التي نعيشها هذه الأيام، فحذرُها من الغرباء سوف يحميها - بإذن الله - من أن يضحكوا عليها أو يغرِّروا بها - لا سمح الله - ولكن هذه الميزة الكبيرة هي التي جاءتْك بالمشكلة!
1- فعدمُ وثوقِها بالغرباء زاد تعلُّقَها بمن تعرفهم، وأصبحت تحتاج لشخص تطمئنُّ إلى وجوده، وتستعين به على الحياة وأنت بعيدة عنها، فتعلقتْ بابنِ الجيران.
ولكن لا تقلقي أبدًا؛ لأنها مشكلة عابرةٌ وصغيرة، وابنتك طفلة وهو طفل، وما حدث ليس سوى تقليدٍ أعمى وعملٍ طفولي، وسينساه هو وتنساه هي، وكثير من الأمهات والعائلات يتقرَّبون من أولادهم بقُبلة الفم، ويجدونها سلوكًا طبيعيًّا!
2- وإن شاء الله ستُحل الأمور بكل سهولة: ابنتك تحب أن يقودها أحدٌ، وتبحث عن ثقة تتخذه مستشارًا لها، ولما رأتْ ثقتك بأم الولد ومعرفتك به، وضعتْ ثقتها فيه، وصارت تستمد منه القوة.
الطريقة السليمة لهذا عدمُ التبكير بوضع الصغار في المدارس، وقد أثبتت دراسة حديثة جدًّا جدًّا أن وضع الصغار بالمدرسة قبل سن السابعة، يسبِّب لهم الحرمان العاطفي، وبعض العُقَد الخفيفة، والتي تتطور عند بعض الصغار وتصبح عقدًا كبيرة يصعب زوالُها، وهذا يتناسب مع دينِنا الذي جعل الحضانة للأم، وحرص على عدم انفصال الأم عن طفلها قبل سن السابعة.
3- واضحٌ أن ابنتك تفتقدك وتريدك معها دائمًا؛ فلما أُجبرت على دخول المدرسة، استسلمت واستعاضت عنك بابن الجيران، وجلوسك معها (يوم غاب) كان خطوة تربوية رائعة منك، ولو أنك تركتِها، لزاد وضعها صعوبة.
4- أما قضية الصبيان والبنات، فقد وضع الله لها حلاًّ ولا تجهدي نفسك بها: ففي سن السابعة ينفر الصبيان من البنات، ويستخفون بهن ويسخرون منهن، وهذا شيء معروف وملاحظ (وكلمتني عنه قريبتي التي تسكن في فرنسا)، فلا تستعجلي على بنتك، وانتظري حتى تصل لهذه السن، ثم نفِّريها من التعامل مع الصبيان، خاصة أنهم يميلون للعنف في هذه السن، ويتعاملون بجفوة وقسوة؛ مما يسهِّل عليك إبعادَ ابنتك عنهم.
أما الآن، فما زال الوقت مبكرًا للدخول في هذه التفصيلات.
5- وحسْبُك أن تحافظي على نفسية ابنتك وعلى مشاعرها، وأن تجدي لها في صفها قدوةً أخرى غير ابن الجيران، وأنصحك بأن تبحثي في الصف عن فتاة مهذبة وشخصيتها تنسجم مع شخصية بنتك، ثم تتعرفي على أمها جيدًا، وتربطي بنتك بها، وبذلك تنصرف تلقائيًّا عن الولد، وتصبح هذه الفتاة رفيقتَها ومصدرَ إلهامها.
وأسأل الله أن يوفقك ويسهل مهمتك!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن