وعادت الامتحانات
رجعتِ الاختبارات، ورجع معها الاستنفارُ والقلق، وحين سألت الطلاب والطالبات عن سبب قلقهم، قال بعضهم: "خوفًا وخشية من فوات التفوق"، وقال آخرون: "السبب صعوبة القَبول في الجامعات"، والنتيجة واحدة: "الحرص على جمعِ أكبر عددٍ من العلامات":
1- أوَهَل "التفوق" بحد ذاته هدف راقٍ فنسعى إليه ونفتخر به؟
في الحقيقة ليس كذلك! وإنه وسيلة، وليس هدفًا، ولكن ومع مرور الأيام أصبح التفوق غايةً في حد ذاته، ونسي الطلابُ هدفَهم الأصلي، وهو "الفهم" والاستيعاب، وها هي المدارس تُخرج المتفوقين الذين لا يستطيعون قراءة جملتين بلا خطأ نحْوي، ولا يحفظون من المنهج إلا ما يدخل منه في الامتحان، ولا يستطيعون حل مسألة إذا لم ترِدْ هي ذاتها محلولةً في الكتاب المقرَّر عليهم.
فبماذا عاد التفوق عليهم؟
الواقع أن التفوق لا يدلُّ على الكثير في أيامنا! ولقد كان التفوقُ في الماضي يُعَد إنجازًا عظيمًا؛ لأنه الدليل الموثَّق على الفهم والاستيعاب، وعلى تميُّز هذا الطالب عن ذاك، وكان لا يصل إليه إلا قلة قليلة، لكنه صار اليوم دليلاً على الحافظة القوية والقدرة على صم المواد! فالمتفوق يحرص على جمعِ وحفظ المعلومات؛ ليصل إلى العلامة وينتهي الموضوع، وإذا أعطاه الأستاذ مجموعةً من الأسئلة المتوقَّعة، اكتفى بها ولم يدرس غيرها! وهذا لا يليق بمن يطلب العلم، ولشدة اهتمامِ الناس بالعلامات؛ أقدَمَ بعض الطلاب على الغشِّ؛ لكي يصلوا إليها!
2- أما قولهم: "نخاف لصعوبة القَبول في الجامعات"، فلماذا يبدؤون الاستنفار من الصف الأول إذًا؟ سيقولون: لنعوِّد الطفل على الدراسة! ولكن الطفل لا يتعود، بل يمل! وأنا أعرف الكثيرين ممَّن ضغَط عليهم أهلوهم ليتفوقوا، فملُّوا الدراسة، وكرهوا المراجعة في الكتب، حتى إذا وصلوا إلى المرحلة الثانوية تراجعت علاماتُهم، وكانت معدلاتهم غيرَ جيدة، وقد كانوا من قبلُ من المتفوِّقين.
والجامعات اليوم لا تقبل إلا المعدلات العالية جدًّا جدًّا، وهذه الدرجة لا ينالها إلا السابقونَ، وهم قلة قليلة، والأغلبية لن يجدوا سوى الجامعات الأهلية، والجامعات الأهلية لا تطلُبُ المعدلات العالية، بل تطلب الطلاب أنفسهم؛ ليعمروها بأموالهم، ويساهموا في بقائها، والحمد لله أن الجامعاتِ الخاصة أصبحت كثيرةً وجيدة، والخيارات كبيرة، والاختصاصات منوَّعة، ولم يعُدِ المجموع النهائي مهمًّا لهذه الدرجة، فلِم الاستنفارُ إذًا، ولِم حَرْق الأعصاب؟ ولِم التنافسُ في أمور الدنيا؟
أيتها الفتياتُ، لا تحرِقْنَ أعصابَكن، واسْعَيْنَ للعلم والفهم؛ فهذا ما سينفعُكن، وينفع بكنَّ.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن