صورة من المجتمع التركي
تتعدد المؤسسات الوقفية والجمعيات الإسلامية في تركيا، لا سيما تلك التي يديرها العرب، وتتنوع أدوارهم بين بثّ الروح الإسلامية في المجتمع التركي وترسيخ قيم الدين الحنيف، وبين بذل الطاقة في إطلاق الألسنة العربية لدى أولادهم. ولا تنفكّ تلك المؤسسات الوقفية تجمع الشمل العربيّ، وتعزِّز الأواصر بين أبناء الأُسَر العربية. من تلك النماذج وقف دار السلام، الذي يقع في إسطنبول في محيط مسجد السلطان محمد الفاتح رحمه الله، فيستلهم العاملون في الوقف من سيرة هذا القائد المظفّر العظيم، راجين مِن المولى سبحانه أن تؤوب أمجاد المسلمين، منطلقة مِن أرض الخلافة العثمانية التي حكمت بالإسلام أكثر مِن أربعمائة عام متواصلة.
وكان لمجلة منبر الداعيات حوارٌ مع الأخت سوزان شيخة، مدرِّسة في هذا الوقف ومسؤولة إجازات القرآن الكريم فيه، التي أطلعتنا على نشاط هذه المؤسسة الإسلامية وأقسامها وأهدافها، وقدّمت لنا صوراً من طبيعة المجتمع التركي: عاداته، وتقاليده، وأخلاقه وآماله...
1. «منبر الداعيات»: بداية، لو تحدثينا عن أقسام وقف دار السلام.
- هو وقف إسلامي يهتم بشرائح المجتمع كافة: الطلاب والأطفال الرجال والنساء. ويُعنى بالدرجة الأولى بالقرآن الكريم، تعهّداً وتلاوةً وحفظاً. ننظم عادة دورات القرآن الكريم على مدار العام، حيث تُقام دورات للأطفال تتخللها نشاطات ترفيهية وتثقيفية، ودورات نسائية، ودورات للمبتدئات التركيات اللواتي لا يعرفن العربية، أو يعرفن قليلاً منها. وكذلك الأمر بالنسبة لقسم الرجال؛ حيث يهتم الإخوة بتصحيح التلاوة، والتحفيظ، وتنظيم النشاطات الخاصة التي تثقّف الرجل والشاب وتعلّمه وتزكّيه. بالنسبة لنا في القسم النسائي، لدينا حوالي 200 طالبة من العرب والأتراك، و80 ناشئاً من سن 7 إلى 16 سنة. نبدأ مع الطالبات، لا سيما التركيات، في السنة الأولى بما يسمى «القراءة النورانية» حيث نهتم بتعليمهنّ الإعجام (الفتحة والضمة)، ثم في السنة الثانية تتحسن تلاوة الطالبة بشكل كبير وتبدأ بالحفظ.
2. «منبر الداعيات»: هل يعاني الأتراك مِن صعوبات في حفظ القرآن وتلاوته؟
- المشكلة ليست في حفظ القرآن الكريم، وإنما في كيفية نُطق الكلمات، فالأتراك لغتهم بالحرف اللاتيني، وبالتالي يجدون صعوبة في نطق الحرف العربي، وتلاوة القرآن الكريم لا بد أن تكون قراءة تامة صحيحة نطقاً وإعجاماً وتجويداً. والجدير بالذكر أن تركيا تحوي أكبر عدد من حفّاظ القرآن الكريم في العالم، مما يثير إعجابنا بهذا الشعب المهتم بالقرآن العظيم، وبحفظه الذي يثير العجبَ رغم اختلاف لسانه عن لسان القرآن العربيّ.
3. «منبر الداعيات»: كـــيــف هي علاقـــاتــــكـــم بالشخصيات والجمعيات والمؤسسات الإسلامية في العالم؟
- لدينا في الوقف علاقات طيبة مع العديد من الجمعيات والهيئات الإسلامية داخل تركيا وخارجها؛ فنحن مرتبطون بالهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، نعطي الإجازات وهم يطّلعون عليها. وكذلك بالنسبة لعلاقاتنا مع شخصيات إسلامية عالمية من دعاة وعلماء وفقهاء، حيث نستضيف أحدهم أسبوعياً في دار السلام.
4. « منبرالداعيات»: إذاً ما أبرز نشاطات وقف دار السلام؟
- نقيم في الدار العديد من الأنشطة، أبرزها: حفلات تكريم المحجبات، حفلات الزواج والخِطبة، نشاطات وإفطارات رمضانية إيمانية شبه يومية، إضافة إلى ختمات القرآن الكريم. وتهتم الأخت ياسمين موصللي بالعمل النسائي أيضاً، إضافة إلى منح إجازات القرآن الكريم. وفي نشاط الوعظ الأسبوعي للرجال والنساء نستضيف شخصية إسلامية في كل أسبوع؛ ومِن أبرز هؤلاء العلماء والدعاة الذين استضفناهم: الشيخ محمد الصابوني، الشيخ وهبة الزحيلي، الأستاذ أحمد الراوي، الأستاذ فاتح الراوي، الشيخ يحيى الغوثاني، الداعية محمد العريفي، الكابتن د. محمد موسى الشريف، د. محمد راتب النابلسي، وغيرهم.. ومن المنشدين أبو الجود، وأبو راتب.. كما ينظم دار السلام ملتقى سنوياً للعائلات العربية، حيث تجتمع العائلات مدة أربعة أيام في منتجع كبير يضم حوالي ستين عائلة، أي ما يقارب 300 شخص، يتخلّل الملتقى تطبيق برنامج إيماني وثقافي، وتتم استضافة دعاة وشخصيات إسلامية. هذا ويُسْهم قسم الإخوة في تنظيم نشاط الوعظ الأسبوعي وغيره من النشاطات، بإشراف المسؤول الشيخ خالد درويشي، وهو مسؤول إجازات القرآن أيضاً لدى الرجال. إضافة إلى ذلك، نقوم في وقف دار السلام بأنشطة مختلفة للأطفال، مِن رحلات، ولقاءات ترفيهية، وزيارات إلى المساجد، ونشاطات فنية ورياضية.. وغيرها.
5. «منبر الداعيات»: من خلال تعاطيكم اليومي مع الأتراك، كيف يمكنك أن تَصِفي لنا هذا الشعب؟
- يتميز الشعب التركي بصفات طيبة ورائعة تميزه عن كثير من الشعوب الإسلامية. فكما تعرفون، تنقسم تركيا إلى جزأين؛ أحدها يقع في القارة الآسيوية والآخر في القارة الأوروبية، والواضح أن الشعب التركي قد تأثر بالأوروبيين في بعض صفاتهم وقيمهم، لذا نلاحظ أن الفئة المتدينة مِن الأتراك جمعت بين أصالة القيم الإسلامية الرفيعة وبين عادات حسَنة متعارف عليها عند الشعب الأوروبي. وأبرز ما يميز الأتراك اعتزازهم بأنفسهم وبحضارتهم، ولذا فليس لديهم ما يسمى بعقدة «الخواجة»، عقدة التطلع الدائم إلى الغرب. كما يعتز الأتراك بلغتهم، ويحرصون على النعمة، وعدم الإسراف. تسود في مجتمعهم سمة تَسَاوي الطبقات؛ فرئيس وزرائهم كان يزور الفقراء كل يوم.. ويتميزون باهتمامهم بالنظافة. الشعب التركي بشكل عام متواضع، يقدّر العلماء ويكنّ لهم الاحترام، مهذب، راقٍ، ولا يُلقي بالاً للمظاهر.
6. «منبر الداعيات»: ما السّر وراء هذه الصفات المتميزة؟
- الأتراك يعتنون بتربية أولادهم، يربّونهم على هذه الصفات، يعلِّمونهم المسؤولية، والرُقيّ في التعامل، وترك شؤون الآخرين.. يتربّون على العزّة والكرامة، وتحمّل الضغط والأعباء.. هذا هو السرّ: التربية. كما أن التركي ليس بحاجة لأن يعمل خارج بلده، فهو يحظى في بلده بالتأمين الصحي، وبمستوى معيشي جيد، لأن مستوى الدخل عالٍ خاصة في مدينة إسطنبول. وأظن أخيراً أن إشارات النصر ستأتي من هذا الشعب، لا سيما أنهم يهتمّون باللغة العربية بشكل لافت للنظر، بينما يُدْبر كثير مِن العرب عن لغتهم الأم!
] ] ]
في الختام نشكر الأخت سوزان شيخة على هذا الحوار الذي ألقى الضوء على صورة مشرقة من داخل المجتمع التركيl
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة