حوار مع الكاتبة الإسلامية نوال السباعي
على الرغم من وجودها في بلاد الغربة إلا أن قلمها لم يغترب يوماً عن هموم وقضايا أمتها.. إنّها الكاتبة الإسلامية نوال السباعي...
- كاتبة في العديد من الصحف والمجلات الورقية والمطبوعة..
- عملت محاورة ومعلّقة سياسية في عدد من الإذاعات والقنوات الفضائية...
- حاضرت وتحاضر في العديد من الجامعات الإسبانية والمراكز الثقافية في مختلف المقاطعات الإسبانية عن المرأة المسلمة، وواقع العالم الإسلامي، والوضع الاجتماعي في العالم العربي وبين الجاليات المسلمة في إسبانيا...
- مقيمة في مدريد - إسبانيا مع زوجها وأولادها الأربعة بعد أن غادرت وطنها الأصلي (سوريا) في العام 1982.. l من مؤلفاتها: «الراقصون على جراحنا» و«خواطر في زمن المحنة»... كان لمنبر الداعيات حوارٌ معها حول خلفيات وأبعاد الثورات؛ فإلى الحوار...
1. «منبر الداعيات»: كيف تقوِّمين أداء النخبة المثقفة من ناحية بثّ الوعي في صفوف الشعوب في ظل الثورات التي تشهدها الدول العربية؟
لقد قاد «المثقفون الأحرار» عملية إعادة صياغة كثيرٍ من عقول شبابنا المثقف في طول المنطقة وعرضها... قضية «سلمية الثورة»، موضوع «لا للطائفية»، موضوع «التغيير من الداخل»، من أنفسنا، سلوكيات شباب الثورة في تونس مع الجيش وقوى الأمن، تصرفات شباب الثورة المصرية في ميدان التحرير... إذا أجرينا مسحاً عاماً لكل ما كتب خلال الثلاثين عاماً الأخيرة من قِبَل المثقفين الأحرار، لما استغربنا ولادة هذه الثورة بالشكل الذي ولدت فيه. وأشدِّد على المثقفين الأحرار، فمن هم؟! إنهم أولئك الذين لا يُباعون ولا يُشترَوْن! طبعاً لكل إنسان ثمن! ولكنّ هنالك فرقاً كبيراً بين أن يكون ثمنك أجراً مقبوضة أو داراً أو وسام «شرف»، وبين أن يكون ثمنك تكريماً واعترافاً بالفضل والجميل. هناك المئات من الأقلام الحرة التي كان هَمّ الأمة يؤرِّقها، وقد عملت هذه الفئة ليلاً ونهاراً للتمهيد لهذه الفترة التاريخية، وهذه الثورة العظيمة المذهلة، التي قام بها الشباب... هي ثورة أمة!
2. «منبر الداعيات»: كيف تتابع الجالية الإسلامية في بلاد الاغتراب ما يجري من أحداث على أرض سوريا؟ وماذا قدّم المغتربون للثورة؟ وهل من تحركات تقوم بها الجالية السورية دعماً لإخوانهم في سوريا؟
في إسبانيا، ومنذ اليوم الأول للثورة، تمخّض الحال عن وقوف بعض السوريين مع الثورة دون قيد أو شرط، حيث قام شباب الجالية من الداعمين للثورة بتأسيس «تنسيقية مدريد» لدعم الثورة السورية... المظاهرات كل يوم أحد أمام السفارة السورية لم تنقطع، وهناك اعتصام يوميّ كذلك يقوم به بعض الشباب بشكل دوري، بالإضافة إلى نشاطات ثقافية وبعض النشاطات السياسية... لدينا في «التنسيقية» كثيرون من الباحثين في الجامعات الإسبانية، و«التنسيقية» على اتصال مع مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسبانية..
3. «منبر الداعيات»: ما تقويمك لدور المرأة المسلمة في ثورات التغيير في البلدان العربية وسوريا خاصة؟
من دعا إلى النزول إلى ميدان التحرير في مصر؟ فتاة لا تتجاوز الرابعة والعشرين من عمرها!... كانت النساء تحمل الهمّ مثل الرجال في الثورة تصدياً وثباتاً، وعملاً تنظيمياً وتقنياً؛ كنّ هناك «بمقشّاتهن» وكنّ هناك بكاميرات التصوير ونقل الحدث إلى العالم، كما بآلامهن وآمالهن وجراحهن وتضحياتهنّ التي وصلت إلى حد الموت في سبيل تحقيق الهدف. من دعا إلى الثورة اليمنية؟ الأستاذة «تَوَكُّل كرمان» التي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها، وهل رأينا مظاهرات اليمن المليونية الحاشدة بغير نسائها؟ مَن بدأ الثورة في سورية؟ أليست الأستاذة «سهير الأتاسي» الصابرة الصامدة؟ كانت النساء مع الرجال في كل خطوة وكلمة وفعل في هذه الثورة الإنسانية الكبرى، التي لم تهدف ولا تهدف إلى إسقاط رؤوس الفتنة والفساد والظلم السياسي فحسب، بل إلى جرف كل المنظومة الفكرية التي أَسست لكل هذا الفساد والاستبداد والاستعباد في منطقتنا. لقد شغلنا الاستبداد السياسي والتفكير في طرق الخلاص منه كثيراً جداً عن رؤية الظلم الاجتماعي الذي عمّ مجتمعاتنا، وخاصة فيما يتعلّق بموضوع المرأة بالذات والأطفال... وهذه الثورة فرصة وحيدة وفريدة لإجراء هذا التغيير في حياتنا نحو التطهير الاجتماعي، والارتقاء بثقافاتنا المهترئة إلى مستوى حضارتنا وقيمها الأخلاقية الإنسانية الفريدة.
4. «منبر الداعيات»: قلتِ في إحدى مقالاتك: «الثورة التي تشهدها المنطقة العربية اليوم تعتبر واحدة من أكثر الظواهر البشرية السياسية العالمية إدهاشاً»؛ فما سبب ذلك؟
كان من المنتظر أن تتفجر المجتمعات من داخلها، ولا يحدث التغيير إلا بمخاضات عنيفة وطويلة الأمد، أو عن طريق كوارث طبيعية أو سياسية خارجية أو حروب عالمية؛ أما أن يأتي التغيير بهذا الشكل الإنساني الرائع فهو ظاهرة مذهلة بحاجة إلى الدرس والتمحيص والمراقبة، بصرف النظر عن هذه الأغوال التي تريد أن تنحرف بالثورة وترغمها على حمل السلاح أو تغيير مسارها. إنها ثورة جديرة بالاحترام والإعجاب والدهشة، لأنها فعل إنساني سِلمي حضاري في منطقةٍ طالما اختُطفت باسم التدين والعنف والطائفية، إنها ثورة الإنسان عندما يشب عن الطوق المعتاد في حياته البائسة، وينمو بسرعة رهيبة، ليتجاوز الحركات السياسية والمخططات الاستعمارية والاستيطانية والاستلابية والاستكبارية... ثورة لا يد فيها للخارج ولا للحركات السياسية ولا للأشخاص، لا الكبار منهم ولا المرموقين ولا المعروفين، ثورة الشعب بأبنائه، بأمواجه التي تكتسح كل شيء، بروحه المتطلعة إلى الخلاص من الأدران السياسية والاجتماعية، بأبطاله المغمورين الذين لا أسماء لهم؛ يظهرون لنا في نشرات الأخبار وقد اجتُثت حنجرة هذا، وفُجِّر وجه ذاك، وقَتَلت الغيلان في ليبيا ذلك وهو يرفض أن يقول: «الله... ليبيا... معمر»، وتتلوّى أجسادهم الغضة النحيلة تحت ضغط الغازات السامّة في تعز وصنعاء!!.. ثورة بلادٍ بشبابها ونسائها وأطفالها ومساجدها وأهازيجها وأناشيدها ودمائها واختراعاتها المبدعة المذهلة... ثورة أعادت الحياة للأمة، وأعادت لها وجودها على خارطة العالم كما على خارطة قهرنا الممتدة من المحيط إلى الخليج.. ثورة بأسلحتها العجيبة: لا للعنف، لا للطائفية، لا لطلب التدخلات العسكرية، نعم للأخلاق، نعم للثبات والرباط والصبر، نعم للمصداقية والطهر والغد والفجر والتحرر والكرامة والحياة. نعم لتغيير كل شيء في حياتنا، بدءً من إفهام الرؤساء أنهم خدم لدى الأمة، إلى إفهام الشعوب بأنهم ليسوا عبيداً إلا لله.
5. «منبر الداعيات»: ما انعكاسات هذه الثورات على واقع المنطقة بأكملها؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها؟
هذه الثورة بدأت من سيدي بوعزيز في تونس، وشبّت نيرانها في هشيم حياتنا الكئيبة المستنقعية، ولن تتوقف.. ستغيّر وجه المنطقة كلها بإذن الله، سلباً أو إيجاباً، وهذا يتوقف على قدرة الشعوب على الصمود والرغبة في التغيير. لن يكون هنالك أحد في المنطقة العربية كلها بمنأى عن هذه الثورة، ومهما فعلت هذه الأنظمة لتتلافى النيران من أن تشبّ في أطراف ثيابها، ستصل الثورة إلى كل بيت وزنقة ومسجد ورأس وفكر وسلوك وحكومة ومجلس شعب وكتاب وعمود صحفي، ستصل بإذن الله إلى كل مدرسة وسوق ودبابة وبندقية، وسيتعلم «العرب» أن يصوِّبوا بنادقهم إلى الأعداء ردعاً لا عدواناً، وسيتعلمون كيف يعودون إلى الحياة بعد كل هذا الموات الذي دفنوا أنفسهم فيه. تحديات الثورة أكثر من أن تُعد وتُحصى، بدءً من النظام الدولي، والقوى الاستعمارية العالمية التي تريد للمنطقة أن تبقى راكعة مكسَّرة الرُكب، مروراً بالقوى الإقليمية وشبكة علاقاتها مع الأُسَر التي اختطفت البلاد في المنطقة، والكيان الصهيوني؛ السرطان الخبيث في أحشائنا، وانتهاءً بصغار الآدميين من المنتفعين من الأوضاع القديمة ومن المنافقين والمتسلقين وأصحاب الضمائر المنخورة والنفوس القذرة. لكن أعظم التحديات سيأتي من أنفسنا نحن، أبناء هذه الشعوب التي قُهرت طويلاً وأُذِلَّت طويلاً ونُهِبَت حتى صارت البلاد قاعاً صفصفاً.. التحدي هو أن لا يستطيع الإنسان في المنطقة أن يرتقي إلى مستوى الحدث، وأن تحاول الحركات والأحزاب التقليدية اختطاف الثورة دون أن تكون لديها القدرة على إحداث ثورة في كياناتها وهياكلها وتفكيرها وسلوكها... التحدي هو أن ندّعي وصلاً بالثورة ونحن لا نفقه من الثورة إلا الوصول إلى كرسي الحكم.. التحدي هو أن نسقط في مهاوي عجزنا عن تطوير أنفسنا وأفكارنا وأخلاقنا وسلوكنا.. التحدي في أن لا تترك الأجيال القديمة مكاناً للأجيال الجديدة لاستلام الدفة وتسيير الرَّكْب بما تقتضيه المرحلة، وليس بموروثات القهر والاستبداد والارتكاس والأمراض المتراكبة.. التحدي هو أن نُجهض الثورة بأيدينا، سِلماً أو سلاحاً؛ وتضيق أنفسنا، فلا نفقه أن الثورات تحتاج إلى وقتها وضحاياها ومساحاتها إنسانياً واجتماعياً حتى تؤتي أُكلها.
6. «منبر الداعيات»: الإعلام: كيف تقوِّمين دوره وتأثيره في الثورات العربية؟
لا يوجد إعلام حر في عالمنا اليوم، ولكن يوجد من هو أكثر مصداقية من غيره، ومن هو أكثر إنسانية من غيره، ومن يعمل فيه رجال ونساء أكثر مهنية والتزاماً بقضايا الأمة من غيرهم، كما يوجد إعلام تتطابق توجهات القائمين عليه مع رغبة الجماهير، أو يتوافق ما يُعْلَن ويبدو من توجهات مالكيه مع ما تريد التعبير عنه قطاعات واسعة من الجماهير. بعد هذا التوضيح الهام الضروري، أنوِّه بالإعلام الإلكتروني الذي لعب دوراً هائلاً جداً في دعم هذه الثورات، وأُثني بأنّه ينبغي لكل حر أن يقف احتراماً للدور الكبير جداً الذي لعبه رجال ونساء قنوات إخبارية مثل البي بي سي الناطقة بالعربية، والجزيرة بكل فروعها، والحوار... في هذه المعركة التي كانت إعلامية بنفس القدر الذي كانت فيه مصيرية في ساحات الرعب والسحل والفرم والتعذيب في ليبيا وسورية على وجه الخصوص، خاصة في تلك الفترة التي ما كانت الجزيرة نفسها تريد الحديث عن الثورة السورية، وقد تأخرت فعلاً عن تغطية أحداث سورية سبعة عشر يوماً كان الإعلاميون العاملون فيها يتمزقون غيظاً وقهراً من هذا الموقف بالغ الحرج بالنسبة إليهم.. وحتى الساعة، وعلى الرغم من مرور خمسة أشهر على اندلاع الثورة في سورية، وعلى الرغم من التغطية الكاملة الشاملة الجيدة للثورة في سورية، لم ينزل لسورية إعلان ثوري خاص بها في هذه القناة! لولا أن سخّر الله الإعلام لما سقط القناع عن عائلة «قذاف الدم» – وهذا اسم العائلة الأصلي- التي اختطفت دولة وشعباً باسم الجماهير، وباسم الاشتراكية، وباسم حكم الشعب.. لولا ذلك ما سقط القناع عن «الممانعين» و«المقاومين» من عصابات أسرة «الوحش» في سورية - وهذا هو اسم العائلة الحقيقي، مصّاصي الدماء السورية، مغتصبي الفتيان، الذين يدّعون مقارعة العصابات المسلحة، وهم يمضون في طول سورية وعرضها دماراً ونهباً وزلزلة.. يريدون أن يمنعوا طلوع الشمس، وقد نسوا أن الليل كان هناك يُعَسْعس بينما الصباح يتنفس، وقد أذّن الفجر في سيدي بوعزيز، ولا رادّ لأمر الله، وقد أتى أمره... أراد الشعب، واستجاب الرب للدعاء، وبقي أن يستمر الشعب في الصمود حتى استكمال المسيرةl.
* منبر الداعيات: ختاماً نشكر الكاتبة الإسلامية الفاضلة نوال السباعي على هذا الحوار القيّم سائلين المولى أن يشرق فجر النصر والحرية قريباً على جميع المسلمين في كل أرجاء الأرض بإذن الله القويّ العزيز.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة