تعدد الزوجات والاحتياج الإنساني
هي "شهادةٌ" أقدّمها أمام الله، خاصة في هذه الظروف، مِنْ زيادة عدد النساء عن الرجال، فأصبح لدينا ملايين العازبات تخطين سن الثلاثين، وبضعة ملايين أخريات في نفس السن أرامل ومطلقات، حتى صرنا على حافة هاوية اجتماعية خطيرة علينا تداركها بحلول لا تتعارض مع شريعتنا وأخلاقنا.
انتشر التعدد جغرافياً عبر التاريخ الإنساني حتى شمل شعوب الأرض قاطبة، ولكن في أشكال مختلفة؛ فمنهم من اتخذ عشرات الزوجات، ومنهم من اتخذ خليلات في علاقات غير معترف بها رسمياً دينياً وخلقياً، لكنّ المجتمع سلّم به وتغافل عنه، وذلك للفرق البيّن في العدد بين الذكور والإناث وحاجة المرأة لممارسة إنسانيتها كاملة. وقد كان تعدد الزوجات منتشراً في أنحاء العالم قبل بعثة النبي محمد (ص).. وكان مطلقاً بلا أية ضوابط أو قيود؛ فلم يكن هناك حد أقصى لعدد الزوجات، ولم يُشترط له العَدْل بين الزوجات -كما أمر بذلك الإسلام.. وكان تعدد الزوجات معروفاً وممارَساً بين الأنبياء كخليل الرحمن إبراهيم، ويعقوب، وداوُد، وسليمان عليهم السلام. وكان تعدد الزوجات شائعاً في الشعوب ذات الأصل ((السلافي))، وهي التي تسمى الآن بالروس والصِّرب والتشيك والسلوفاك، وتضم أيضاً معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا. وكان شائعاً أيضاً بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد والنروج وإنجلترا.. ويلاحظ أن التعدد كان وما زال منتشراً بين شعوب وقبائل أخرى لا تدين بالإسلام.. ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند والصين واليابان ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا.
والمفاجأة أنه لا يوجد نص صريح في أيٍّ من أناجيل النصارى الأربعة يحرم التعدد، فتحريمه ما كان إلا تقليداً لبعض الشعوب الأوروبية التي كانت تحرمه، إلى أن صار جزءاً من عقيدتهم المحرفة.
وحين هاجم علماؤهم التعدد بشدة لم ينكروا حاجة المجتمع إليه، ولم يضعوا حلولاً بديلة عنه، وإنما أقرّوا حلولاً غير أخلاقية تحت مسمّى "الحرية!!".
إذن لم يكن الإسلام بدعاً في مسألة تعدد الزوجات، وإنما نظّمه وقنّنه وقيّده بعدد وشروط مشددة ليضمن سلامة المجتمع وذلك بحفظ حقوق كل الأطراف المعنية سواء الرجل أو زوجاته.
هي... تربت على مبادئ الإسلام، مستقيمة، غاضة الطرف إلا على ما أحل الله، لم يمسّها إنسان لا تحل له، تمر السنوات، يعتريها ما يعتري كل فتاة من رغبة جارفة في أن تكون زوجة وأماً، يحن قلبها لوليد تهبه كل الحنان والحب، تشتاق ككل أنثى لسماع كلمة "أمي"، ويتحرق قلبها شوقاً للمسة يد حانية من زوج، تلك اللمسة التي تحيي موات القلوب، وتستقيم معها الجوارح، فلا تمام لحياة أنثى إلا بِرَجُل، رجل واحد يكون حصناً وسنداً وعوناً وستراً، لا يقوم الوالد والأخ مقامه أبداً.
تأخر الوقت بعد مرور السنوات، ولم تعد هناك فرصة في تحقيق كل تلك الأحلام سوى في زيجة لرجل لديه زوجة أخرى، أو أن تستسلم لما حرم الله كي تشبع رغبة إنسانية لديها تؤرقها ليل نهار
هي... كان من الممكن أن تكون أنتِ، فماذا كنتِ فاعلة؟ فلنحكّم ضمائرنا قبل أن تموت بقية إنسانية فينا.
هي... كانت زوجة هانئة، عاشت في كنف زوج عرفت حقه وعرف حقها، فكان لها كظلٍ ظليل تستجير به من هجير الحياة، صار حياة فوق الحياة، كانت تنتظره وهو عائد من عمله منهكاً لتكون له واحة من الحب غناء.. كانت تلتمس فيه كل الحب فصار هو الأب والابن والأخ وحتى الأم.. صار مقدَّماً على الجميع.. ملأ الحياة طيباً وبهجة وودّاً، وكانت ثمرة الحب ابناً أو ابنة.. ثم رحل...
رحل في رحلة اللاعودة، وصارت هي وحيدة، مكسورة الظهر، فلا استقامة لحياة المرأة بلا زوج، هكذا فقهت أمنا خديجة رضي الله عنها، فأرسلت إليه كي يقبل هو، إنه الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي يصغرها بخمسة عشر عاماً، علمت أنه لا بد كي تكمل رحلة العطاء بلا صراع مع ذاتها أن يكون لديها زوج، وإن كان لا بد فلتقم هي باختياره ولتحسن الاختيار، حتى ولو كانت زيجة ثالثة... يقولون: كفاها، تكتفي بأبنائها! فأقول: فلنحكّم ضمائرنا، كيف نحرّم عليها ما جعله الله في حقها يصل لدرجة الواجب إذا هي تكدرت من الحياة في غياب زوج يعينها على هموم الدهر وعلى ممارسة مهامها بصورة طبيعية. لتكن ابنتك، أو أختك، أو حتى أنت.. فماذا ستفعلين؟
تلك حالات منتشرة في مجتمعاتنا بشكل كبير جداً لتصبح في حكم الظاهرة، هناك الملايين من النساء تنطبق عليهن تلك الحكايات وما هو أعظم منها ألماً ومرارة، فكيف نواجهها؟
هل ندع تلك المرأة تضيع في غياهب الخطايا؟ أم نحجر عليها ونمنعها من ممارسة فطرة خلقها الله بها، أم نفتح لها باباً من الرحمة فتحه الله عز وجل لها كي نجبر تلك الكسور ونرحم تلك القلوب
وأخيراً، إن الأمر لله من قبل ومن بعد، وقد كان سبحانه وتعالى قادراً على أن يخلق عدد الرجال مساوياً لعدد النساء إذا كان الأمر يستوجب عدم التعدد، وقد كان سبحانه قادراً على أن ينزع عن المرأة رغبتها في أن تكون أمّاً وزوجة إلا بالارتباط برجل، وقد كان سبحانه وتعالى قادراً على ألا يخلق معظم الرجال بقدرة على التعدد نفسية وجسدية، وهذا غير طبيعة المرأة السوية التي تأبى إلا أن تكون لرجل واحد... ولكن الله جعل تعدد الزوجات مخرجاً لهذه المشكلة، فأصبح لزاماً علينا نحن المسلمين والمسلمات أن نسلّم لأمر الله تبارك وتعالى، وألا نجادل فيه أو نناقش، فما لنا بعد حكم الله رأي، وإنّ كل ما علينا هو تنفيذ الشروط لا أكثر، وسوء التنفيذ لا يؤخذ على المنهج وإنما يؤخذ على من لم يطبقه.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن