لِمَ يا زوجتي؟
السَّلام عليكم،
أنا شابٌّ متزوِّج من سنتين، ولم يكن بيني وبين زوجتي أيُّ علاقةٍ قبلَ الزواج، وأنجبْنا بنتًا، عمرُها الآن أربعة أشهر، مِن حوالي شهرَين لاحظتُ تغيُّرًا في سلوك زوجتي تُجاهي، اتَّسمَ بالبرود والنُّفور، لا أعرِفُ لماذا؟ عِلمًا بأنَّه لم يكنْ بيننا أيُّ خلافات.
ومِن فتره ليستْ بعيدة وجدتُ على جوَّالِها أرقامًا لا تَحمِل اسمًا، اتصلتُ على الأرقام من جوَّالها، ووجدتُ رجلاً يردُّ عليَّ: أهلاً حبيبتي، لِمَ هذه الغَيْبة الطويلة؟! صُدِمتُ، ودارتْ بي الأرض، وخرجتُ من البيت هائمًا على وجهي، ولم أفلح، حتى في أن أعودَ وأُناقِشها في الأمر!
فقدتُ ثِقتي في كلِّ شيء، ويئِستُ من كلِّ شيء، إلاَّ رحمة الله - تعالى - وأنا الآن في منزلٍ آخرَ، وحالي لا يعلمُه إلاَّ اللهُ، ولا أدري ماذا أفعلُ؟ هل أرْجِع؟ ولِمَن أرْجع؟! لِمَن خانتْ ثقتي، واستخَفَّتْ بنظر الله؟
أفيدوني، أثابكم الله.
إذا سلَّمنا بأنَّ ما ذُكِر في هذا السُّؤال حقائقُ ثابتةٌ، لا هي ظنونٌ ولا أوهام، وهو ما يبدو مِن السِّياق، فإنَّ المشكلةَ من الحجم الكبير جدًّا، ووصفُها من الحجم الصغير جدًّا! وددتُ لو أنِّي عرفتُ تفصيلاً أكثرَ عن مستوى تديُّنك وتديُّن زوجتِك، والالتزام الشرعي لكلٍّ منكما، وكذلك مستوى تديُّن العائلتَين، وهل تزوجَتْك زوجتُك مختارةً، أم أكْرهَها أهلُها على الزواج منك
هل كانتْ علاقتُكما جيِّدة في البداية؟ هل قصَّرتَ أنت في علاقاتك الزوجيَّة معها، أو فتَرَ اهتمامُك العاطفيُّ بها؟ هل انشغلتَ عنها بعملك أو بأصحابك؟ هل تَغيبُ عنها النهارَ، وتأتيها في آخِرِ الليل؛ لتراها سُوَيعةً أو نحوَها، أو أنَّك تسافر وتتركها بالأيَّام والأسابيع
لكنِّي - وقد جهلتُ هذا كلَّه - سوف أقفزُ من فوقه، وأُجيب جوابًا عامًّا، وإن كنتُ أستشفُّ من صيغة السؤال أنَّ مستوى الالتزام الدِّيني متوسطٌ؛ لأنَّكَ قلتَ في أول سؤالك: "إنَّك تزوجت زوجتَك بغير علاقة سابقة بينكما"، وكأنَّ هذا أمرٌ فيه أكثر من رأي، وهل يَسمح الشرْعُ بعَلاقة بين الزوجين قبلَ الزواج؟! بل هل يسمح بما نراه في المسلسلاتِ العربية وغير العربية من خروج الخاطب مع خطيبته - أي: الخطيبين بالتعبير العامي لا الشرعي - وليس ثَمَّة عقد يربط بينهما، في نزهة ليس معهما أحدٌ من أهله أو من أهلها، أو خلوتهما معًا لا ثالثَ لهما؟! إنَّما سَمَح الشَّرعُ للخاطب برؤيةٍ شرعيَّة في حدودٍ فصَّلَتها المذاهب، ولم يصلْ أيسرُها إلى جواز الخلوة أبدًا، ناهيك عن علاقة، كائنة هذه العلاقة ما تكون
دعْنا من هذا كلِّه الآن، ولنتحدثْ عن مشكلِتك، فلولا أنَّ بينكما طفلةً عقَّدَت الأمور، لسمعتَ مني الجواب في خمسة أحرُف، لا تزيد ولا تنقص: "طلِّقْها"، أما وهذه الطفلة قد وُلِدت، فلا أجِدُ إلاَّ الحلَّ الأعقد والأصعب والأطول؛ حلاًّ سوف يستنزف الكثيرَ من وقتك وجُهدك وأعصابك، فإن كنتَ مستعدًّا له فذاك، وإلاَّ فعُدْ إلى الكلمة السابقة ذاتِ الحروف الخمسة، فهي الدواء
إنْ وجدتَ في نفسك القدرةَ، فامضِ في العلاج، استعِنْ بالله واطلبْ منه التوفيق، ثم رتِّب أفكارَك، وهدِّئ انفعالَك الذي بدَا شديدًا من رسالتك، والذي ينبغي أن يكونَ شديدًا حقًّا، ثم اذهبْ إلى بيتك، وأَغْلِق الباب عليك وعلى زوجتك، وتحدَّثْ معها بكلِّ الوضوح الذي تستطيعه، وبغاية الصرامة التي تملكها
قل لها: أنا عرفتُ أنَّك على علاقة ببعض الرِّجال الأجانب، واطَّلَعتُ على بعض التفصيلات المُفجِعة، وأريدُ أن أسمع منك القصَّة كاملةً من أوَّلها إلى آخرِها، وبكلِّ تفصيلاتها وجزئياتها، وحَذارِ مِن إخفاء أيِّ جزء من القصَّة، فلو أنَّكِ أخفيتِ عنِّي معلومةً واحدة أعرفها، فسوف أشكُّ أنَّك تُخفين عشرًا غيرها، ولن أثِقَ بك أبدًا
الذي أتوقَّعه من مواجهةٍ كهذه أن تحصلَ من زوجتك على واحدٍ من ردَّي الفعل الآتيين:
(أ): أن تتملصَ وتُنكِر الأمر إنكارًا تامًّا.
(ب): أن تنهارَ، وتبدأَ بالاعتراف
فإذا حصل الأمرُ الأوَّل، فلا مناصَ من القفز فورًا إلى الحلِّ النهائي الذي أشرتُ إليه في البداية، وهو الطَّلاق والفِراق، أمَّا إذا حصل الثاني، فحافظْ على رباطة جأشِك، واستَمِرَّ بالقوة التي بدأتَ بها، لكن مع إظهار بعضِ التشجيع الذي مِن شأنه أن يُساعد على تدفُّق الحديث.
استمعْ بلا مقاطعاتٍ حتى النهاية، وفي الخِتام فكِّرْ بسرعة لتقدير الموقف: هل كان حديثُها صريحًا وصادقًا، ولم تُخْفِ أيَّ جزء من الحقيقة
ما الدَّرجة التي وصلتْ إليها في عَلاقتِها؛ هل اقتصرتْ على الاتِّصال الهاتفيِّ، أم تجاوزتْه إلى اللِّقاء؟ كم مضى عليها؟ هل تحسُّ بالخجل، أم أنَّها لا تُبالي بما صنعتْ؟ هل تشعر بالندم، أم هي مُصرَّة على ذنبها؟ والسؤال الأخير: لماذا صنعتْ ما صنعتْ أصلاً
كما ترى، فإنَّ هذه الأسئلةَ كثيرة، لكنَّ أجوبتَها كلَّها تُكوِّن الصورةَ الكاملة، وأنت وحْدَك الذي يستطيعُ تقديرَ الموقف وإصدارَ الحُكم: هل حُسِم الموضوع، أم ما يزالُ طريق الرجعة مفتوحًا؟ أستطيعُ أن أتخيَّل بعضَ الإجابات التي تُساعد على حسم الموضوع واختيار الفراق:
(أ) لو وجدتَها مُصِرَّةً غيرَ نادمةٍ، ولا خَجِلة بصنيعها
(ب) لو وجدتَ أنَّ العلاقةَ قد تجاوزتِ المراحلَ الأوَّليَّة المقتصرة على الاتصال المُبهَم برجلٍ مجهول، ووصلت إلى اللِّقاء، أو إلى ما بعدَ اللقاء
(ج) إذا كانتْ قد أمضتْ في هذه المغامراتِ مدَّةً طويلة، نصف سنة مثلاً
(د) إذا كان سببُ هذا كلِّه هو أنَّها تكرهُك، ولا تريد الاستمرارَ في الحياة معك
لو أنَّك اكتشفتَ واحدًا أو أكثرَ من واحد من هذه الأمور، فنصيحتي لك هي إنهاءُ الزواج على الفَوْر، أمَّا إذا وجدتَ تردُّدًا وندمًا، ولمستَ النيَّة الصادقة في معالَجِة هذا الخطأ، ولا سيَّما إذا اكتشفتَ أنَّ هذا كلَّه منشؤُه انشغالُك، وتقصيرُك في واجباتك الزوجيَّة، أو انصرافُك عنها، وتركُها فريسةً للفراغ والملل، فابدأ بالعلاج
اطرحْ شروطَك بصرامة ووضوح:
(أ) الإقرار بالخطأ، والتصريح بالاعتذار الفوري، وإظهار الندم الصادق
(ب) القَسَم بأغلظِ الأيمان على قَطْع كلِّ علاقة حاضرة، وعدم الإقدام على أيِّ اتصال بأيِّ رجلٍ أجنبي إلى آخِرِ العمر
(ج) الموافقة على بقائها تحتَ المراقبة العلنيَّة بلا تذمُّر ولا اعتراض، لمدَّةٍ أنت وحدَك مَن يُحدِّدها، وقد تطول سنةً، أو خمس سنوات، أو عشرًا، حتى يعودَ إلى قلبك الاطمئنانُ المفقود
هذا ليس كلَّ شيء، ولا هو نهاية العِلاج؛ بل هو البداية، وبعد ذلك عليك أن تقومَ بعدَّة أمور معًا، وأن تُثابر عليها بلا ملل ولا كلل، ولو طال الزمن:
(أ) غيِّرْ نَمطَ حياتك؛ لتصبحَ أفعالُك غيرَ معلَنة ولا متوقَّعة، فلا تجعل لمغادرة البيت وقتًا محدَّدًا، ولا للعودة وقتًا معروفًا، عُدْ إلى البيت مرَّة ظهرًا، ومرَّة ضحًى، ومرَّة ليلاً، ومرَّة نهارًا، وإذا كان عملك يقتضي السَّفر والغياب الطويل، فغيِّر طبيعةَ عملك
(ب) افتحْ عينيك على الدوام، وراقبْ كلَّ ما يجري، ولا تسمحْ بأيِّ أسرار في حياة زوجتك.
(ج) شَغِّلْ كلَّ حواسِّك للاستشعار المبكِّر، بحيث ترصد أيَّ تغيُّر في سلوك زوجتك، أو في مشاعرها، وتَقَصَّ أي تغيُّر مهما كان يسيرًا.
(د) والأهمُّ من ذلك كلِّه: قمْ بواجباتك الزوجيَّةِ كاملةً، واملأِ الفراغ العاطفيَّ لزوجتك، اقرأْ بعض الكتب التي تُساعِدك على فَهْم نفسية المرأة ومشاعرها، وإذا استطعتَ فاشتركْ في دورات عن العلاقاتِ الزوجيَّة الناجحة، أو ثابر على سماع موادَّ مسجَّلة في هذا الشأن، وهي كثيرة بحمد الله
كلمة أخيرة:
لا أُوجِّهها إليك، بل إلى سواك من الأزواج الذين يعيشون حياةً آمِنة طبيعيَّة وهم السواد الأعظم بحمد الله -: أرجو ألاَّ يتفقَ لأحد منكم أن يقرأَ هذه المسألةَ، فيبدأ بتطبيقِ الوصفة السابقة "من باب الوقاية" - كما يظنُّ - لا من باب العِلاج، فإنَّها وصفةٌ قاسية لعلاج علَّة مميتة، إنَّها كالعلاج بالإشعاع الذي يصفونه لمرْضَى السرطان، يقتل كثيرًا من الخَلايا النافعة؛ ليُصيبَ الخلايا القاتلة، فهو علاجٌ مؤذٍ، لكنَّه يُتحمَّل لدفْع ما هو أشدُّ أذًى، فهل تتوقَّعون أن يُوصفَ هذا العِلاج القاسي لِمَن أصابه الزكامُ مثلاً؟ فليَحذرْ أيُّ زوج عاقل من الشكِّ في زوجته، ومراقبتها ومحاصرتها، ما دامتْ تعيش معه حياةً طبيعيَّة، فإنَّ الشكَّ يقتل الودَّ، والإحراج يقود إلى الإخراج، والأصلُ أنَّ الزوجةَ الصالحة أهلٌ للثِّقة بها، والاطمئنان إليها، وكذلك هنَّ عامَّةُ نسائنا المؤمنات - بحمد الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة