د. رياض علي الحسين
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم من جامعة الجنان.
متخصص في التفسير البياني والبلاغة القرآنية.
الانتماء الوظيفي: هو الميل العميق لدى الموظف إلى الالتزام برسالة المؤسسة، وتحقيق قيمها، والشعور بالولاء لها، والحرص على الإسهام في نجاحها واستمرارها.
ويتميز الانتماء بثلاثة عناصر:
ركائز الانتماء الوظيفي الفاعل:
مقاربات لتعزيز الانتماء الوظيفي:
تبنّي الميثاق الأخلاقي: عندما يشعر الموظف بأن المؤسسة التي يعمل فيها تتبنَّى معاييرَ أخلاقيّةً عالية، يزداد فخره بها، ويتعزز ارتباطه القيمي بها أيضًا؛ لأن الأخلاق هي مفتاح الوصول إلى قلوب الناس، روى أبو يعلى عن أبي هريرةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال: (إنكم لا تَسَعُون الناس بأموالكم، ولكنْ ليسعْهُم منكم بَسْطُ الوجه، وحُسنُ الخُلق)، وروى ابن ماجه وغيره عن ابن عمر –رضي الله عنه-: (المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)، وبخاصة المؤسسات التي تهتم بالجانب الخدمي والإغاثي؛ لأن أصحاب الحاجات لا يصبرون، ولا يَعذِرون، لذا جاء في صحيح البخاري: عن المِسوَر بن مَخرمة قال: قَسَمَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَقْبيَةً [القباء: لباس ضيق من لباس العجم] ولم يُعطِ مخرمةَ شيئًا؛ فقالَ مخرمةُ: يا بُنيَّ انطلقْ بنا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فانطلقتُ معه فقالَ: ادخل فادعه لي! قال: فدعوته له فخرج إليه وعليه قَبَاء منها فقال: يا أبا المسور خبأت هذا لك قال: فنظر إليه، فقال: رضي مخرمة.
نلاحظ كيف تصرف هذا الصحابي؛ لأنّه لم يحظَ بنصيبه من الأقبية، وكيف احتوى الرسول الكريم بإيثاره وحسن خلقه الموقف، وجعله يخرج راضيًا.
مما لا شكَّ فيه أنّ الناس –غالبًا- عندما يتعرفون إلى موظف في مؤسسة خيريّة يشعر الواحد منهم كأن طاقة القدر قد فُتحت له، فقد وجد من يُعينُه على أقساط أولاده، ويوفِّر له دواءه، ويُعينه على نوائب الدهر، فهو كما يقول أهل بيروت: (المرأة والصغير يحسبان الرجل على كل شيء قدير)، فإنْ قصّر أو لم يُعطِ المحتاج ما يطمح إليه، يتعرض للتنمُّر مع موجة من الغضب الحادّ، لذا يقول ابن حزم –رحمه الله-: (مَن تصدر لخدمة العامة، فلا بدَّ أن يتصدق ببعضٍ من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم، حتى وإن واصل عمل الليل بالنهار).
العدالة الإدارية: تحويل العلاقة بين المؤسسة والموظف من مجرد عقد عمل (أداء مقابل أجرة) إلى عقد نفسي واجتماعي، مع شعور بأنه شريك حقيقي في النجاح، ولا يكون ذلك إلآ من خلال منع المحاباة والتمييز، على ضوء قاعدة: لا استثناءات في الحق، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيحين: (إنما هلك الذين قبلَكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدَها).
فمراعاة العدالة سبب لتعزيز الانتماء الوظيفي.
التمكينُ وبِنَاء الثقة: وهذه ثنائية لا تقبل الفصل، فالتمكين من غير ثقة مجازفة، والثقة من غير تمكين فرصة ضائعة، وطاقة معطّلة.
فإعطاء الموظف الثقة، والصلاحيات، والفرص، والموارد التي تمكّنه من أداء عمله، يؤدي إلى تعزيز انتمائه إلى المؤسسة وسعيه في نجاحها، وإنما يكون ذلك بالتخفيف من المركزية الإدارية المفرطة، وإعطائه صلاحية اتخاذ القرار، وإجراء ما يلزم، مع التدريب، وتنمية المهارات، وتأمين فريق العمل.
الرَّفَاهُ الوظيفيّ: مجموعة الظروف المحيطة التي تجعل الموظف يتمكّن من أداء عمله براحةٍ، وأمانٍ، ورضا، وهو مقام أعلى من مقام الرضا الوظيفي.
ويمكن تحصيله من خلال النقاط الآتية:
فالكفاية تعزز الانتماء، وتحسّن الأداء، وقد ذُكر أنَّ أحد الخلفاء صلَّى مؤتمًا بإمام يخطئ في القراءة، وعندما سأل عنه، قيل له: إنّه حافظٌ متقن، فعلم أن همومًا شغلته، وفقرًا منسيًا سيطر عليه، فدفع له صرة من المال، وإذ به في اليوم التالي: يقرأ ولا يتلعثم، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» [أخرجه الترمذي وابن ماجه].
انعكاسات الانتماء الوظيفي على بيئة العمل:
إشارة إلى بعض الضوابط الشرعية:
الانتماء لا يعني التعصُّب الأعمى.
الانتماء لا يعني تبرير الظلم.
الانتماء طاعة بالمعروف
توصيات شرعية لبناء انتماءٍ وظيفيٍّ أصيل:
ختامًا: الانتماءُ الوظيفي رحلةٌ مستمرةٌ، وليست برنامجًا مؤقتًا، عندما يشعرُ الموظّفُ بالانتماء فهو لا يعمل بيده فقط، بل بقلبه، وعقله، وفكره، ولا يضيّع لحظة من وقته دونما فائدة، كما نقل ابن الجوزيِّ -رحمه الله- في كتابه "المنتظم": عن ابن عقيل الحنبلي -رحمه الله- حيث قال عن نفسه: "إنِّي لا يّحِلُّ لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مُذاكرةٍ ومُناظرةٍ، وبصري عن مُطالعةٍ: أَعملتُ فِكري في حال راحتي وأنا مُستطرِح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطِّرُه".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
د. رياض علي الحسين
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم من جامعة الجنان.
متخصص في التفسير البياني والبلاغة القرآنية.
الانتماء الوظيفيّ مقاربات في سُبل تنميته، وانعكاساتُه على بيئة العمل
المرأة والفتن الإعلامية… وعيٌ إيماني في زمن السوشيال ميديا
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الحادي عشر
عالم الجيولوجيا والداعية الإسلامي الكبير د. زغلول النجار رحلة الإيمان في معارج القرآن
أدب الحوار والجوار.. بين لغة العقل وهشيم النار