رمضان في المدينة المنورة
ألا ما أجمل تَعانُق شرف المكان والزمان، بل لعلي بُهرت حقاً بليالي رمضان وأنا في رحاب المدينة المنوّرة. أذكر حين نزلت في مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في رمضان المبارك في عام ١٣٩٩من هجرته صلى الله عليه وسلم، كنت أرى أموراً مبهرة مذهلة مدهشة حقاً... كنا نعبر قبل صلاة الفجر زقق «العنّابيّة» القديمة سيراً على الأقدام، ولشد ما كانت دهشتي حين كنت أرى المحالّ وقد أُغلقت بقطع من قماش ليس إلا!! قطع تقف حائلاً دون عبث القطط فقط. ولربما كذبت عيني حين رأيت النقود مرتبة على طاولة في محل صرافة دون حارس ولا بائع! فتسمرت في موقعي وقد ارتدت أطرافي دهشة غريبة وبدت الحيرة عليّ وكأني (أليس في مدينة العجائب)!!! فيتنقل بصري وإذ بي أرى قِطَعَ الذهب والمجوهرات وقد رُصّت في محالّ الذهب دون أن يلتفت إليها أحد! فأدركت أن هؤلاء قوم يُثبتون لنا أن الصلاة والطاعة والعبادة والإقبال على الله أغلى من الذهب والفضة وكنوز الأرض جميعاً.
مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم منورة وغيرها من المدن مُضاء، شتّان ما بين الإضاءة والنور... كل ما في المدينة يتلألأ طهراً وجمالاً. أكاد أجزم أنني لم أرَ أطيب ولا أنبل ولا أكرم من أهل طيبة الطيّبة. هم كرماء في كل الليالي والأيام، لكنهم في ليلة استقبالهم لشهر الخير والبركة كانوا يُسرجون ليلهم وهم يوزعون التمور على جيرانهم أياً كانت جنسيّاتهم بمحبة وبشر وسعادة غامرة. والسعيد من زار سوق التمور في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم هناك ترى الكرم والجود والعطاء والثقة بما عند الله. حدثتني صديقتي أنها كانت تزور المدينة للمرة الأولى في حياتها، وكانت تسير بسوق المدينة تنتقي هداياها لأهلها وبجانبها أختها... لم تصدق زميلتي حين سمعت صاحب الحانوت يقول لها: لقد بعت اليوم وجاري في الزاوية هناك لم يبدأ يومه بعد، فهلا اشتريت منه ما تريدين!!! تقول: فتحت عينيّ وأذنيّ لئلاّ يسقط مني سهواً أي خير يتردد حولي... وفي لحظة تعب وإعياء قالت لأختها: هيا عجلي فقد أنهكني الجوع... فسمعها أحد المارّين وقال منفعلاً: أتجوعين في مدينة رسول الله؟ والله لن يكون هذا. وقدم لها طعاماً يكفيها ويكفي أختها ليالي وأياماً!! أعوام مضت على هذه الحادثة ولا تزال صاحبتنا تدعو لذاك الغريب خاصة ولأهل المدينة عامة بالخير والبركة..
ويوم دعتني امرأة غريبة إلى مائدة عامرة فاخرة تنبعث منها روائح لذيذة يذوب الصائم شوقاً لها، رفضت وفي نفسي أنها رأتني غريبة الدّيار فأشفقت عليّ!! وأنا أمقت مشاعر الشفقة هذه فكيف وفي بيتي ولله الحمد ما لذ وطاب! ثم علمت فيما بعد أن أهل المدينة يستقبلون الصائمين على موائدهم العامرة بجوار الحرم، وكلما امتدت موائدهم ازداد أملهم بالله في مضاعفة الأجور. سلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدينته وأهلها الطيبين إلى يوم الدين...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة