الرجل شجاع وجريء
أكثر الأطفال اليوم يخافون من الظلام، من الحشرات والحيوانات، مِن الإبرة.. إنهم يخافون من أي شيء، وهذا يخدش بالرجولة، و"الشجاعة صفة رجولية" مهمَّة، على أن ما يفصل بين التهور والشجاعة "شعرة"! السباح يَقفز في الماء ليُنقذ غريقًا نقول: "شجاع"، أما لو قفز (من لا يعرف السباحة) لإنقاذه، قلنا: "متهور".
الرجل يحتاج للشجاعة، على أن الخوف فِطرة في الإنسان، والرجل قد يخاف، والحياة فيها الكثير من المواقف المباغتة والمخيفة، وفي الدنيا أشياء راعبة حقيقةً وتزلزل الأبطال، على أن الرجل يعرف متى يخاف فيَكفُّ ويبتعد، ومتى يقدم ويقتحم؛ فلا يُلجمه خوفه عن الدفاع عن نفسه (إن كان الوضع يتطلب ذلك).
وزرع الشجاعة من مهمات الآباء، ولكن الأمهات قادرات أيضًا على زرع الشجاعة في قلوب الأبناء، وإليك الطريقة:
• أنصحك أنت أولاً بالشجاعة، فلا تخافي مما لا يخيف (كالقطة)، وإن لم تستطيعي فأَخْفي خوفك وأظهري الشجاعة، كوني رابطة الجأش، متجلِّدة.
• لا تتحدَّثي عن مخاوفك المادية والصحية ولو بَدا صغيرك شجاعًا، فالكلام أمامه سيثير رعبه.
• لا تخوِّفي ابنك - مهما حصل - من الحيوانات المفترسة أو السامة، وتجنَّبي الحديث عن اللصوص والشرطة، لقد خوَّفتْ رفيقتي - يومًا - ابنها بالأسد الرابض تحت السرير، وحذَّرتْه من إخراج يده خارج حدود السرير وإلا قضم أصابعه، فخاف وارتدَع، واليوم تجاوز ابنها الأربعين وتزوَّج وبدَّل بيته وسريره، وما زال يخاف من مد يده خارج حدود السرير! ولا تُهدِّديه بالإبرة أو الطبيب أو عدم الحب أو الطرد من البيت أو.... هذه التهديدات ضارة جدًّا بنفسيات أبنائنا.
• وأبعديه عن مثيرات الخوف (التلفزيون وأفلام الرعب، الروايات المثيرة، وقصص الأشباح والعفاريت)، وإذا كبِر وبدأ يراها ويسمع عنها دعيه يرى "برامج صناعة السينما"؛ فإنها تُبيِّن المبالغات وكذب ما يُعرض، وسيتبيَّن كيف يقوم التمثيل على المؤثرات الصوتية والأوهام والخيالات.
وإذا سمع عاصفة أو رعدًا أو رأى برقًا، احضنيه واشرحي له ببساطة وثقة عن "المظاهر الطبيعية"؛ لكيلا يخاف منها، وأريه كتبًا وصورًا تشرحها له.
• تكلمي أمامه عن عظمة الشجاعة وجمالها، واطلُبي منه الدفاع عن نفسه عندما يعتدي عليه أقرانه، واحكي قصصًا عن شجاعة القادة والفاتحين، تكلمي عن فوائد الشجاعة وعواقبها؛ فهي أهم صفات العربي، وأول ما تحلَّى به الرسول عليه السلام، وهي صفة محترمة، وستظل أعلى الصفات مهما تغيَّرت العادات وتبدل الناس.
• دعي أطفالك يُجرِّبون المغامرة في الحدائق والأماكن الخلوية، فيركضون ويستكشفون ويتسلقون الأشجار، وادفعيهم لذلك (إن توثَّقتِ مِن أمنهم)، فيشبوا شجعانًا، ولا تخوفيهم من المجازفات إن لم يكن الخطر كبيرًا أو محققًا.
• ومن الشجاعة الاحتفاظ برباطة الجأش في الأزمات، والقدرة على التصرف بسرعة وبحكمة عند الحوادث، فإذا شبَّ حريق عُلِّم الصغير كيف يسلك؟ وبمن يستعين؟ وبأي المواد يُطفئه؟
ولا تفعلي مثلي؛ إذ كنت أخشى على أولادي من الأذى، فحَرَّمتُ عليهم مسَّ علبة الكبريت، أو اللعب بقابس الكهرباء، أو الاقتراب من المواد الحارقة، استبقت الأمور وحذرتهم أشد التحذير، والحمد لله أنهم جميعًا تجنَّبوا كل ما يؤذي (بينما آذى أقرانهم أنفسهم بمثل هذه الأشياء وتسبَّبوا في بعض الحوادث)، ولكني اكتشفت عندما كبِروا أن التخويف ضرهم، وها قد بلغ ابني الثانية عشرة وما زال يَرفض إشعال عود الكبريت!
• ولتربية الشجاعة عوِّدي ابنك الخروج للأمكنة المُعتمة وحده، وإذا خاف دربيه فأمسكي يده واسحبيه - ليلاً - إلى الحديقة (أو لغرفة منزوية في البيت)، وأضيئي أنوارها، وتجوَّلي معه في أنحائها، وكلِّميه عن موضوع يحبه، واستمري في هذا يومين، والمرة التي بعدها اسحبيه بالعتمة بلا أنوار، وأمسكي يده بحنان، وامشي في أرجائها، واشرحي له: "هذه الشجرة التي تراها بالنهار، وهذه علبة القمامة، وهذا خزان الماء، انظر لم يتغير شيء"، وفي المرات التي بعدها اجلِسا وراقبا ضوء القمر ونور النجوم، وكُلا واشربا في العتمة، واطلبي منه الدخول إلى البيت وإحضار مناديل أو أي شيء وابقي في الحديقة بانتظاره، وبعدها بمدة اطلبي منه أن يُحضر لك شيئًا من الحديقة بحيث يفتح الباب ويتناوله فورًا، وهكذا وبالتدريج يتعود وينسى خوفه، وسيفاجئك يومًا ويخرج إلى الحديقة وحيدًا
وهذه الخطوات تنفع لمعالجة أي خوف، سواء كان من الحيوانات أو الإبرة أو من أي شيء آخر، شرط أن تستعجلي في العلاج، فإن تأخَّرت صعب الأمر، وقد يتعذر.
الرجل جريء:
و"الجرأة" تلحق بالشجاعة وترتبط بها، ولا تعني التطاول وقلة الأدب؛ وإنما "الامتناع عن السلبية"، و"نبذ الحياء في الأمور المباحة والمستحبة"، فدرِّبي ابنك عليها باكرًا وحسب المواقف، فإذا دخل بيتًا يبدأ بالسلام على سكانه، وإذا اجتمع بأقرانه مُرِيهِ أن يبادر بإقامة العلاقات والصداقات.
والجرأة أنواع منوعة
• القدرة على دخول مجالس الكبار، والقدرة على التصرف بلباقة أمامهم، والقدرة على الوقوف أمام المدير والأساتذة والطلاب وإلقاء كلمة الصباح برباطة جأش وصوت قوي.
• الجرأة في "طرح فكرة جديدة"، وفي إبداء الرأي الشخصي.
• وفي "طرح الرأي الصائب المستند للشرع" ولو خالف رأيَ أقرانه، والصمود في الدفاع عن هذا الرأي ولو خالفوه كلُّهم؛ مثلاً: إذا وجد زملاءه يتخنثون (فيحلقون لِحَاهم، ويلبسون الأساور، ويطيلون شعورهم)، نهاهم ولم يُصبِح مثلهم
• وفي "شهادة" تَنصُر مظلومًا، وتدافع عن الحق، وهي أروع أنواع الجرأة وأعظمها، ومن أكثر ما يلزمنا في الحياة اليومية، ومنها "المجابهة" وقول "كلمة حق عند سلطان جائر"، وفي كل مكان يوجد سلطان جائر (رجل ذو نفوذ، أو ذو مال) و"الرجل" يتجرأ على ذاك المتسلط إذا استدعى الأمر (كأن يُوقف بدعةً، أو ينهى عن منكر، أو يأمر بمعروف)
.• و"الجرأة" في "الدفاع عن النفس" إن أخطأ الآخرون بحقه، فيَعترض على ما شاء وأمام من شاء، شرط: "أن يتحدَّث بهدوء وتهذيب، وبمنطق مقبول، ويتجنَّب العبارات السوقية والألفاظ النابية"؛ مثلاً: لو أخطأ المعلم في تصحيح ورقته وبخسه علامته راجَعَه، وإن ظلَمَه ووبَّخه على أمر (لم يفعله) استنكر واعترَض
• ومنها: "الاعتراف بالخطأ" و"التقصير"؛ ليعي الصغير "أنه بشر ويُخطئ"، فيدع الغرور والصلف والتكبُّر، ويتدرب على التراجع والاعتذار (عند الخطأ والنسيان)؛ فمثلاً: لو أفسد الصغير شيئًا بالخفاء، ثم وجد أخاه مُتَّهمًا (عوضًا عنه)، اعترف بأنه هو الفاعل، وتحمَّل النتائج.
وادفعيه للاعتذار؛ لتُحافظي على "نفسه اللوامة"، وليبقى حسيبًا على نفسه، فيبتعد عن الإيذاء، وادفعيه لإصلاح ما أفسده، والمثابرة على السلوك الصحيح.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن