الإعلام .. أية قوة!
بقلم: الإعلاميّ بشار غنام*
الأردن
تتنوع وظائف الإعلام بين الإخبار والتثقيف والترفيه والتوجيه وتفرُّعات ذلك، وهو ما يضع الإعلام في علم الاستراتيجيا ضمن خانة القوى الناعمة أي القوى ذات التأثير التراكمي غير المباشر، لكن السنوات الأخيرة أظهرت وظيفة جديدة للإعلام جعلته أداة للتغيير المباشر وهو ما بَرَز جلياً من خلال الدور الأساس للإعلام في الانقلابات الأخيرة في دول الربيع العربي؛ ما جعل الإعلام ينتقل استراتيجياً - أو يكاد - من خانة القوى الناعمة إلى خانة القوى الخشنة.
أصحاب دعوات التغيير عبر التاريخ فهموا ذلك جيداً، لذلك نجد الإعلام الناشط هو الأداة الأساسية التي استخدمتها الحركة البروتستانتية ضد الكنيسة الأوروبية التقليدية، كما نجد مثل ذلك منتصف القرن العشرين مع الثائر اليساري «تشي جيفارا» الذي لم يكن يحمل عندما تم اغتياله في أرياف «بوليفيا» سوى أقل القليل من الحاجيات، لكنه لم يتخل في أي وقت عن أدوات خطابه الثوري ومن ضمنها الآلة الكاتبة التي كان يجهز عليها بياناته ليطبعها وينشرها على الفلاحين، وهو - أي الإعلام - ذات السلاح الذي استخدمته حركات التغيير الاجتماعي التي اجتاحت أوروبا الشرقية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نجد وعياً عميقاً بأهمية الإعلام وتوظيفه لتحقيق أهداف الدعوة، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان واثقاً من قدرة مبادئه على اختراق القلوب والعقول كان كل ما يريده من زعماء الجزيرة الوثنيين هو: معركة أفكار متكافئة؛ يُنَحّى فيها السلاح جانباً ويستخدم كل طرف أدوات إعلامه لتتنافس الأفكار، وكان يطيل هتافه فيهم أن: «خلوا بيني وبين الناس».. لأن صاحب الرسالة عندما يخاطب الناس بمعاني العدل والخير ونفع البشرية والفضيلة ورفض الظلم إنما يخاطب فيهم الأفكار الأولية المرتبطة بكينونتهم كبشر.. بالتالي لن يجد عوائق ضخمة في إيصال رسالته (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30)، بعكس من يريد نشر فكرة تخالف هذه المعاني الفطرية فإنه يحتاج جهوداً مضاعفة للإقناع... ولهذا نجد هؤلاء يبذلون جهوداً جبارة لتسويق أفكارهم بمهنية عالية بينما يركن الإعلاميون الدعويون إلى حقّانية فكرتهم ويعتمدون فقط على ذلك للوصول إلى النجاح ويُهملون صنعة الإعلام كحرفة وعلم... مَثَلُهم كمثل الذي يقاتل تحت راية حقة بسيف صدئ ويظن أنه سينتصر، ولمثل هذا كان الفاروق يدعو في صلاته: (اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الكافر وعَجْز الثقة)!
أصحاب الدعوات الرسالية هم أحوج ما يكونون إلى سلاح الإعلام كأداة للتغيير تصاغ فيها أفكار المجتمع وتوجهاته وتصنع العقل الجمعي الذي ينتج الإصلاح الشامل. لكنهم - رغم بعض المحاولات الخجولة -ما زالوا يهملون هذه الصنعة التي هي لب دعوتهم؛ وهل تجد من بين وظائف العصر معنى أقرب لمفردة «دعا ودعوة « سوى مفردة «أَعْلَمَ وإعلام»؟
في عيّنة دراسية حديثة بحثت التوجهات الدراسية المستقبلية لخريجي الثانوية العامة ممن يشكلون القاعدة المناصرة والمنتمية لتيار الإسلام السياسي، وُجد أن أقل من 2% فقط يتوجهون لدراسة الإعلام!! – بينما يتوجه معظمهم للتخصصات العلمية من طب وهندسة وخلافهما - رغم أنهم هم الأحوج لها وهم الذين اكتوَوْا لعقودٍ بنيران التشويه الإعلامي والتأطير والتنميط المتحيز.
كما في المعارك المادية فكذلك في معارك الأفكار: لن ينتصر صاحب فكرة إذا دخل المعركة متجرداً من أمضى أسلحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* إعلامي مبدع في الإنتاج والإخراج – حائز على جوائز قيّمة من قناة الجزيرة وغيرها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة